جيد أن تعرف الفرق بين القضاء والقدر بكل تأكيد، ولكن لتعلم أيضاً خلقنا في هذه الحياة نتقلب بين أقدار الله وقضائه، نعيش بين حلو الحياة ومرها، ونتنقل من حال إلى حال، فقد نصبح على تعب وهم وكرب ونمسي على فرج وانشراح صدر وسعادة من حيث لا نحتسب، وهذا هو ديدن الدنيا وطبعها لا تبقى أبدًا على حال واحد، قد نحزن أو نفرح أو نحبط أو نتعرض لصفعات تفوق تحملنا، ولكنا نظل موقنين أن كل شيء بأمر الله وبإرادته، ولحكمته يقع في فلكنا.
ومن ثم ينبغي أن نؤمن إيمانًا لا يتزحزح ولا يتطرق إليه الشك أنه ما من شيء يمر بنا وما من شيء يقع في الدنيا مذ خلق الله الأرض ومن عليها وحتى يرث الله الأرض والسماوات وما فيهنّ إلا بعلم الله وقدره وحكمه، فلا يقع في ملكه إلا ما يشاء وقتما يشاء وكيفما يشاء، وهذه القضية من المسلمات التي لا ينبغي أن تكون محل جدل منا نحن المسلمون.
غير أن هناك لبس قد يحدث مع البعض منا وخاصة حديثي السن وهو الخلط بين مفهوم القضاء ومفهوم القدر، وهنا سيدور حديثنا في فلك معرفة الفرق بين القضاء والقدر.
المراد بالقضاء
اختلف في مفهوم القضاء وما يراد به فمن العلماء من حمله على نفس معنى القدر ومنهم من يرى أن معناه مخالف لمعنى القدر ومغاير له، وممن يرون أن القضاء والقدر لهما معنى واحد الشيخ بن باز رحمه الله، حيث يقول في تعريفهما أن القضاء والقدر شيء واحد، وهو ما قضاه الله سابقًا وما قدره سابقًا.
أما من يرون اختلافًا بين القضاء والقدر فيرون أن القضاء سابق للقدر، فالقضاء عندهم هو ما حكم الله به وعلمه في الأزل، والقدر هو وقوع الأحداث والمخلوقات موافقة للقضاء.
وممن يرون تغايرًا في معنى القضاء والقدر الحافظ بن حجر وهو يقول أن القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل، والقدر جزيئات ذلك الحكم وتفصيله.
كما قيل أن القدر هو خروج الممكنات من العدم إلى الوجود متتابعةً وفقًا للقضاء، وقيل أن القدر يطلق على ما كان في الأزل والقضاء فيما لا يزل.
المراد بالقدر
القدر هو حكم الله الكوني، ومن ثم فهو يشمل كل ما قضاه الله عز وجل في هذا الكون، ومن الأدلة على هذا المعنى قول الله عز وجل: (إن كل شيء خلقناه بقدر)، وقوله: ( كل شيء عنده بمقدار) فلا يقع في كون الله في البر ولا في البحر، ولا في السماء ولا في الأرض من حركة أو سكون إلا بأمر الله وحكمه وعلمه.
والإيمان بالقدر يقتضي ضمنيًا الإيمان بعلم الله الأزلي بكل شيء، قبل وقوعه، والإيمان بأنه عز وجل أراده وكتبه ثم خلقه فجاء موافقًا لإرادته ولمشيئته ومن ذلك أيضًا قوله: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)، فلا شيء في الكون إلا علمه الله وكتبه وخلقه.
والقدر المكتوب أزلًا لا يمنع من الأخذ بالأسباب، لأن أصل القدر هو سر الله في خلقه فالله لا يطلع على الأقدار ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا.
الفرق بين القضاء والقدر
ويقول بن عثيمين حين يسأل عن معنى القضاء والقدر والفرق بينهما، إن هاتان الكلمتان مترادفتان إن تفرقتا، ومتغايرتان إن اجتمعتا، فإذا ذكر لفظ القضاء دون أن يقترن به لفظ القدر كان اللفظ شاملًا لمعنى القضاء والقدر معًا، وإذا ذكر لفظ القدر دون أن يقترن به لفظ القضاء، كان شاملًا للمعنيين أيضًا، وهذا يكثر في اللغة العربية، أن تطلق الكلمة بمفردها فيراد بها معناها ومعنى غيرها.
أما إذا ذكر القضاء والقدر صار لهما معنيان متغايران. فيكون المراد بالقضاء هو: ما يقضيه الله من أفعاله أو أفعال الخلق. والقدر: ما قدره الله في الأزل وكتبه في اللوح المحفوظ.
فالمقدور سبقه تقدير في الأذل أي كتابة بأنه سيقع، وقضاء من الله بوقوعه فعلًا، ومن ثم يمكن القول بوضوح أكثر أن الكتابة قدر، والمشيئة قضاء، أو أن كتابة الأمر في اللوح المحفوظ قدر، ووقوعه موافقة للكتابة قضاء، والله أعلى وأعلم.