تُحتِّم صلة القرابة والصداقة وغيرها من العلاقات الإنسانية على الأفراد التعامل بما تمليه عليهم من واجبات المودة وتقديم المساعدة عند اللزوم إلا أن البعض يستغل هذه العلاقات للحصول على كل ما يريد متجاوزاً الحد الطبيعي في المعاملات ومسبباً الإزعاج البالغ للمقربين منه وهو ما يُعرف بـ ” الابتزاز العاطفي ” الذي يُعد أحد أشكال التلاعب النفسي بين البشر.
مفهوم الابتزاز العاطفي
يرى الدكتور حسين الجوهري “مستشار تنمية بشرية وتطوير مؤسسي” أن الابتزاز العاطفي إن صح التعبير مجازاً هو عبارة عن جريمة مكتملة الأركان مبطنة من داخلها يسعى صاحبها أن يحقق هدف خاص به عن طريق من حوله أو من يتعاملون معه إما بالتهديد أو الوعيد أو الترغيب والترهيب.
أما من ناحية المفهوم النفسي فالابتزاز العاطفي هو نوع من أنواع السيطرة على الآخرين أو كما يصفه البعض نوع من أنواع الاستغلال والتلاعب في مشاعر الآخرين ليحقق به الإنسان ما يريده وليس ما يريده الآخرين.
هذا المفهوم الشامل للابتزاز العاطفي نرى أنفسنا نستعمله مع بعضنا البعض في حياتنا اليومية عن طريق طلب شيء ما ممن حولنا لينال حينئذ رضانا إن صح التعبير، وهناك خلط واضح عند العديد من الناس الذين يرون أن الابتزاز العاطفي يتمثل فقط في العلاقة بين رجل وامرأة دون مراعاة أن الأم قد تمارس أحياناً ابتزازاً عاطفياً على ولدها أو المدير الذي يمارس ذلك النوع من الابتزاز مع موظفيه ومن ثم فإن الابتزاز العاطفي هو سلوك حياتي له جانب سلبي وآخر إيجابي ولكنه في نهاية المطاف يندرج تحت مسمى التلاعب العاطفي بهدف تحقيق هدف معين أو فرض سيطرة معينة.
تابع ” الجوهري “: هناك خلط واضح كذلك بين الأسلوب التربوي والابتزاز العاطفي وهو ما نلاحظه بدرجة كبيرة خاصةً في مجال التربية وفي مجال تعزيز قيم معينة يراد غرسها في نفسية الموظفين من قِبل المدير أو غرسها في نفسية الطفل من جانب الأم إلخ إلخ..، وهذه ليست لها علاقة بالابتزاز العاطفي بتاتاً.
من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للابتزاز العاطفي؟
هناك بعض الأشخاص الأكثر عُرضة للابتزاز العاطفي من غيرهم ومن هذه الفئات من الناس هي:
- الأشخاص طيبي القلب التي لا تجرح الآخر.
- الشخص الذي يقدم تنازلات عدة في مواقفه للآخرين.
- من لا ينظر لذاته على أنها خط أحمر بالنسبة للآخر.
- من يذيبون شخصيتهم مع الآخرين بدرجة أكبر من اللازم.
يجدر الإشارة إلى أن الشخص المبتز عاطفياً يفهم مغاليق قلوب هؤلاء الناس ويتفهم مفاتيحها، وبالتالي فإن الشخص الذي يبتزنا عاطفياً ويريد بذلك أن يحقق هدف ما بداخله لابد له من أن يكون على دراية كبيرة بشخصيتنا وطريقة تفكيرنا ومشاعرنا.
على الجانب الآخر، قد يشعر بعض الناس الأكثر عُرضة للابتزاز العاطفي بشيء من الندم ولوم النفس عنما يتذكرون طريقة ابتزازهم عاطفياً من الآخر نتيجة تنازلاتهم الأكبر من اللازم التي يقدموها لهم، كما أن الابتزاز العاطفي غير مرتبط بنمط معين أو شخصية معينة بقدر ارتباطه بالمشاعر وطريقة توازنها، لذلك نلاحظ أن هناك بعض الأشخاص الأذكياء عاطفياً الذين يقومون بإجراء توازن داخلي في عواطفهم عكس الأشخاص طيبي القلب الذين لا يتحكمون في عواطفهم ومشاعرهم بالقدر المراد.
ما هي ملامح شخصية الفرد المبتز عاطفياً، وما هي أسبابها؟
تكمن أسباب الابتزاز العاطفي في تحقيق أغراض وأهداف معينة من قبل الشخص المبتز، لذلك نرى الطفل يبتز الأم أو الأب أو من حوله عاطفياً عن طريق الصياح للتعبير عن الجوع أو العطش أو لأنه يريد شيء معين، لذلك فإن أولى ملامح الشخصية المبتزة عاطفياً هي:
- البكاء.
- اللوم على الآخر.
- الذم.
- المديح حيث يمكن أن يستعمل المبتز عاطفياً هذه الطريقة للوصول إلى هدفه أو غرضه المراد ويقوم بها المبتز مادحاً من يقوم بابتزازه عاطفياً ليشعر بعدها من يُبتز بشيء من لوم النفس ومن ثم تكون هذه هي طريقة المُبتز للوصول إلى أهدافه، وهذا ما كان يمارسه شعراء الجاهلية عندما يأتون لمدح شيخ القبيلة ليُعطَى بعدها الشاعر أموالاً كبيرة على هذا الابتزاز أو المديح.
يمكننا القول بأن الابتزاز العاطفي ليس له عمر معين ولا صورة معينة على الرغم من أنه قد يكون شيئاً غريزياً عند الطفل بينما قد يكون له ممارسة مقصودة عند الكبار أو البالغين الذين يقومون به عن عمد خاصةً عند النساء التي تمتلك مكائد كبيرة وذكاء عاطفي واسع وبالتالي فإنها تستطيع أن تبتز غيرها عاطفياً بصورة سهلة، كما نرى المتسول الذي قد يكون في بعض الأحيان غير صادق ولكنه يقوم بابتزاز الغير عاطفياً ليصل إلى أهدافه مستعملاً بعض الأدوات التي تساعده في الوصول إلى هذا الهدف مثل اصطحاب طفل صغير بَكَّاء أثناء التسول أو باستخدام بعض الطرق والممارسات الأخرى.
كيف يمكننا تجنب ابتزازنا عاطفياً؟
لكي تمنع غيرك من ابتزازك عاطفياً عليك أن تتعلم أن تقول ” لا ” وهذه قضية مهمة حيث يجب علينا أن نتعلم كيفية عمل توازن بين الشعور العقلي والتفكير الداخلي لأن من يُبتز عاطفياً غالباً ما يُغلِّب مشاعره في عقله اللاواعي لكن حين نستعمل العقل الواعي فإننا نقوم بالعديد من المراجعات وهذه المراجعات عادةً ما تبدأ بقول ” لا ” حتى وإن هذا الشخص طيب القلب.
يمكننا الاعتراض على ما يطلبه الآخر منا عندما تتعارض هذه المصلحة مع ذاتنا وشخصيتنا وتفكيرنا، وبالتالي فإننا حين نتدرب على قول ” لا ” فإننا نتحول إلى شخصية متوازنة عاطفياً وعقلياً تمنعنا من أن نُستغل من الآخرين بل إننا نستطيع حينئذ تحقيق أهدافنا الذاتية دون أن نشعر بالخجل من أي شخص آخر من حولنا.
أضاف ” حسين الجوهري “: إن أي علاقة حياتية دائمة تتصف دائماً بكونها علاقة قائمة على تبادل المصالح بين الأفراد وليست قائمة على تحقيق مصلحة ذاتية من جانب فرد واحد فقط.
على سبيل المثال، نلاحظ فرق كبير بين الرجل والمرأة من حيث العاطفة حيث تتميز المرأة بإخلاصها في المشاعر أكثر من الرجل وبالتالي فإن هذا الإخلاص يجعلها أكثر عُرضة للابتزاز العاطفي مقارنةً بالرجل الذي قلما يتعرض لهذا الابتزاز كونه يُحكِّم عقله أكثر من عواطفه في الحكم على الأمور ولكنه على الرغم من ذلك يمكن أن يُبتز عاطفياً في مواقف معينة على عكس المرأة التي تُبتز عاطفياً من أول نظرة لأنه يغلب عليها الجانب العاطفي أكثر من العقلي، لذلك كلما استطاع الإنسان أن يوازن بين تفكيره وعقله الواعي واللاواعي وإصدار القرار في ذاته تجاه المصلحة كلما استطاع أن يتحكم في عواطفه بقدر كبير.
مثال آخر نراه في المؤسسة التي يعمل بها موظف ناجح ومديره الذي قد يكون سبباً في انتقال هذا الموظف من هذه المؤسسة إلى مؤسسة أخرى لأنه حين ينجز ويحقق نجاحات عملية داخل المؤسسة يُفاجَئ بأن هذه النجاحات لم تُنسب له وإنما نُسبت لمديره الذي ابتزه عاطفياً طوال الوقت حتى يقوم بهذا العمل، كما نرى ذلك جلياً في رب الأسرة الذي يبتز أسرته عاطفياً بحكم القوامة، أو الأخ الكبير الذي يبتز إخوته الصغار في العائلة الواحدة بحكم أنه الأخ الكبير داخل الأسرة إلخ إلخ…، ولكن حينما يكون هنالك مصالح مشتركة بين كافة الجوانب فإن ذلك يقلل أو يمنع نوعاً ما حدوث الابتزاز العاطفي بين الأفراد وتحقيق أحد هؤلاء الأفراد مصالحه وأهدافه الشخصية على حساب الآخرين.
ما هي أنواع الابتزاز العاطفي؟
إن الابتزاز العاطفي بشكل عام هو أمر أحادي الجوانب وقد يقوم الإنسان أحياناً بابتزاز نفسه عاطفياً مثلما نرى الشخص الحزين الذي يمتنع عن تناول الغذاء مثلاً نظراً لأنه يشعر بحالة مؤسفة أو محزنة بداخله على الرغم من أنه يشعر فعلياً بالجوع الشديد ، وهذا يعتبر ابتزاز عاطفي ذاتي.
هناك نوع آخر من الابتزاز العاطفي وهو معاقبة الآخرين وفيه يشترط المبتز على من يبتزه أن يحقق له ما يريد وإلا يقطع علاقته به على الفور ويكون ذلك بمثابة عقاب لهذا الشخص ومن ثم يقوم الآخرون بتحقيق لهذا النوع من الأشخاص ما يريد.
على الجانب الآخر، هناك أنواع أخرى لا نعتبرها من أنواع الابتزاز العاطفي لأنها تُمارَس بصورة طبيعية بين الأم وولدها أو الأب وأبنائه مثلما نرى في الآباء حين يطلبون من أبنائهم ضرورة الحصول على علامات دراسية عالية وإلا فلن يرضوا عنهم أو لن يجلبوا لهم الهدية المرادة حال عدم تفوقهم دراسياً مما يشكل ضغطاً كبيراً على الطفل، لذلك فإن أسلوب الاشتراط على الطفل بشكل خاص يمثل ضغطاً نفسياً كبيراً عليه مما يجعله غير قادر على تحقيق أهدافه طيلة الوقت، ومن ثم يستوجب على الأهل البحث عن أساليب أخرى يتعاملون بها مع أبنائهم دون أن يدخلوا في فخ ابتزازهم عاطفياً.
هل يولد الابتزاز العاطفي مع الأبناء؟
هناك أشياء غريزية يولد بها الإنسان ومثال على ذلك صراخ الطفل عندما يجوع ليجعل الله عز وجل هذه الطريقة هي ما يمكن للطفل التعبير بها عن جوعه ومن ثم تدرك الأم هذا الأمر وتسرع برضاعة الطفل، وهذا لا نعتبره من أنماط الابتزاز العاطفي.
مع مرور الوقت يتعلم الطفل طرق الابتزاز العاطفي للأهل للحصول على كل ما يريد خاصةً وأن الطفل لديه حيل كبيرة وطرق عديدة من الذكاء التي تجعله ناجحاً في ابتزاز أهله عاطفياً ليحصل على مراده بشتى الطرق، ومثال على ذلك ما نراه بأعيننا في المولات والمحلات التجارية حين يركض الطفل ويصرخ أمام أمه وأبيه مبتزاً إياهم عاطفياً أمام أعين الناس ليضطر الأبوين في هذا الوقت إلى تحقيق مراد هذا الطفل على الفور.
إلى جانب ذلك، للابتزاز بُعد غريزي ولكن يجب علينا تحويله إلى بُعد إيجابي بحيث يمكننا تجنب إيذاء الطرف الآخر عند التعامل معه لتحقيق أهدافنا، وهو ما نراه جلياً في المفاوضات بين الناس حيث الأقوياء هم من يمكنهم فرض الرأي والسيطرة على الغير ولكن حينما يلجأ طرفي التفاوض إلى التنازل يصل كليهما إلى نوع من أنواع التوازن العاطفي لينجح كليهما في الوصول إلى الشيء الذي يتفاوضون عليه.
وختاماً، قد يضطر أحدنا إلى الاستسلام إلى الطرف الآخر بعد ابتزازه عاطفياً نتيجة قوة هذا الطرف مثلما يتضح أمامنا في علاقة الطفل بأمه أو أبيه الذي يستشعر فيهم القوة ومن ثم فإنه يرضخ لرأيهم حتى وإن كان هذا الرأي غير صائب ولكنه فقط مشروط بالعقاب أو اللوم أو الضغط النفسي الشديد عليه، لذلك يجب أن يكون هناك توازن وتبادل مصالح بين كافة أفراد المجتمع حتى لا نسمح لأي طرف من هذه الأطراف أن يبتز غيره عاطفياً.