نعيش في جدة وابني كبر ويعاند ويتمرد على كل كبيرة وصغيرة وتصرفاته وحركاته غير متوقعة وغير محسوبة، حتى أني أخشى أن يحتاج إلى طبيب أعصاب أو نفسي (يتميز بذكاء) وفرط حركة ولكنه فجأة يسكن ويشكو ألمًاً برأسه.
أحاول أن أرتب له ميعاد نومه وصحوه، ولكنه لا يلتزم أتعجب بأن أبلغه أمرًا ما ولا ينفذه، إذا نام فترة الظهيرة بعد عودته من المدرسة نومه ثقيل أكثر من 3 ساعات وعندما يصحو غاضبا ويريد أن يستيقظ بطبيعته أقول له يا بني كل يوم تضيع عليك صلاة العصر فلا بد أن تراعي ذلك يقول النائم معذور؟
حاورته كثيرا بالمودة واللين وعندما أعرض عليه ما يفعله يقر بخطئه، ولكنه يعود مرة أخرى، وأخيرا وجدت في جواله بعض الصور فنصحته بأن الله لا يرضى ذلك، وأن شبابك أمانة وإذا استغرقت يا بني في هذه الأمور فلن تجد صحتك ورجولتك مستقبلاً دينيا وعلميا فكان رده غريبا: “فترة وتعدي كل الشباب كده، ما يغرك يا بابا ابن فلان وفلان اللي يخرجون معانا وعاملين مؤدبين بمجرد ما يمشوا معانا تطلع خباياهم ونعرف ما هم عليه”، ويقول على نفسه: “لكن أنا علشان أهبل وبأقول كل شيء بصراحة أكون غلطان!”.
قليل المذاكرة جدا، ولكن درجاته مرتفعة، ويحتج بذلك فأوضح له أن ضعف المستوى العام بالفصل يشعرك بأنك قوي، يحفظ 5 أجزاء من القرآن، وبما عنده من دراسة الفقه والتوحيد في المدرسة يجادل.
ودائم التعرف على صحبة جديدة يندمج مع أي مجموعة لمدة أسبوع أو اثنين ثم يتركهم فأقول له: ما السبب؟ يقول: حياتهم مملة خروج نفس المكان والكبائن والأسواق ثم فجأة يصادق بعض المتخرجين من الجامعة ويأتون ليخرج معهم.
صوته عالٍ بالمنزل، أكله قليل جدا، ولباسه متغير باستمرار، مرة بنطال ضيق وساقط الوسط ومرة بنطال واسع، وضحت له كثيرا سوء ذلك بالحوار، كما تقولون دائما في جميع البرامج، حتى أن الأولاد يحفظون معظم كلمات البرامج التربوية، ابني في الخامسة يقول: “سامع يا بابا الحوار والتفاهم وعدم الصياح”، أقول لهم وهل التزمتم بما يقول المربي؟ أم أن أباكم وأمكم فقط عليهم ذلك؟
في النهاية يود أن يكون مثل أقرانه في كل شيء مهما اختلفت أسباب المعيشة والإمكانيات بيننا وبينهم، ولا يلزم نفسه بشيء أو يحاول تعديل جزء من سلوكه أو اكتساب قيمة أو ملكة معينة حتى الرياضة يطلب اشتراكا في نادٍ، وتأخرت عليه أسبوعا لظروف وقلت له هيا نشترك قال: “دا كان الأسبوع الماضي”.
الـرَّد:
تقول أ.سلمي عبده: سيدي الفاضل ابنك مراهق كما يقول الكتاب..
بمعنى أنه طبيعي جدًّا، فكل ما تصفه من معاندة وتصرفات طائشة وحركات غير محسوبة كلها سمات المراهقة، وسن السادسة عشرة هو أشدها، أضف إلى ذلك الاستغراق في النوم الثقيل والرغبة في التشبه بالأقران وتمسكه بفكرة ما اليوم، ثم عدوله عنها غدا، كذلك الملل السريع والانفعال الشديد غير المناسب للموقف هذه هي المراهقة يا “أبو أحمد” بكل حذافيرها.ولأن ابنك متميز في علاقاته ونشاطه فهو أيضًا متميز في مراهقته، والحل ليس أن يتخلى هو عن طبيعة مرحلته السنية، وإنما الحل أن نتعلم نحن كيف نتعامل معه، فكلما كنا نحن أكثر اتزانًا في تعاملنا معه وصل هو إلى مرحلة النضج والاتزان بشكل أسرع وأصح..
وفي الحقيقة يا أبو أحمد أنا لن أعيد على مسامعك ما أعلم أنك تحفظه من سمات المراهقة والطرق المثالية للتعامل معها، فكما ذكرت أنت في رسالتك أن أبناء الخامسة قد حفظوها ويرددونها، فهي موجودة في كل مكان وبكل الوسائل تستطيع أن تصل لها وتحفظها وتسمعها سواء كانت كتبًا عن المراهقة أو في التلفاز أو على أي موقع تربوي على الإنترنت، ولهذا علمنا رسول الله ﷺ أن ندعو الله: “اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا”، فالمعرفة أساسية لمن يستفيد منها ويستطيع أن يعمل بها، فكما تعلم أن مشكلتنا ليست المعرفة ولكن التطبيق، وهذا ما تبحث عنه أنت كما فهمت من رسالتك.
والتطبيق يا أخي يحتاج منك أولاً أن تحدد هدفك وتعرفه جيدا حتى لا يكون تطبيقك لما تقرؤه تطبيقا عشوائيا فتجد نفسك لا تصل إلى شيء فتفقد الثقة بالنصائح والنظريات وبابنك وبنفسك أيضا..
ولكي تعرف هدفك اسأل نفسك في البداية: ماذا تريد من ابنك؟
– هل تريده مؤدبًا ومطيعًا وهادئًا، لا يسبب المشاكل، ناجحًا في دراسته، يقيم الشعائر، حافظًا للقرآن، يتصرف وفق توقعاتنا منه كإنسان ناضج مقدر للمسئولية؟ أم تريده إنسانا لديه شخصية؟
قد تستغرب السؤال وتقول لماذا هذا أو ذاك؟ فأنا أريده الاثنان معًا مطيعًا وهادئًا وكذا.. وكذا.. وفي نفس الوقت لديه شخصية..
معك حق طبعًا.. لكن ما الأهم؟ هذه هي المشكلة كلنا في الحقيقة نولي معظم اهتمامنا بالمطلب الأول فننشغل بالتغيرات الظاهرية التي تحدث لأولادنا كيف أصبحوا متمردين؟ كيف يتكلمون؟ وكيف يلبسون؟ لماذا لا يرضخون لنصائحنا وتوجيهاتنا؟ لماذا يخذلون توقعاتنا فيهم؟ ويصبح حل هذه المشاكل هي شغلنا الشاغل وتنحصر علاقتنا بأبنائنا ما بين نصح ونقد وتوبيخ وتهديد وأحياناً سخرية، والأسوأ أن يرى الأبناء في عيوننا نظرة الحسرة وخيبة الأمل فيهم..
وتصور يا أبو أحمد ما الذي يحدث أثناء ذلك.. ننسى تماما “الشخصية” وبدل من أن نكونها ونبنيها وندعمها ونقومها في هذه المرحلة الخطرة نجد أنفسنا نهدمها ونوقف نموها ونتسبب في اهتزازها دون قصد، فإذا حدث ونجحنا من خلال النصح والتوبيخ والنقد والطرق المعروفة التي نجيدها في أن نرضخ الابن ونحجم حركته ليكون وفق ما نرغب ونتمنى.. تكوَّن لدينا “مسخ” إنسان مطيع، هادئ، متفوق، متدين -ربما في الظاهر- ولكنه غير ناضج بمعنى أنه لا يستطيع أخذ قرار مهم في حياته بنفسه، يرجع إلى غيره في كل صغيرة وكبيرة، ليس لديه تقدير لذاته، مفتقد القدرة على تقييم الأمور وتحديد النافع من الضار وحده، غير قادر على تأجيل رغباته الآنية حتى وإن كانت فوق إمكاناته.
وهذه كلها مقومات الشخصية التي نسينا بناءها أثناء المعارك والمشاحنات التي نخوضها مع أولادنا ليرفعوا البنطلون، ويخفضوا صوتهم، ويدرسوا كما يجب، ويتدينوا كما نتمنى، ويحققوا أمنياتنا فيهم لنفخر نحن بهم..
الخلاصة يا أخي أرجوك -وأرجو كل أب وأم- ألا تنشغل بتوافه الأمور التي تزعجك من ابنك المراهق ولا تدعها تؤثر على علاقتك به فتفقد الفرصة والقدرة على مساعدته ليبني شخصيته، اعلم أن الأمر صعب، وأن تصرفات المراهقين مزعجة ومستفزة؛ ولهذا قال ابن حزم الحكيم: “تسعة أعشار التربية في التغافل”؛ لأن العشر الباقي من التربية سيؤتي أثره.
أما إذا وقفنا لأبنائنا على كل غلطة وكل تجاوز سنضيع تسعة أعشار التربية في المشاحنات وستصل للابن رسالة واحدة أنت غير مقبول لدينا ولا فائدة منك، وهذه الرسالة كافية بأن تقطع أي تواصل بيننا وبينه فيصم أذنه عن كل ما نقدمه له في العشر الباقي ويختار لنفسه أسرة أخرى تعوضه عنا من الأصدقاء أو الإنترنت أو التلفاز..
السؤال الآن: كيف أساعد ابني ليكوّن شخصيته السوية؟
أولا: أعمل أقصى ما في وسعي لتكون الأسرة هي الجماعة المرجعية له وليس الأصدقاء أو التلفاز، فهي التي يستمع إليها وتستمع له، وهي التي تحترمه وتستوعبه وتسمح له بالخطأ وتناقشه فيه بحرية، هي التي تمنحه حبا صادقا غير مشروط، فالمراهق يشعر بذاته ويثق بنفسه حين يشعر أن حب والديه له مقدم لذاته؛ لأنه ابنهم ليس لكونه مؤدبا أو متفوقا فالآباء في أحيان كثيرة ودون وعي بخطورة ذلك يوصلون رسالة لأبنائهم أن قيمتك عندي متوقفة على الشروط التي أضعها لك، وأن طاعتك والتزامك بقواعد وتوجيهات الأسرة ثمن لحبي لك..
والخطورة هنا يا أخي في شعور الابن بعدم الأمان فيظل في توتر مستمر وتهتز شخصيته ويكون عرضة للارتماء في أحضان أي شخص أو أي نشاط يخفف من توتره أو أنه يستغنى عن هذا الحب -المصطنع في رأيه- ويغفله من حساباته، أما إذا شعر بالأمن فلن يتأثر بأي مرجعية أخرى، وإن قلد فإن رجوعه سيكون سريعا إلى الصواب..
وهناك مشكلة أهم في هذا الأمر هي أن التوجيهات وتقييمات الصواب والخطأ التي يضعها الآباء جاهزة للأبناء تحل محل عملية التقييم الذاتي التي هي عنصر مهم من عناصر بناء الشخصية فتوقف نموها ونضجها فالإنسان مثلاً إذا رأى منظرا جميلا ينشرح له وإذا رأى منظرا سيئا يمتعض منه، ولكن التقييمات الجاهزة لا تسمح لك بتقييم ذلك بنفسك فتفقد هذه المهارة أو لا تتكون عندك من الأساس..
والحل ليس أن أتركه ليقيم بنفسه من البداية ولكني أناقشه ليفهم القواعد بتوجيهات مشروحة وأعطيه المعيار ثم أعوده على الاختيار والتقييم بنفسه بشكل متدرج وأتقبل خطأه بل وأتوقعه وأسمح له به وأتركه يستنتج بنفسه عواقب خطئه دون تأنيب..
ثانيا: تعليمه السيطرة على الرغبة في إشباع احتياجاته الآنية وتأجيلها حتى يتعلم كيف يتحكم في رغباته من الصغر دون قهر، ولكن بالمناقشة والتحفيز والمكافأة..
ثالثا: المصاحبة، احرص على مصاحبته بالخروج معه وحده والتحدث والنقاش معه في كل الموضوعات، لا تقل له هذا صواب وهذا خطأ، ولكن دعه يعبر عن مشاعره وعن رأيه، فإذا سألك عن شيء فاسأله وما رأيك أنت، وحتى إن كان رأيه مستفزا فاصبر عليه واسمعه وناقشه حتى يصل بنفسه لتصحيح مفاهيمه..
المهمة صعبة ومهمة لكن النتيجة تستحق العناء، أسأل الله أن يعينك ويوفقك ويهدي أولادنا وأولاد المسلمين..
ونوصيكم أيضًا بالاطلاع على: