منذ اللحظات الأولى من وعينا بهذه الحياة، بل ربما قبلها أيضا نُوَاجَه بمن يظلمنا أو يسلب حقوقنا، وصور الظلم الذي يمكن أن نتعرض له لا تعد ولا تحصى. وقد يكون الظلم من أقرب الناس إلى الإنسان، من أب أو أخ أو صديق أو حبيب، وقد يقع الظلم من غريب أو صاحب سلطة أو غيره، ومن الظلم ما نتعرض له عمدا مع سبق الإصرار والترصد، فقد تكون منشغلا بحالك وظروفك وحياتك الصاخبة، بينما أحدهم منشغلا بالكيد لك والتخطيط لإيقاع الضرر أو إلحاق الأذى بك.
وقد يظلمك من يحبك بسوء فهم أو سوء تقدير، أو سوء حكم على الأمور، قد يظلمك حبيب حين يُفرط في حبك، وقد يظلمك أب أو أم حين يفرط في تدليلك، وقد يظلمونك حين يقسون عليك بغرض إصلاحك أو تربيتك، وقد يظلمونك حين يقارنون بينك وبين غيرك، المهم أنك قد تتعرض للظلم من أي شخص وبأي صورة كانت، فلا قاعدة لذلك ولا ضابط له، فما دمت في هذه الحياة فمن المستحيل أن تحظى بالعدل طوال حياتك، فلا بد أن يجور عليك جائر أو يعتدي على حقك معتد!
لذا وجدت مكرمة بين الخلائق، تتجاوز أوجاع الظلم وتمر بالمظلومين من نفقه المظلم القاحل إلى حيث نور الحياة وبهجتها، شيء آخر يختلف عن الانتقام ولا يشبه القصاص في شيء، شيء ثالث يدعى “التسامح”.
ما هو التسامح؟
التسامح هو أن يكون لدى الإنسان القدرة على التجاوز عن الأخطاء، والعفو عن أصحابها والقدرة على التعامل معهم، وتقبل أعذارهم.
التسامح هو ان يصفوا القلب لمن أساء وأخطأ في حقك، حتى كأنه لم يخطئ، وليس التسامح أمرا سهلا فهو يحتاج إلى أخلاق كريمة وقلب كبير، يعفوا ويكمل العلاقات بلا كدر أو تأنيب أو لوم.
ما هي فوائد التسامح وأثره على الحياة؟
التسامح له أثر عظيم على الإنسان وفضل كبير على الحياة بسلام وصفاء قلب، من فوائد التسامح بين الناس أن الشخص المتسامح يحظى بحب الناس وتقديرهم، ويعرف بطيبة قلبه، كما أن التسامح مع الناس والتجاوز عن أخطائهم وإساءتهم، يمنح الإنسان راحة نفسية كبيرة وشعور بالنقاء وخلو النفس من المكدرات التي تعكر صفوه، لأن الشعور بالقهر وعدم التسامح وسيطرة الرغبة في الانتقام على الإنسان تعكر صفوه، وتسمم سعادته وتحرمه السكينة وراحة البال.
التسامح يعني أن يحي الشخص بلا ضغينة لأحد وأن يتمتع بالسلام النفسي، والهدوء الداخلي، وأن يوجه طاقاته للخير، ومعناه ألا يترك للشيطان فرصة أن يؤجج غضبه ويشعل نيران الحقد بداخله.
التسامح والعفو عن الناس وخاصة الأحبة والرفاق الذين لا قبل لنا بفراقهم ولا سبيل لدينا إلى انهاء علاقتنا بهم، هو سلوك الكرام ومنهج الكبار والعقلاء، فسامح من تحب وابدأ عامك بلا عتاب ولا لوم ولا حنق على أحد، سامح وكن من الكرام.
كيف تبدأ عامك الجديد رافعا شعار التسامح؟
التسامح يحتاج أن تحادث نفسك بصدق وتقنعها أن كل ابن دم خطاء، فلا داع لجلد من يخطئ في حقنا فلعل له عذر، وتخبرها أنك يجب أن تسامح من أخطأ في حقك اليوم حتى إذا ما زلت القدم وأخطأت أنت في حقه، لم ينقطع رجاؤك في سماحه وعفوه.
من يستحق منك أن تسامحه، وأنت مقبل على العام الجديد؟
المخطئون في حقك كثيرون، ومن يتجاوزون حدود العدل والإحسان أكثر، لكن التسامح والعفو إن كان يليق بك وبكرم أخلاقك، فهو قطعا لا يليق بهم جميعا، بل منهم من يستحق أن تسامحه وتتجاوز خطأه وتكمل مسيرتك معه، وكأن شيئا لم يكن، ومنهم من لا يستحق ذلك إطلاقا، وهنا توقف برهة وسل نفسك ترى من الذي يستحق تسامحك؟
والإجابة على سؤالك تجدا في السطور التالية:
- يستحق السماح منك من يحبك، وتعلم أنت مدى حبه لك، فالحب ليس مانعا من الخطأ لكنه داعيا إلى السماح والعفو.
- يستحق السماح من أخطأ دون قصد، أو أصابك منه ضرر دون عمد أو تدبير أو كيد.
- يستحق السماح من قاده سوء الفهم إلى سوء التصرف.
- يستحق السماح كل من جاءك نادما على ما اقترفه من خطأ أو تقصير في حقك، أو ظلم لك، فجاءك معتذرا، اقبل عذره ليُقبَل عذرك، وابدأ العام بقلب لا يعرف القطيعة ولا الخصام!!