ما الفرق بين تقدير الذات والغرور؟ وما هو الخط الفاصل بينهما؟
أجابنا المدرب في علم النفس الإيجابي “ميلاد حدشيتي” قائلاً: يقولون أن تقدير الذات هو تحصيل حاصل عند الإنسان، لأن تقدير الذات عادةً ما ينتج بعد حيازة الخبرات وتحقيق الإنجازات والإنتصارات، حيث إنه حينها يصبح الإنسان على علم ودراية بقيمة ذاته وتقديرها لعلمه بإمكانياته وقدراته، لذا قالوا أيضاً أن تقدير الذات يبدأ من الطفولة ومن خلال أُسس التنشئة السليمة التي تشجع على معرفة نقاط القوة ونقاط الضعف، وهو ما يتبعه تقدير الذات وعدم السماح بالدخول في معتركات أو أعمال قد تُشعر بالدونية، ومع التقدم بالعمر تتعزز معرفة القدرات الشخصية، ومن ثَم الفخر العفوي المحكم بالإنجازات الواقعية.
وتابع “حدشيتي” قائلاً: بينما الغرور ففي الغالب لا يستند إلى خبرات ولا إلى إنجازات ولا لأي شيء، ومع ذلك تزداد رغبة المغرور في نشر الأكاذيب في ما يُشبه الاستعراض حول نقاط قوته وإمكانياته والتي لا دليل ملموس عليها، أي أن المغرور يمتلك قدر كبير من التوهم في القدرات، ويمتلك قدر كبير من الميل إلى استعراض هذا التوهم أمام الناس.
ومن ناحية أخرى نجد أن المُقدِر لذاته يحقق نتائج حميدة وجيدة في مشواره الحياتي، بينما المغرور فحتماً سيقع في المشكلات الجمَّة ويحقق النتائج السلبية المعيبة لإشراك نفسه في أعمال هو أحقر وأضعف من النجاح فيها وإنجازها.
من هنا يتضح لنا أن الخط الفاصل بين تقدير الذات والغرور واضح جداً للفرد عند الحديث عن نفسه، فإذا ما سأل الواحد منا نفسه قبل الحديث عن إنجازاته ما هو البرهان على تلك الإنجازات؟! وعلى أي أدلة تستند تلك الإنجازات؟! فإذا توافرت الإجابات الإيجابية والأدلة على كل إنجاز تم ذكره، فهذا دليل على كون الحديث تقديراً للذات له إثباتات واقعية وليس مجرد إدعاءات بما لا يُمتلك.
وأضاف “أ. ميلاد” قائلاً: ومن ناحية أخرى سيظهر الخط الفاصل بينهما من خلال المناسبة التي استدعت الحديث عن النفس، فمن يُقدر ذاته لن يتحدث عن إنجازاته وبطولاته إلا إذا استدعته الضرورة لذلك، كأن يكون في لقاء عمل أو في مقابلة لعمل جديد وأُجبر على الحديث عن خبراته ومنجزاته، لكن المغرور يستعرض إمكانياته المتوهمة بطريقة مسرحية بمناسبة وبدون مناسبة لإرضاء غروره، ولذلك نجد أن المغرور مكشوف لعموم الناس حيث يظهر غروره على طريقة مشيه وكلامه وجلسته وقراراته وإنفعالاته… إلخ، أما من يقدر ذاته فهو بالطبيعة هادئ ويمتلك القدر الكبير من الثقة بالنفس.
هل يتدخل أسلوب التربية في إعداد الشخص المغرور؟
أُجريت العديد من الدراسات المتأنية والفاحصة لعلاقة التربية ودورها في صنع الشخص المغرور؛ فوجد أن إتاحة الفرصة للطفل – مع ترغيبه في ذلك – للتعبير عن آراءه وطموحاته وأحلامه، ثم ضبط هذه الطموحات بمخزون القدرات عنده أو مساعدته في تنمية قدراته كي تتناسب مع هدفه في الحياة يُشكل شخصية تقدر ذاتها، وتعرف أن الحديث وحده عن الإنجازات والطموحات لا يكفي بل يحتاج إلى جهد وعرق للتنفيذ، لكن ترك الحبل على الغارب في سرد الطموحات والأحلام مع التشجيع اللفظي الأجوف بأنك طفل تستطيع فعل ذلك دون المساعدة في وضعه على الطريق الصحيح المحقِق لتلك القدرات يُشكل شخصية مغرورة.
ومن هنا يتوجب على الأهل تعزيز ثقافة تقدير الذات المبنية على ما هو مُمتلك من إمكانيات ومهارات، مع التشجيع على تطوير المهارات للوصول إلى الهدف أو الحلم المنشود، أما الأهل الذين يكتفون بنفخ ابنهم بالكلام وهم على يقين أن قدراته محدودة ولا تسمح له بتحقيق مثل تلك الأحلام ستجعل منه شخص مغرور يتحث عن أحلام وطموحات خرافية مختلقة لم يحقق ولو قدر يسير منها.
هل للغرور مضاعفات؟
أكدت “أ. ميلاد” على أن الغرور يتطور ويتضاعف ولا شك، فمن يرى إنجازاته بعدسة مكبرة ويعطيها أكبر من حجمها ويتحاكى بها على اعتبار أن الأولين والآخرين لن يقدروا على فعل ما فعله؛ فإن مثل هذه الشخصية ستتحول في يوم ما إلى شخصية نرجسية، والنرجسية لا تكتفي بالإستعراض أمام الناس، بل تسعى بجانب الإستعراض إلى هدم وتحطيم الآخرين والتحقير منهم وإيذائهم نفسياً وإضرارهم مادياً وجسدياً حتى تخلو منهم القمة والساحة كما يتوهم النرجسيون، ولذلك تعتبر النرجسية مرض نفسي يضر بالمريض وبالمحيطين به لذا يلزمها علاج سلوكي ودوائي من المتخصصين.
هل تعزز مواقع التواصل الإجتماعي من الغرور؟
حقيقة هذا هو الواقع، حيث أصبحت هذه المنصات تُغذي الغرور والتمظهر، ويزيد من أثرها أن الشخص المستعد للغرور وقت أن يكتب أو ينشر محتوى عليها ويحظى هذا المحتوى بمئات التعليقات والمشاركات فإن ذلك الانتشار يدفعه ويعزز بداخله الغرور.
وأردف “أ. ميلاد” قائلاً: وعلى الجانب الآخر ساهمت تلك المواقع في نشر خرافات فكرية قضت على الحد الفاصل بين الثقة بالنفس والغرور، حيث تنتشر تلك المنشورات التي تمجد في القدرات الذاتية للإنسان، وتخاطب المتابعين بصيغة مباشرة في تعبيرات من عينة (أنت قادر…) و(أنت تستطيع…) و(لا تجعل شيء يتحكم فيك….)، إلى آخر هذه التعبيرات التي ظاهرها التشجيع والثقة بالنفس، وباطنها فقدان الكثير من القيم الدينية والمجتمعية التي تتعلق بالتواضع والتشاور والتعلم من خبرات الآخرين والسابقين، فقد أصبحت هذه الدعوات التي قالوا أنها أُطلقت لتعزيز الثقة بالنفس باباً للغرور والإستعراض المسرحي للإنجازات الوهمية مع رفض النقد أو التوجيه، بل امتد الأمر إلى الأعمال الخيرية، فقد أصبحت تُصور ليتم استخدام الصورة مستقبلاً في الحديث عن الإنجازات بغرور.
والخلاصة أن كثير من الإنجازات والإنتصارات المتصدرة مواقع التواصل الإجتماعي هي بالأساس ليست إنجازات ولا إنتصارات وفي مقدور الجميع فعلها، لكن تضخيم المسألة وتصويرها يتلبسه الكثير من الغرور، وكذلك فإن طرق عرض تلك الإنجازات الصحيحة جعلت الأمر يأخذ منحنى الغرور أكثر منه التشارك، يُضاف إلى ذلك بئر الغرور الذي يقع فيه الكثيرين الذين كلما تناولوا طعاماً أو ابتاعوا منتجاً في مكان رائق ورائج نشروا صورهم.
واختتم “أ. ميلاد” قائلاً: والخلاصة أيضاً أن كل كلام مسموع ومقروء عن إنجاز لم يُحقق أو يضخم من عمل تافه أو يؤذي شخص آخر يتم تصنيفه على أنه غرور وليس تقدير للذات أو ثقة بالنفس.