هل تتذكر أول يوم ربطت نفسك بهذه الدائرة المغلقة؟ هل تتذكر هل دخلتها وأنت سعيد تلهث وراء شراء أو إيجار شقة وبدلة فرح وقاعة لزوم المعازيم الذى أصرت حماتك أن يكونوا 300 فرد، وأن يوضع أمامهم خروف محشى وديك رومى ولم يهمها أو يعنيها أن زوج ابنتها المسكين في حياته مادقشى الرومى.
أم دخلتها وأنت مبسوط وتضحك ملء شدقيك لأن زوجتك أقنعتك أن العيال عزوة وأنتم يادوب داخلين على الطفل الرابع وربما دخلتها وأنت تتلحف بتأشيرة من مسئول كبير على كارت شخصى منه مليء بالألوان الزاهية وفى الخلفية مكتوب عليه اسمك بشكل مقتضب وكأنه عار على كاتبه، لكنك تمسكت به ورحت تدور في فلكه وفى فلك من سينفذ لك التأشيرة حتى تحصل على حق أو وظيفة وربما علاوة أو ترقية ليست من حقك وما كان لك أن تحلم بها لولا قابلت صاحب الكارت بالصدفة ووجدته في وضع ما ربما يؤاخذ عليه قانونيا فقرر شراء سكوتك بكارت توصية..
ربما أيضا دخلت تلك الدائرة وأنت حائرة لدخول ابنك أو ابنتك مدرسة تجريبى سمعتها كويسة ومفيش طلاب فيها بياخدوا دروس قبل تانية حضانة! وغالبا دخلت نفس الدائرة وأنت تنافق بواب العمارة التى تسكنها يوميا في الصعود والنزول ملقبا اياه بكلمة عم أو حج حتى يفوت لك الجرائد التى يقرأها جارك يوميا قبل أن تذهب إليه لتصور الكلمات المتقاطعة وتعيش عليها طول الأسبوع أثناء ساعات العمل أما أغلب الظن فقد دخلت هذه الدائرة وأنت تحاول أن تلحق ابنك في احدى مدارس الكرة بناد أو ربما مركز شباب “متصيت في حتتكم”، وعندما قلت لنفسك: مايقدر على القدرة إلا ربنا، لأن طلبات الكابتن فوق طاقتك وقررت من وقتها أن يلعب ابنك مذاكرة بدلا من لعب الكرة وأخواتها من الألعاب الأخرى، لاتعتقد أنك بهذا الانسحاب سحبت نفسك من الدائرة اللعينة.. أبدا لأنك ببساطة ستظل طوال عمرك ناقما على كل لاعبي الكرة في مصر والعالم.. تعد مكاسبهم وتلعن يوم سحبت ابنك من مدرسة الكرة وسيتعلم ابنك منك جملة شهيرة جدا وهى :هم اللى ذاكروا خدوا أيه؟
والوضع لا يختلف كثيرا بالنسبة للسيدات فبين دوامة دائرة البحث عن كلية من كليات القمة لأن العريس مستواه المادى والوظيفى يرتفع حسب نوع الكلية التى تدرس فيها الفتاة، ودوامة شراء الشبكة وشوار العروسة الذى يجب ألا يقل عن بنات خالاتها وعماتها، ونظرية ما أخدش الموظف ليه أنا وحشة ولا أيه؟ تضيع أحلى سنوات الشباب الأولى ويرتفع سن الزواج ليصل إلى 35 سنة بعد أن ظللنا سنوات طوال ننظر إلى بنت الـ 27 على أنها عانس!
ليس هذا فقط ولكن عند الخطوبة تظهر دوامات جديدة سواء في تحديد ثمن الشبكة أو مبلغ المهر وهل سيدفع العريس كاش أم سيكتفى بتحرير شيك بالمبلغ ليدخل السجن إذا كانت الحياة لا تطاق مع زوجته الجديدة وهو مبتسم للحياة، ثم ما أن تتزوج الفتاة من دول إلا وتنتقل من خانة الفتاة الرقيقة ذات الصوت الهادئ إلى جرس إنذار بالحريق يعمل كل خمس دقائق ويخلى سكان العمارة اللى مايشترى يتفرج، سواء من الزوج الذى دخل الصالة قبل أن يجف البلاط الممسوح بالديتول، وصولا إلى الواد المزغود الصغير اللى مبيقومش للحضانة إلا بطلوع الروح، ثم البنت اللى مطلعة عين أبوها وأمها ملبسش غير ماركات.
وهكذا ياسادة ياكرام تمر سنوات عمرنا بأيامها الحلوة والصعبة ونحن ندور في دوائرنا بلا هوادة.. قليلا منا فقط هو من يقف ويسأل نفسه: هل أنا أمشى في الطريق الصحيح.. هل ما أفعله في حياتى هو مايجب أن أفعله؟ ولكن لأن 90% على الأقل منا يؤكد لنفسه أن كل ما يحدث مكتوب على جباهنا منذ كنا قطعة لحم لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم في بطون أمهاتنا لذلك لن يعير هذا السؤال أى اهتمام، أما العشرة في المئة الباقية فهى يادوب ماشية بجوار الحيط في الدائرة خوفا لتخرج منها فتنتهى حياتها، وبين كل هذه الدوائر.. لا يسأل أحدنا أبدا نفسه: قوللى يا صاحب السعادة: أيه هو معنى السعادة.
بقلم: أماني ضرغام