إن امتلاك قلوب الآخرين يُعد فناً يتقنه بعض من لهم تأثير سحري على من حولهم وذلك يتجلى في ابتسامتهم وكلماتهم الطيبة التي يزرعون بها الأثر العميق في النفوس بجانب المجاملة المتوازنة التي لا تصل إلى حد النفاق أو التملق كما يُطلق عليه البعض، فضلاً على إمكانية كسب قلوب الآخرين عن طريق التنازل الطفيف والتحكم في شعور الغضب الذي ينتابنا عند التعرض لأي من المواقف الشديدة التي نمر بها في أي علاقة إنسانية تجمعنا بالطرف الآخر.
هل يعتبر امتلاك قلوب الآخرين ملَكة فطرية أم أمر مكتسب؟
يرى الدكتور حسين الجوهري ” مستشار تنمية بشرية وتطوير مؤسسي ” أن امتلاك حب الآخرين قد يكون في بعض الأحيان أمر فطري من الله عز وجل، ومثال على ذلك القبول الذي يلقاه أحدنا لشخص ما عند رؤيته لأول مرة وهذا القبول لهذا الشخص تحديداً لا يعرف له الإنسان سبباً محدداً.
على الجانب الآخر، هناك أسباب مكتسبة مرتبطة بتعديل سلوك الإنسان والتي من خلالها يمكن للإنسان أن يمتلك قلوب الآخرين من حوله وفيه يبدأ الإنسان بمراجعة سلوكياته وتصرفاته وأفكاره وثقافته ويحسِّنها للأفضل، ومن ثم يؤثر بذلك على الآخرين ويكسب ودهم وقلوبهم، وبالتالي فإن هذه الجوانب أو السلوكيات تُعد مهمة لمراجعتها أولاً بأول في حياة الإنسان خاصةً عند تعامله مع الآخرين ممن حوله، لذلك يمكننا القول بأن قضية امتلاك قلوب الإنسان لها جانب فطري وآخر مُكتَسَب.
هل يحتاج الإنسان دوماً إلى امتلاك قلوب الآخرين؟ وكيف يمكنه ذلك؟
يحتاج الإنسان دائماً إلى اكتساب قلوب الناس من حوله ولكن على الرغم من ذلك ليس بالضرورة أن يقتنع الجميع بشخص ما بعينه، كما أنه ليس من الضروري أن يسعى أي إنسان ليُقنع الجميع به ويحاول كسب ودهم وقلوبهم طوال الوقت لأن الإنسان لا يستطيع أن يُقنِع جميع البشر بنفسه على الرغم من أنه لابد له أن يسعى دائماً لكسب ود وحُب الجميع كما يستوجب علينا السعي في أن يتقبلنا الآخرين عند التعامل معهم في المواقف المختلفة لأن الإنسان اجتماعي بطبعه وبالتالي فإنه يحتاج إلى التعامل مع الآخرين بطريقة إيجابية وأن يدخل قلوبهم طوال الوقت.
أما عن قصية كسب القلوب وامتلاكها فهي قضية نسبية حيث يمكن أن يشعر الآخرون براحة كبيرة تجاهنا نتيجة التصرفات أو السلوكيات الإيجابية التي نسلكها نحوهم، مع مراعاة أن هذه السلوكيات تعتبر نسبية من شخص لآخر ومن موقف لآخر، وبالتالي فإن كسب قلوب الآخرين يعتمد على نسبة سد الشواغر التي يحتاجها الطرف الآخر، فكلما احتاج الطرف الآخر لأن يُشبِع حاجة معينة من شخص آخر كلما ساهم ذلك في زيادة درجة اكتسابه لقلبه، وهي قضية في النهاية حتماً لا تصل إلى درجة 100% حتى مع الأنبياء كالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي امتلك قلوب الكثيرين حول العالم لكنه في نهاية الأمر لم يستطع أن يُقنِع الجميع به ولم يُجمِع العالم على حبه أو اتباع دينه حتى أن أشد أعداءه كانوا من المقربين منه على الرغم من أنهم يعرفون جيداً أنه صادق في رسالته ولكنهم في نفس الوقت غير مقتنعين به ويحاولون تكذيب رسالته لأسباب عدة، لذلك يجب أن يسعى الإنسان لسد حاجات الآخرين واكتساب قلوبهم، ويمكن قياس مدى نسبة نجاحنا في اكتساب قلوب الآخرين عن طريق ملاحظة ردة أفعالهم تجاهنا، ويُعد خطئاً أن نسعى للدخول في قلب إنسان بعينه طوال الوقت وإلزام النفس بذلك لأن ذلك يستحيل تحقيقه عملياً في هذه الحياة، بينما يمكننا السير في هذه القضية وفق أسس وقواعد معينة بحيث لا يتضرر الآخرون منا وبالتالي يمكننا امتلاك قلوبهم بصورة سهلة.
أضاف ” الجوهري “: إنَّ كف الأذى والضرر عن الآخرين يُعد نوع من أنواع امتلاك القلوب الذي يحتاج إلى مهارة عالية من صاحبها.
إلى جانب ذلك، لاكتساب قلوب الآخرين يجب أن يتوافر عامل الثقة بين كلا الطرفين بالإضافة إلى ضرورة التوافق في الحالة التي يعيشها الطرف الذي نرمي إلى اكتساب قلبه، ومثال على ذلك إذا كان صديق لنا يمر بحالة من الضيق أو الحزن وأتى ليروي ما ينغص عليه حياته فمن الضروري أن ننصت له ونتعايش مع حالته الحزينة التي يمر بها ونحاول جاهدين أن نساعد في حل مشكلته حتى نكتسب قلبه بشكل سريع لأن ذلك يجعل من الآخر يشعر بتعاطفنا تجاهه وتجاه الحالة المؤسفة التي يمر بها، وقد رأينا المثال الأبرز في ذلك في السيدة خديجة رضي الله عنها عندما أتاها الرسول صلى الله عليه وسلم خائفاً عندما نزل عليه الوحي وقد أنصتت له وهدأت من روعه وقامت بتهدئته بطريقة الأمل، لذلك يمكننا القول بأن اكتساب قلوب الآخرين قد يأتي عن طريق:
- التعاطف معهم.
- محاولة التقرب منهم وحل مشاكلهم.
- اتخاذ سلوكيات إيجابية نحوهم مع عدم إيذائهم.
- معايشتهم حالتهم السلبية التي يمرون بها.
- الإنصات الجيد لمن يتعاملون معنا.
كيف يمكن للشخصية الجادة جذب قلوب الآخرين؟
لا تعتبر الشخصية المرحة قادرة وحدها على كسب قلوب الآخرين أو كما يعتقد البعض بأن الشخصية الجادة لا تستطيع أن تجذب قلوب الآخرين إليها لأنه لا يوجد شخصية مرحة أو جادة على الإطلاق بنسبة 100%، بينما يعتمد امتلاك قلوب الآخرين بدرجة كبيرة على طريقة تعاملك مع الغير.
على سبيل المثال، يمكن للشخصية الجادة امتلاك قلوب الآخرين عن طريق تهدئة النفس عند التعرض لموقف من الغضب الشديد تجاه الآخر وبالتالي فإن الشخص الذي كظمنا غيظنا أو غضبنا نحوه حتماً سننال من قلبه وحبه لأن هذا الشخص الآخر سيشعر بأننا تنازلنا عن شخصيتنا الجادة ولو بشكل مؤقت لنحتويه ويمر الموقف الذي نتعرض له بسلام على كلانا.
على الجانب الآخر، ليس بالضرورة أن تستطيع الشخصية المرحة اكتساب قلوب الآخرين طوال الوقت لأنها قد تكون شخصية يغلب عليها طابع الهزل وبالتالي تفقد مصداقيتها في المواقف المختلفة، ومن ثم فإن قضية اكتساب قلوب الآخرين تأتي من باب سددوا وقاربوا أو من باب التوازن، كما أن الشخصية التي تكسب قلوب الآخرين هي الشخصية التي تتمتع بسلام نفسي داخلي، وبالتالي فإن التعامل بعفوية في إطار الحدود والضوابط العامة مع مراعاة المصداقية والشفافية ونوع من المجاملة أحياناً قد يكون هو الأثر الإيجابي في اكتسابنا لقلوب الآخرين وهذا غير مرتبط بشخصية معينة بقدر ارتباطه بطريقة تفكير وممارسات وسلوكيات معينة يقوم بها الإنسان تجاه الآخرين دون أن نغفل عن أن جذب قلوب الناس قد يكون سلوك فطري عند الإنسان.
كيف يمكننا امتلاك قلوب الآخرين مع الحفاظ على شخصيتنا كما هي؟
هناك مصطلح يُسمى بالابتزاز العاطفي وهو مصطلح قوي يستعمله بعض الأشخاص ليجبروا الآخرين على تغيير جزء من شخصيتهم أو سلوكياتهم وثقافتهم حتى يتمكنوا من اكتساب قلوبهم، وهذا ما نلاحظه في العلاقات الأسرية والعاطفية التي يضطر فيها الإنسان أن يقوم بسلوك ما قد لا يكون غير راضِ عنه من داخله وذلك إرضاءً للطرف الآخر فقط ومحاولة جذب قلبه إليه، وهو ما يُسمى بالابتزاز العاطفي.
من الممكن أن يتنازل الإنسان عن بعض الأمور ولكن بشرط ألا نفقد بهذا التنازل شخصيتنا وثقافتنا وكينونتنا، كما أنه لا يوجد علاقة بين الابتزاز العاطفي وامتلاك القلوب حيث أنه عند استعمال أحد الأشخاص للابتزاز العاطفي لشخص لآخر فإن العلاقة بينهما تتحول من امتلاك للقلب إلى السيطرة التي تتسم بوقتها المحدود والمؤقت في العلاقات الإنسانية بعكس كسب القلوب الذي يمتد ويستمر طوال الوقت بين الطرفين.
إن امتلاك القلوب يشترط وجود تناول من الطرفين، لكن في نفس الوقت لابد من أن يكون هذا الامتلاك برضى كامل من الطرفين وذلك نشبهه في حديثنا بالتفاوض مع الشخص الآخر، لذلك يجب علينا التفريق بين مسمى التنازل والسيطرة أو الابتزاز في المعاملات البشرية، ومن ثم فإن مع ردة الفعل السلبية في هذه العلاقة القائمة بين الطرفين يصير هنالك تنافر بينهما دون مراعاة كلا الطرفين أن قضية امتلاك القلوب تحتاج إلى تهذيب في المشاعر وتهذيب في الحب وترشيد في التعامل مثلما نرى في الأب الذي يقسوا أحياناً في تربية أبنائه ولكن بداخل هذه القسوة يكمن الحب ومن ثم يمتلك الابن قلب والده لأنه يعرف مدى حب والده له ولمستقبله حتى حين يقسوا عليه أحياناً.
يجدر الإشارة أيضاً إلى أن التنازل في المواقف المشتركة بين شخصين لا يمكنه أن يتصل بامتلاك أحدهما لقلب الآخر، ولو كان أحد هذين الشخصين صادق في حبه للشخص الآخر لما قبِل من الطرف الآخر هذا التنازل في شخصيته ليمتلك قلبه.
على الجانب الآخر، هناك أوقات معينة نرتاح فيها لأشخاص أو أناس بعينهم دون أن يدروا بأننا نكن لهم هذه الراحة وأنهم قد ملكوا قلوبنا وهذا يُفسَّر على أنه قبول نفسي لهؤلاء الأشخاص فحسب ولا دخل للحب في شيء من هذه العلاقة، لذلك فإن قضية امتلاك القلوب تُعد مهارة قد يستطيع صاحبها القيام بها دون أن يدري، ولكنه كذلك قد يعمل جاهداً على تنمية هذه المهارة وتطويرها من حين لآخر عن طريق عدة أمور منها:
- التنازل عن إبداء الغضب تجاه شخص ما.
- الإيثار الذي نقدمه للآخر.
- إسداء المعروف.
- تقديم النصيحة للطرف الآخر.
متى تكون المجاملة سلبية على صاحبها؟
تعتبر المجاملة جزء أو طريقة مهمة من طرق كسب قلوب الآخرين، لكن وجب علينا التفريق بينها وبين النفاق في العلاقات الإنسانية لأن المجاملة تعتبر من القوانين العامة في هذا الكون، ومثال على ذلك إلقاء السلام على من لا نعرف عند الاجتماع بهم في مكان واحد كنوع من مجاملتهم، ومثال آخر عند قدوم ضيف إلى منزلك وهذا الضيف بينك وبينه علاقة غير طيبة ولكنك لتكسب قلب هذا الضيف الذي لا تجمعك به علاقة طيبة يجب عليك الترحيب به فور مجيئه إلى منزلك كنوع من أنواع المجاملة لكسب ود واحترام هذا الضيف، وعند وصول المجاملة إلى حد المبالغة فإنها تكون حينئذ لها أثر سلبي على صاحبها وقد تتسبب في نفور قلوب الآخرين منا لفترات طويلة لأنها تصبح في هذا الوقت بمثابة تملق أو نفاق واضح تفضحه العين والأذن وكافة الجوارح أمام الناس بعكس المجاملة الرقيقة التي تعتبر أسلوب حياة مثلما رأينا في الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال ” رحم الله امرؤ جب الغيبة عن نفسه “، وهذا يعتبر نوع من أنواع المجاملة.
يظهر التملق بشكل بصورة أكبر في العلاقات العاطفية بين الناس حيث أن الحب الزائد عن الحد من أحد الطرفين للآخر نراه يتحول في نهاية المطاف إلى عدم قبول، وإنما لابد للعشيق أن يستعمل أسلوب المجاملة مع عشيقته حتى يستطيع تملك قلبها ساعة بعد ساعة وحتى لا يدخل في فخ التملق أو النفاق الذي يهدد بزوال هذه العلاقة في القريب العاجل لأن النفس البشرية تتشبع سريعاً خاصةً عند اتباع أسلوب المبالغات بين الناس بشكل عام والعلاقات العاطفية بشكل خاص، لذلك يُنصح بألا نندفع في العطاء حتى لا نخسر قلوب الآخرين حيث يمكنك أن تحبب حبيبك هوناً كما قيل من قبل.
أردف ” الجوهري “: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يخص امتلاك القلوب وكيفية إحداث التوازن ” لكل عمل شِرة ولكل شِرة فِترة، فمن كانت شترته على سنتي فقد اهتدى”، ويعني بالشِّرة الطاقة الطويلة والفِترة هي الخمول، وهذا يفسر حالة التشبع التي تنتابنا تجاه شخص ما مع استمرار تعلقه وارتباطه بنا طوال الوقت، لذلك يجب علينا عدم تجريح الطرف الآخر حتى وقت غرقنا في العديد من المشاكل التي نمر بها يومياً.
ما هي الصفات التي يمكن بها امتلاك قلوب الآخرين؟
هناك بعض الصفات التي يجب أن يتسم بها الشخص الذي يود جذب قلوب الآخرين منها:
- مساعدة الآخرين دون أن يكون ذلك على حساب أنفسنا.
- التنازل البسيط بعيداً عن فقداننا لشخصيتنا بهذا التنازل.
- تقديم الابتسامة والمجاملة للآخر دون المبالغة في ذلك.
- حب الآخرين وضرورة التعايش مع مشاعرهم في حدود متوازنة.
وختاماً، يجب أن نسعى في حالة الضيق التي نمر بها أن كسب قلوب الآخرين دون أن نترك هذا الشعور بالضيق يسيطر علينا ويتأثر به غيرنا سلباً لأن ذلك قد يُفسد علاقتنا بغيرنا على الدوام.