تساؤلات عديدة تحوم حول الزواج المدني في مجتمعاتنا، فمفهومه مُلتبس عند البعض ومرفوض عند البعض الآخر، فالصورة المُلتبسة حول الزواج المدني أفرزت آراء عديدة معارضة ومؤيدة.
ما هو الزواج المدني بحسب القانون؟
قالت “د. حليمة قعقور” دكتورة في القانون الدولي. الزواج المدني مثله كمثل أي عقد مدني يُعقد بين طرفين، وهذا العقد يتضمن شروط شكلية وشروط موضوعية تنال رضا الطرفين كالأهلية للتعاقد وسبب التعاقد وموضوعه، والخلاصة أنه عقد مدني طبيعي يشبه أي تعاقد مدني يتم في الدولة الواحدة وفق قوانينها.
لماذا تُعارض السلطات الدينية بالدول العربية هذا النوع من الزواج؟
أكدت “د. قعقور” على أنه في كل الحلقات النقاشية التي دارت بخصوص الزواج المدني دائماً ما كان يُطرح سؤال هل الزواج المدني يتعارض مع الإسلام أو المسيحية؟ وصياغة السؤال على هذا النحو يحمل في طياته مخاطر كبيرة، فهذا السؤال لا جدوى من طرحه بالأساس، فالإشكالية في الزواج المدني ليست تعارضه مع الإسلام أو المسيحية، لأنه لا منطق في فرض الزواج الديني كخيار أوحد للزواج، فطبقاً لكل المعاهدات الدولية تعتبر حرية المعتقد من الحريات الفردية، وعليه ففي حالة الإعتقاد بعدم تماشي الزواج المدني مع الأديان فإن هذا لا يعطي الحق في منع الآخرين من الزواج المدني، وكذلك ليس من حق معتقدي الزواج المدني أن يطالبوا بمنع الزواج الديني، كما أن الدول لا دور لها في نصرة طائفة على أخرى، بل إن دورها الحقيقي وفق الأعراف الدولية أن تحمي الحقوق والحريات للجميع، كما أن عليها إيجاد الحلول والمصالحات بين الطوائف المختلفة بما لا يتعارض مع قوانينها.
وتجدر الإشارة إلى أن كل دول العربية تمنع الزواج المدني بشكل كامل ما عدا الدولة التونسية التي أجازته منذ العام 1956م في عهد الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، هذا إلى جانب أن الرئيس التونسي الحالي الباجي القائد السبسي سمح بزواج المرأة من رجل يحمل عقيدة دينية أخرى مختلفة عنها، وكلا الرئيسين لم يستندا في إقرار تلك القوانين إلى أي معتقدات دينية أو طائفية أو قبلية، وهذا هو المنوط بالدول عند سَنّ القوانين والتشريعات، بل إن الدول بشكلها الحديث لابد وأن تستند على الدستور الحاكم لها وفقط، فكل الدساتير العربية تؤكد على أن الدولة تُؤمِّن الحقوق والواجبات المتساوية للجميع، وعليه لا يحق لها منع هذا النوع من الزواج أو غيره من الأنواع.
كيف نُقر بالزواج المدني وهو يُنافي معتقدات دينية أصيلة كعدم جواز الطلاق في المسيحية مثلاً؟
أشارت “د. حليمة” إلى أنه لا خلاف على أن الزواج المدني يفتح الباب أمام بعض الممارسات التي لا تُقرها الأديان السماوية كالإسلام والمسيحية، فهو فعلاً يسمح بالطلاق في حين أن الشريعة المسيحية لا تسمح به، كما أنه مختلف فيما يتعلق بالمواريث عن الشريعة الإسلامية، لذلك لا ينادي أحد بالاستقرار على نوع واحد من الزواج، ولكن المطلوب إقرار نوعي الزواج المدني والديني ليجد كل فرد ما يناسب معتقده وطريقة تفكيره، لكن منذ طرح فكرة الزواج المدني منذ العام 1952م وهو يُقابل بالرفض التام من الكنيسة ومن مؤسسات الإفتاء الإسلامية.
ومن وجهة نظرنا التي تكونت بعد إطلاع على الكثير من الآراء والإجتهادات الفقهية في هذا الصدد نجد أن بعضها يسمح بوجود الزواج المدني في المجتمعات العربية، ومن ناحية أخرى نؤكد على أنه ليس من اختصاص الدولة الولوج إلى آتون الصراع الفقهي بين المؤيد والمعارض، ولكن اختصاصها ينحصر في إتاحة سبل ممارسة الحرية الكاملة لكل فرد بناءً على ما يعتقده وبناءً على الرأي الذي يقتنع به، أي أن المواطن هو صاحب القرار الأخير في تنفيذ ما يختاره ويستهويه، حتى إن كل دولة عربية بحسب خصوصيتها وطبيعتها لها أن تقرر ما يتناسب معها، فقد تقرر دولة عربية ما بأن الزواج الديني هو الإجباري والزواج المدني هو الاختياري، وقد تقر دولة أخرى العكس.
كيف تُحل خلافات الزواج المدني – إن وجدت – المعقود خارجياً أمام المحاكم العربية؟
إذا ما أشرنا إلى الحالة اللبنانية لأنها الحالة الوحيدة التي تسمح بالنقاش والتقاضي في العقود المدنية؛ فنجد أن الدولة تعترف بالزواج المدني الذي تم عقده خارج الأراضي اللبنانية، وعليه حال وجود خلافات على عقد الزواج بين الطرفين فإن المحاكم اللبنانية تنظر فيها وتحكم بما يوافق قوانينها، وهنا نجد أن ذلك درجة من درجات الإنفصال والإزدواجية الفكرية والعقلية، فالدولة لا تسمح بإتمام الزواج المدني على أراضيها، ولكنها تقر بالعقد وتنظر في بنوده وشروطه عند الاختلاف والتقاضي.
بل إن الدولة اللبنانية جعلت النظر في عقود الزواج المدنية أمام المحاكم المدنية وليست أمام محاكم الأحوال الشخصية، وبالتالي تعتبره الدولة عقد مدني عادي كغيره من عقود البيع والشراء، إلا أن المُشرع اللبناني أضاف في لائحة قبول التقاضي في عقود الزواج المدني عبارة “تراعى أحكام الشريعة في حال كون طرفي العقد من الديانة الإسلامية بمذهبيها السني والشيعي”، وبالتالي يعتبر المسلمون هم الوحيدون المتاح لهم التقاضي في العقد المدني أمام محاكم الأحوال الشخصية إن أرادوا ذلك، وفي تلك الحالة من حق محكمة الأحوال الشخصية قبول أو رفض إتمام التقاضي أمامها.
كما أن القوانين اللبنانية تفرض في حالة الزواج بعقد مدني وعقد شرعي التقاضي إما وفق تاريخ عقد الزواج الأسبق منهما، أي أن العقد صاحب التاريخ الأقدم هو ما تتم وفقه إجراءات التقاضي أمام المحكمة المختصة به، وإما أن يتم التقاضي وفق العقد المُسجل رسمياً أولاً بغض النظر عن تاريخه، وبطبيعة الحال التسجيل لا يتم داخل لبنان.
والخلاصة أن التقاضي في عقود الزواج المدنية يشوبه الكثير من الإلتباسات والتعقيدات في لبنان، فضلاً عن عدم الإعتراف به في باقي الدول العربية ما عدا تونس.
ما هي الموجبات القانونية للزواج المدني؟
الموجبات القانونية للزواج المدني تختلف من دولة إلى أخرى بشكل كبير، كما تختلف حقوق وواجبات طرفي العقد باختلاف الدول، لأن كل دولة تمتلك قانون خاص بها فيما يتعلق بالزواج المدني بشكل عام، وما هو مشترك من الموجبات القانونية بين الدول ينحصر فقط في الرضا والأهلية وكتابة وصياغة الشروط بإحكام.
وعن الحاجة للزواج المدني إذا كانت الشرائع تسمح بوضع شروط إضافية في عقود الزواج الديني قالت “د. حليمة” بكل تأكيد تسمح الشرائع الدينية بوضع شروط إضافية إلزامية في عقد الزواج الشرعي، ولكن الواقع يؤكد عدم القدرة على وضع كل الشروط كما هو الحال في الزواج المدني خصوصاً الشروط المتعلقة بنصرة الزوجة أمام المحاكم الشرعية.