يوم الأم كان حدثا مميزا في حياتي.. مناسبة عائلية جميلة جمعتني بغرس العمر وحصاده المفرح «أبنائي وبناتي». حفلة صغيرة مفاجئة حملت لقلبي المتعب الكثير من الفرح والمسرة برؤيتهم متحلقين حولي وأنا أتفحص وجوههم متسائلة: أي ريح طيبة قادتكم لحضني هكذا «بربطة المعلم» يا شباب؟!
ازدان المكان بالعود والبخور وباقات الورد وعلب الهدايا هنا وهناك.. والكثير الكثير من التحايا والأحاديث والقبل والكروت التي عجت بكل الكلمات الجميلة التي جاءت بالوقت المناسب.
ففي الآونة الأخيرة، تقلص الحديث بيني وبينهم «وجها لوجه» حتى تضاءل تماما للأسف.. فتحول إلى «رسائل هاتفية» منسوخة تمت صياغتها بشكل مختصر ورمزي وأحيانا رديء، لا لون له ولا طعم ولا حتى رائحة.. كلماتها باردة ومكررة ولا تخصني.. ولم تكتب لي أصلا! فهي لا تعبر عما يعتريني ولا ما يعتريهم.. وإنما جاءت «جبرا للخواطر» عندما تسارعت الأحداث وكثر عتابي لهم وازداد فقدي لهم.
الغريب أنهم أحيانا كلهم حولي.. في نفس الغرفة، ونجلس على نفس الكنبة.. لكني لا أحس بأحد، أقلب نظري بينهم واحدا تلو الآخر.. أجسامهم بالتأكيد هنا.. لكن أفكارهم وأرواحهم بعيدة جدا! و كأنها هائمة بوديان سحيقة لم أعرف لها قرارا!
أريد أن أكسر جدار الصمت فألتقط مع أحدهم طرف الخيط بحديث خاص.. فيباغتني بإيماءة سريعة من عينه ولسان حاله يقول: «إن الوقت غير مناسب يا ميمتي.. أجليها».
فأغير على مضض الدفة للتحدث عن موضوع الساعة، حمى التغيير والمظاهرات في العالم العربي مثلا.. فلا أحظى معه بذلك الشرف العظيم! فأنا أتكلم عن «القذافي» وجنونه فيرد علي «بحسني مبارك» وساحة التحرير! أستنكر ذلك في قرارة نفسي لأن كلماته متقاطعة وأفكاره متنافرة وأغلبها قديم ومغبر، حديثه معي باختصار: سد عذر لا أكثر!
كل هذا يحدث وعيونهم شاخصة في ذاك الجهاز الشيطاني الصغير الذي يسمونه «الهاتف الجوال»: الله لا يعافي من طلعه! فقد سرقهم مني تباعا وبدون مقدمات..
ابتسامات وحمااااس يتبعه فتور وآخر يتبعه ثورة ثم وجوم.. وأصابع تتسارع على الحروف التي تئن من هول الضغطات والحركات وأنواع الانفعالات..
أولادي الأعزاء لا تبتعدوا أرجوكم ولا تدعوا أي شيء في الدنيا يشغلكم عني.. فإحساس الفقد هذا أصبح كالكابوس الذي يطاردني كل ليلة منذ سمعت بشكواها.. قولوا عني ما شئتم، لكنها والله الحقيقة.. كونوا بألف خير.
~ أم نواف
أيضًا؛ نقرأ هنا عن: أثر الهواتف الذكية على حياتنا