الإسلام دين العفة والطهارة، يحمي أتباعه من الوقوع في براثن الخطيئة، والسير وراء نداء الشهوة والمتعة، ويفعل في سبيل تحقيق هذا الهدف المنشود كل ما يمكن فعله، فيسن القوانين والأحكام الصارمة في النهي عن الزنا أو مخالطة أسبابه أو الاستجابة لدواعيه أو الخضوع لنداءات الشيطان، وإذا زلت القدم بعد كل ذلك فإن الشريعة توجه لها عقوبة قاسية جدا، لتطهر صاحبها من الخطيئة، وتلقن المجتمع بأسره دروسا قاسية أيضا حتى لا ينزلق في هوة الخطيئة ولا يستجيب لداعي الحرام.
ولأن الحديث عن حكم الزنا أو عقوبته أو خطورته في الدنيا والآخرة معروفا ومألوفا للمسلمين جميعا، وربما لغيرهم، فنحن نتكلم في الأمر من باب التذكرة والإنذار، ونتناول هنا الطرق الذي اتبعها الإسلام لسد باب الخطيئة، مبينين بعض اللطائف في النهي عن الزنا وتحريمه.
كيف يسد الإسلام أبواب الزنا؟
الإسلام أولى قضية عفة المجتمعات وسلامة الأنساب وطهارة الأرحام عناية كبيرة جدا، وعمل على سد ذرائع هذه الفتن من أصلها، وذلك عن طريق عدد من التشريعات والأحكام، فقد أمر المسلمة بالحجاب وحثها على ستر جسدها وعدم إظهار مفاتنها أو استعراض زينتها إلا أمام زوجها، والكتاب والسنة زاخرين بما يدل على هذا المعنى ويؤكده، وعلى الجانب الآخر أمر الرجل بغض البصر وحفظه عن مشاهدة ما يثير رغباته أو يؤجج مشاعره، وأمر المسلمين بتيسير الزواج وعدم التشدد في شروطه حتى يكون عونا للشباب على العفة واشباع رغباتهم في الإطار الذي ارتضاه لهم الشرع، وأمر الشباب إن تعذر النكاح أن يلوذوا بالصوم فإنه وقاية لهم، وأمر ولاة الأمور بعد كل ذلك أن لا يتوانوا في تطبيق أقصى العقوبات التي فرضها الشرع على من تزل قدمه ويقع في هذا الشرك اللعين.
لطائف في نهي الإسلام عن الزنا
نهى الإسلام عن مواقعة جريمة الزنا في الكتاب والسنة، في عدة مواضع منها قول الله عز وجل: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)، وفي هذه الآية لمحة لطيفة يبينها العلماء عند تفسيرها، حيث يقولون أن الله عز وجل جاء بلفظ (لا تقربوا الزنا) ولم يأت بلفظ (لا تزنوا) لعلة معنوية هامة جدا، وهي أن النهي شاملا الزنا نفسه وكل ما يمكن أن يؤدي إليها من قريب أو من بعيد، سواءا كان كلمة أو إشارة أو فعل أو مكان أو وسيلة تقرب منه أو تدعوا إليه، ويعللون قائلين: أن الامتناع عن مخالطة الأسباب المؤدية للزنا واجتناب دواعيه والبعد عن كل ما يمت إليه بصلة أيسر على الإنسان من مقاومة الزنا نفسه، لأن الإنسان متى انقاد وراء أسبابه ودواعيه سلمه سبب إلى سبب، وتدرج في الذنوب حتى يصبح على شفا حفرة من اقتراف الجريمة، فيشق عليه في هذ اللحظة جدا أن يفيق أو يتراجع أو ينجو من الزلل، وغالبا ما يقع الإنسان في الهاوية إلا أن تتداركه رحمة الله، فكان الامتناع عن المسببات من باب أولى أجدى وأيسر على النفس، يقول تعالى في هذا المعنى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
وفي عقوبة الزنا يقول عز وجل: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، ومن اللطائف التي تنطوي عليها هذه الآية الكريمة أن الله عز وجل بدأ بالمرأة أولا ثم ذكر الرجل بعد ذلك، وفي علة ذلك يقول العلماء أن المرأة هي التي يعول عليها في غواية الرجل وجره للفتنة أو دفعه عنها، فالمرأة حين تتبرج وتبدي من زينتها ما أمرت بإخفائه، فإنها تجعل مهمة غض البصر أصعب ومقاومة الرجل للفتن أقل، وأنها بذلك تعين الشيطان والهوى والنفس على الرجل حتى يقع في الخطيئة، ومن ثم فقد بدأ القرآن بها في العقوبة.
وأخيرا نسأل الله السلامة وأن يقينا وإياكم أسباب الفتن فقلوبنا أضعف من مقاومتها،، فلنسأل الله السلامة والعافية ابتداءا، ولنستعين بتحصين أنفسنا وأبنائنا وبناتنا من أسباب الزنا وداعيه، لعل الله ينظر إلينا نظرة رضا فيرحمنا!!