فضل صيام يوم عرفة
من أعظم الأعمال الصالحات في هذه الأيام أيضا صيام يوم عرفة لغير الحاج، فالحج فيه مشقة بالغة وعليه فمن السنة ألا يصوم الحاج على عرفات، ليتقوى على اعمال الحج والدعاء والذكر والاستغفار، أما غير الحاج فيسن في حقه أن يصوم يوم عرفة، ولقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفه كما في صحيح مسلم، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه “سئل النبي عن صيام يوم عرفة فقال بأبي وأمي وروحي يكفر السنة الماضية والسنة الباقية”، نعم المسلم هنا الذي لا يستطيع الحج لم يحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفضل الكبير ومن هذا الخير العميم، فكم من الناس في يوم عرفة حين ينظرون الى حجاج بيت الله الحرام على شاشات الفضائيات يتضرعون الى رب الأرض والسموات، كم من إخوة وأخوات لنا في الأمة كلها يبكون بالدمع الغزير المدرار.
بل ويود أحدهم أن لو كان مع إخوانه هناك في هذه الأماكن واللحظات والساعات، فما من يوم كما قال عليه الصلاة والسلام والحديث رواه مسلم عن حديث أن المؤمنين عائشة: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه جل وعلا ليدنو كما يليق بكماله وجلاله”، فكل ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، فلا تعطل ولا تجسم ولا تشبه ولا تكيف، فربنا جل وعلا قال (ولا يحيطون به علما) وقال تعالى (أأنتم أعلم أم الله)، جل جلال الله وإنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة فيقول لهم ما أراد هؤلاء، أي ما أراد هؤلاء الذين أتوا ربهم جل وعلا شعثا غبرا من كل فج عميق، يسألونه سبحانه وتعالى أن يغفر لهم، والله ثم والله ثم والله يغفر الله لهم، والله يجبرهم ربهم ويغفر لهم ذنوبهم، ويستر عليهم عيوبهم، ما دليلك يا أخي على هذا القسم؟ نعم أنا لا أقول ذلك بغير دليل، أقسم بالله يغفر الله لأهل عرفات، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث رواه ابن المبارك بسند صحيح، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات حتى كادت الشمس أن تؤوب.
فنادى النبي صلى الله عليه وسلم على بلال بن رباح رضي الله عنه وقال “يا بلال أنصت لي الناس، فقام بلال رضي الله عنه وقال أيها الناس أنصتوا لرسول الله، فأنصت الناس فقال: معشر الناس أتاني جبريل فأقرأني السلام من ربي عز وجل وأخبرني أن الله تعالى غفر لأهل عرفات وضمن عنهم التبعات، فقام عمر بن الخطاب وقال يا رسول الله أهذا لنا خاصة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا لكم ولمن أتى من بعدكم الى يوم القيامة، فقال عمر بن الخطاب: كثر خير الله وطاب”، فأبشر أيها الحاج بل وكن على يقين بهذا الوعد النبوي الذي وعد به من الرب الكريم الحليم العلي، أخبرني جبريل أن الله تعالى غفر لأهل عرفات وضمن عنهم التبعات.
وما أكثر التبعات فقال عمر يا رسول الله أهذا لنا خاصة؟ هذا لأهل الموسم لأن الله قد شرفنا بوجودك بيننا؟ قال هذا لكم ولمن أتى من بعدكم الى يوم القيامة، فقال عمر بن الخطاب كثر خير الله وطاب، نعم يا أخي أنت تتعامل مع الملك الكريم جل جلاله، هذا المسكين الذي يبكي هنا وهو يتابع أخواته على شاشات الفضائيات في عرفات.
لم يحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل ومن الأخر ومن الخير، فقال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه حين سئل عن صيام يوم عرفة فقال “بأبي وأمي وروحي يكفر السنة الماضية والباقية” أي يكفر ذنوب السنة الماضية وكذلك يكفر ذنوب السنة الباقية أو ذنوب السنة المقبلة، فهذا فضل الله على الأمة كلها، فمن لم يقدر الله له أن يكون مع إخوانه في عرفات، لم يحرمه ربه سبحانه وتعالى من هذا الفضل، فاعقد النية الآن على صيام يوم عرفة، فهذا اليوم هو أشرف أيام العام كله وهو أعظم أيام العام كله، هو اليوم التاسع من ذي الحجة، فهو أشرف أيام العشر بل أشرف أيام العام.
ومن أهل العلم من قال: ليلة القدر خير من ليلة التاسع من ذي الحجة لأن الله خص ليلة القدر في رمضان بهذا الفضل (ليلة القدر خير من ألف شهر)، أما يوم التاسع من ذي الحجة فهو أفضل أيام العام كله بما فيها أيام رمضان، فأرجوا أن تنتبهوا لهذا، انظروا أيها الأحبة الى فضل الله على الأمة الميمونة، وإلي كرامة الله للأمة المرحومة.
فمن لم يقدر الله له أن يكون في هذا الموسم حاجا، فلم يحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفضل وهذا الأجر في صيام يوم عرفات، أما الحاج فلا يسن في حقه أن يصوم هنالك على عرفات هذا اليوم ليتقوى بفطره على الذكر والدعاء والعبادة، وعلي أعمال الحج في يوم الحج الأكبر أي في يوم النحر.
وأيام التشريق التي تليها، لكن لا حرج لمن أراد من الحجاج أن يصوم في أيام التشريق، لأيام أراد أن يصومها إن كان متمتعا أو عليه هدي ولم يستطع أن يذبح هذا الهدي هنالك على تفصيل قد وضحته قبل ذلك، أما يوم العيد فلا يجوز أن يصومه.