لطالما كانت المضادات الحيوية أداة أساسية في مكافحة العدوى البكتيرية، لكنّ الاستخدام المفرط لها أدى إلى ظهور “البكتيريا الخارقة” المقاومة للمضادات الحيوية، ممّا يشكل خطرًا كبيرًا على الصحة العامة. لحسن الحظ، أظهرت دراسة حديثة إمكانية تطوير جيل جديد من المضادات الحيوية التي تستهدف بفعالية هذه البكتيريا دون الإضرار بالبكتيريا المفيدة في الجسم.
مشكلة البكتيريا الخارقة:
تعمل المضادات الحيوية على قتل البكتيريا المسببة للأمراض، لكنّها قد تُضرّ أيضًا بالبكتيريا المفيدة التي تعيش في الأمعاء، ممّا يُخلّ بالتوازن الطبيعي للميكروبيوم ويُؤثّر سلبًا على الصحة.
وتُصبح الأمور أكثر تعقيدًا مع ظهور “البكتيريا الخارقة” التي طوّرت مقاومة للمضادات الحيوية المتوفرة حاليًا.
أمل جديد:
أجرى باحثون من جامعة إلينوي دراسة حديثة نُشرت في دورية Nature، تمكنوا فيها من تطوير مضاد حيوي جديد يُسمّى “لولاميسين”.
يُستهدف هذا المضادّ بانتقائية عالية البكتيريا سلبية الغرام، وهي من أصعب أنواع البكتيريا في القتل، ممّا يجعلها مسؤولة عن العديد من العدوى الخطيرة.
ويمتاز “لولاميسين” بقدرته على قتل هذه البكتيريا دون التأثير على البكتيريا المفيدة في الأمعاء، ممّا يُقلّل من الآثار الجانبية للمضادات الحيوية التقليدية.
آلية عمل “لولاميسين”:
يعتمد “لولاميسين” في آلية عمله على تثبيط نظام بروتيني خاصّ موجود فقط في البكتيريا سلبية الغرام.
يُلعب هذا النظام دورًا أساسيًا في بناء جدار الخلية البكتيرية، ممّا يجعله هدفًا مثاليًا للقضاء على هذه البكتيريا دون التأثير على الأنواع الأخرى.
نتائج الدراسة:
أظهرت الاختبارات المعملية فعالية “لولاميسين” في قتل العديد من أنواع البكتيريا سلبية الغرام المقاومة للمضادات الحيوية، بما في ذلك:
- الإشريكية القولونية (E. coli)
- الكلبسيلة الرئوية (Klebsiella pneumoniae)
- المطثية العسيرة (C. difficile)
كما أظهرت الدراسة فعالية “لولاميسين” في علاج نموذج حيواني لتسمم الدم والالتهاب الرئوي دون أي تأثير سلبي على الميكروبيوم المعوي.
المستقبل:
على الرغم من النتائج الواعدة، إلا أنّ “لولاميسين” لا يزال بحاجة إلى المزيد من الأبحاث والتجارب قبل أن يُصبح متاحًا للاستخدام السريري.
يُتوقع أن تستغرق هذه العملية سنواتٍ عديدة، لكنّ نجاح هذه الدراسة يُمثّل خطوة هامّة نحو تطوير جيل جديد من المضادات الحيوية الفعالة ضدّ “البكتيريا الخارقة” مع الحفاظ على صحة الجهاز الهضمي.
خاتمة:
يُقدّم “لولاميسين” أملًا جديدًا في مكافحة العدوى البكتيرية المقاومة للمضادات الحيوية، ممّا يُساهم في تحسين صحة الإنسان بشكل عام.
وتُؤكّد هذه الدراسة على أهمية الاستمرار في البحث عن علاجات جديدة لمواجهة تحديات الأمراض المُعدية.