إخواني؛ لقد استوقفني حديث النبي الذي يقول فيه «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه». فيسأله الصحابة: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟». وفي لفظٍ آخر «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه».
تفاصيل الحديث
- صحة الحديث: صحيح.
- تخريج الحديث: صحيح البخاري.
- راوي الحديث: أبو سعيد الخدري.
شرح الحديث
في حادثة تحويل القبلة؛ نُدرِك أنها جاءت كحدّ فاصلٍ بين الأمة الإسلامية والأُمم السَّابقة عليها، خاصة اليهود الذين الكتاب وبدَّلوه. لقد تخطى الحدث حدود الزمان. ليلقي بظلاله على أيامنا هذه، مذكرا بقول النبي ﷺ «لتتبعن سنن من قبلكم»، سنن: يعني طرائِق وسُبُل وأهداف، وغايات من كان قبلكم. التي نحن نسميها الآن: الموضة. تسيرون خلفهم بدعوى الموضة. وتأملوا الحديث «شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب». والضب أشبه بالتمساح الصغير أو الأرنب الوحشي. مدركين هذه الصورة؟
جحر ضب في صحراء، لكن من شدة التقليد الأعمى لغيرنا يقول ﷺ «حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه». تدخل حتى هذا الجحر وراءهم. قال الصحابة: يا رسول الله اليهود والنصارى -تقصد يعني-؟ قال «فمن؟». يعني فمن غيرهم؟
إنَّ مظاهر الذَّوبان وعدم التمايُز كثيرة اليوم بين صفوف المسلمين. تشاهدها بداية في ابتعادهم عن لغة القرآن، وتعلقهم باللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية. وليس معنى كلامي أني أُجَرم تعلم لغة غير اللغة العربية أبدا. بل هذا مشروع ومسنون عن رسول الله ﷺ أن تتعلم لغات غير اللغات العربية. لكن الذي أعيب عليه وألوم الكثير عليه هو ابتعادنا عن لغتنا الأُم. حتى صارت أسماء المحالّ باللغات الأجنبية، وصارت لغة الحياة اليومية مشحونة بالألفاظ الأجنبية، وصار مقام الفرد في عين مُحَدثيه يقيم ويكون له شأن بعدد المصطلحات الأجنبية التي يستخدمها.
وخرج علينا جيل آخر لا بالعربية ولا بالإنجليزية بل إنه يكتب كما يسمونه بالفرانكو/أراب. ولربما لما تقول له اكتب بالعربية تجد أخطاء إملائية بشعة في كتاباته.
هذا أمرٌ عظيم أيها الشباب. إذا تركتم لغتكم التي هي لغة القرآن، وهي محل هويَّتكم؛ من إذًا يتعلمها؟ هل أعدائكم يتعلمونها؟ تتركونها لمن؟ إنها لغة القرآن. ولغة القرآن لغة تعبدنا الله بها، لغة بها نحيا وبها نعيش، بل بها نتنفس أيضا.
من مظاهر الذوبان التي نجدها، نجده في الملابس للأسف الشديد. في شكل الملابس وأنماطها.
فالظواهر الشَّاذة انتقلت إلينا بسرعة من الغرب. ولم تجد من كثير من الشباب إلا الترحيب بها. وغير ذلك من ظاهر كثير.
أيها المسلمون الكرام ما حرم الله علينا اتباع من قبلنا فيما هو يخالف ديننا إلا لأنه -كما قال أهل العلم-: كلما كثرت المخالفة بينك وبين أهل الجحيم كان أبعد لك عن أعمال أهل الجحيم. الله أكبر.
ولذلك؛ فإنه مِن دروس حادثة تحويل القبلة المهمة أنها عرفت المسلمين طبيعة الكفار، من يهود ونصارى وغيرهم. وأنهم لن يرضوا أبدا عن المسلمين إلا بأن يتبعوهم، بل ويكونوا مثلهم.
قال ربنا ﷻ في كتابٍ خالد -إن شاء الله- إلى يوم القيامة ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾.