يتساءل كثيرون عن سبب اختلاف التوقيت بين دول العالم. في الواقع، تنقسم الأرض إلى 24 منطقة زمنية، لكل منها توقيتها الخاص الذي يختلف عن المناطق الأخرى. فمثلًا، بينما يستيقظ سكان ولاية نيويورك الأمريكية لبدء يومهم، يكون سكان مدينة طوكيو اليابانية في طريقهم إلى النوم، وذلك لأن توقيت طوكيو يسبق توقيت نيويورك بحوالي 14 ساعة.
الولايات المتحدة الأمريكية وحدها تحتوي على أربع مناطق زمنية مختلفة. لذلك، إذا كان لديك صديق في ولاية أخرى، فمن المرجح أن يكون التوقيت مختلفًا بينكما، رغم أنكما داخل نفس الدولة. أما فرنسا، فعلى الرغم من صغر مساحتها مقارنة بدول كبرى، فإنها تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد المناطق الزمنية، حيث يصل عددها إلى 12 منطقة، نتيجة امتلاكها لأراضٍ تابعة لها في أماكن متفرقة حول العالم، مثل بولينيزيا الفرنسية وجزر واليس وفوتونا.
أما الصين، وبرغم مساحتها الشاسعة، فقد اختارت أن تعتمد توقيتًا موحدًا لكافة أقاليمها، مما يؤدي إلى مشهد زمني غريب، حيث تشرق الشمس في بعض مناطقها في العاشرة صباحًا!
هل من الممكن توحيد توقيت العالم؟
قد يتساءل البعض: لماذا لا يتم توحيد التوقيت بين جميع الدول وتبني توقيت عالمي موحد؟ للإجابة عن هذا السؤال، دعونا نستعرض قصة شهيرة توضح أهمية اختلاف التوقيت.
أيضًا؛ هل تعلَم ⇐ كيف يحدد الطيارون مسارهم في السماء رغم أنها تبدو متشابهة؟
مغامرة فيلياس فوج حول العالم في 80 يومًا
في عام 1872، كتب الأديب الفرنسي جول فيرن رواية تحكي عن “فيلياس فوج”، رجل بريطاني عاش في لندن وكان يتميز بدقة مواعيده ونظامه الصارم. بلغ به الأمر أن طرد خادمه لأنه لم يحضر له الماء الساخن بالدرجة التي يفضلها!
في إحدى الليالي، وبينما كان فوج في نادٍ مع أصدقائه، قرأوا خبرًا عن سرقة مبلغ ضخم من بنك في لندن. وأثناء نقاشهم، قال أحدهم إنه بفضل وسائل النقل الحديثة، يمكن للمرء أن يدور حول العالم في ثلاثة أشهر فقط. إلا أن فوج اعترض وأكد أنه يمكن القيام بهذه الرحلة خلال ثمانين يومًا فقط.
بعد جدال طويل، تحدى أصدقاء فوج، واتفقوا على رهان بقيمة 20,000 جنيه إسترليني. إذا نجح فوج في إكمال رحلته في 80 يومًا، تحملوا مصاريف الرحلة كاملة، وإذا فشل، يتحمل فوج الخسارة.
انطلاق الرحلة والمصاعب التي واجهها
بدأ فوج رحلته من لندن في 2 أكتوبر، متجهًا إلى السويس بمصر، ثم إلى مومباي بالهند، فهونغ كونغ، ثم يوكوهاما باليابان، ومن هناك إلى سان فرانسيسكو ونيويورك، قبل العودة إلى لندن. خلال رحلته، واجه فوج العديد من التحديات، منها القبض عليه عن طريق الخطأ.
ولسوء الحظ، عندما عاد إلى لندن، اعتقد أنه تأخر عن الموعد المحدد بخمس دقائق فقط، مما سبب له إحباطًا شديدًا. ولكنه اكتشف لاحقًا أن حساباته كانت خاطئة؛ إذ إن السفر باتجاه الشرق، بعكس حركة الشمس، أكسبه يومًا كاملًا إضافيًا. لذلك، تمكن في النهاية من الفوز بالرهان، حيث أكمل الرحلة في 79 يومًا فقط، بفضل اختلاف التوقيت بين البلدان!
ما السبب العلمي لاختلاف التوقيت؟
لفهم سبب اختلاف التوقيت، يجب أن نعرف أن الأرض تدور حول محورها دورة كاملة كل 24 ساعة تقريبًا، مما يؤدي إلى تعاقب الليل والنهار. ومع ذلك، لا يحدث الليل والنهار في كل الأماكن في الوقت نفسه، بسبب اختلاف تعرض المناطق لضوء الشمس حسب موقعها.
فلو أن مدينة ما تواجه الشمس، فإنها تمر بالنهار، بينما تكون المدن الواقعة في الجانب المعتم من الأرض تمر بالليل. لذلك، من المستحيل اعتماد توقيت موحد لكل دول العالم؛ إذ سيكون النهار في مكان والليل في مكان آخر في الوقت ذاته.
فروقات التوقيت بين المدن نفسها
حتى بين مدن تقع في نفس الجهة من الأرض، هناك اختلافات زمنية واضحة. فقد تشرق الشمس في مدينة قبل الأخرى بساعات، أو تغرب في توقيت مختلف. مما يعني أن الفروقات الزمنية ليست فقط بين الدول، بل أحيانًا بين مدن الدولة الواحدة.
كيف تم تنظيم التوقيت العالمي؟
أمام هذا التعقيد، ظهرت الحاجة إلى تنظيم الوقت بدقة، فتوصل العلماء في أواخر القرن التاسع عشر إلى فكرة خطوط الطول وتحديد توقيت غرينتش كمرجع أساسي.
خطوط الطول وتوقيت غرينتش
يبلغ عدد خطوط الطول 360 خطًا، وتفصل بينها مسافة درجة واحدة. ولأن الأرض تدور 360 درجة خلال 24 ساعة، فإنها تتحرك بمعدل 15 درجة كل ساعة. بناءً على ذلك، قُسمت الأرض إلى 24 منطقة زمنية، كل منطقة تغطي 15 درجة طولية.
أُطلق على خط الطول الذي يقع عند الدرجة صفر اسم خط غرينتش، نسبة إلى مدينة غرينتش الواقعة قرب نهر التايمز في لندن. ويُعتبر هذا الخط مرجعًا لحساب التوقيت العالمي.
كيفية حساب الفروقات الزمنية
لحساب الفارق الزمني بين مدينة ما وغرينتش، نحدد أولًا موقع المدينة شرق أم غرب الخط. إذا كانت شرق غرينتش، نحسب عدد خطوط الطول بينها وبين الخط، ثم نضرب العدد في أربع دقائق (لأن الفرق بين كل خطين أربع دقائق). بعد ذلك نضيف الناتج إلى توقيت غرينتش إذا كانت شرقًا، أو نطرحه إذا كانت غربًا.
على سبيل المثال، إذا كانت مدينة تقع على خط طول 10 درجات شرق غرينتش، وكان توقيت غرينتش 12 صباحًا، يكون توقيت المدينة 12:40 صباحًا.
التوقيت المحلي والمناطق الزمنية
من خلال هذا النظام، ظهر مصطلح التوقيت المحلي، وهو التوقيت الخاص بكل منطقة أو مدينة وفقًا لموقعها بالنسبة لخط غرينتش. وقد يحدث أحيانًا أن تضم الدولة الواحدة عدة مناطق زمنية، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تشمل أربع مناطق زمنية: الشرقية، والوسطى، ومنطقة الجبال، ومنطقة المحيط الهادئ.
على سبيل المثال، عندما تكون الساعة 12 ظهرًا في المنطقة الشرقية، تكون الساعة 9 صباحًا فقط في منطقة المحيط الهادئ.
الفرق بين خطوط الطول والمناطق الزمنية
رغم وجود 360 خط طول، إلا أن المناطق الزمنية عددها 24 فقط، حيث تحتوي كل منطقة زمنية على عدة خطوط طول، ويبلغ الفرق الزمني بين كل منطقة وأخرى ساعة كاملة، بخلاف الفرق البسيط بين خطوط الطول، الذي يقدر بأربع دقائق فقط.
يمكنك أن تتعرَّف أيضًا على إجابة سؤال ⇐ هل يمكن لبركان أن يدمر العالم بأسره؟
الصين: استثناء في استخدام المناطق الزمنية
رغم أن الصين جغرافيًا تمتد على خمس مناطق زمنية، إلا أنها اختارت اعتماد توقيت موحد عبر جميع أقاليمها.
لذلك، قد تشرق الشمس في بعض المناطق الصينية بعد العاشرة صباحًا، وتبدأ أوقات العمل من الحادية عشرة صباحًا حتى السابعة مساءً، مما يؤدي إلى مشهد زمني غير معتاد وفريد من نوعه.