هل تغير مفهوم الصداقة عند الشباب؟ وهل اختلفت الأسس التي يختارون عليها أصدقاءهم؟
لقد وجهت الشباب هذه الأسئلة إلى عدد من الشباب ثم نقلت إجاباتهم إلى علماء الدين والنفس والاجتماع لتعرف رأيهم فيما قالوه.
يقول حسام أحمد سيد بكر 20 سنة طالب جامعي: الصداقة في الزمن الحالي أصبحت كلمة عادية ولا تحمل أي معنى من معاني الإخلاص بعد أن أصبحت المصلحة تسبق كل شيء وتكون فوق كل شيء حتى بين الأخوة، ونادرا ما نجد صداقة حقيقية تستحق أن يضحي الإنسان من أجلها بوقته فقد يكون هناك من يدعي صداقتك في لحظات السعادة أو عندما يحتاج إليك ولكن ما أن تحتاج إليه فلن تجده لأنه سوف يختفي من أمامك.
ويقول عبد السلام توفيق الشلبي المدير التنفيذي لشركة كمبيوتر: من أخطر أشكال الصداقة التي انتشرت مؤخرا- والذي لاحظته من خلال عملي- التعارف الذي يتم عن طريقالشات وغرف المحادثة ويظن الشخص أنه بمأمن ويبوح بكل أسراره لمن معه ولعله يكون عدوا له دون أن يعلم بذلك إلا بعد وقوع الكارثة!!! فهل نتعظ ونؤمن أنفسنا من هذه الأخطار.
وتتفق معه في الرأي ن. شاكر وتقول: أنا فتاه من عائلة محافظة تربيت على الأخلاق ولم أكن فتاة مستهترة تبحث عن التسلية ومرت الأيام وحدثتني صديقة لي تستخدم الإنترنت عن الشات وقالت لي إنه ممتع وفيه يتحدث الناس وتمضي الساعات دون أن أحس بالوقت… ودخلت الشات وليتني لم أدخله.!! في بادئ الأمر اعتبرته مجرد أحاديث عابرة وأثناء ذلك تعرفت على شخص اعتبرته صديقا لي… كل يوم أتحدث معه كان يتميز بطيبته وأخلاقه الرفيعة، وأصبحت أجلس ساعات وساعات أمام الشات وأتحدث معه وأعجبت بهذا الشخص ولكن انقلب الإعجاب بمرور الوقت إلى صداقة ثم إلى حب واستمرت لقاءاتي معه ووعدني بالزوا ج ولم يتقدم لخطبتي حتى تشاجرت معه وقلت له إذا لم تتقدم لخطبتي سوف أتخلى عنك، فأجابني بهدوء وقال لي: عندما أتزوج لن أتزوج فتاة كانت تعرف غيري وغيري، فنحن علاقتنا كانت مجرد علاقة تيك أواي انتهت بمجرد التفكير في الزواج!!
أما هبة الله فتحي عبد المجيد- شعبة سكرتارية، فتقول: لدي الكثير من الصديقات اللواتي أجدهن وقت حاجتي إليهن ولكن لدي صديقة واحدة أفضلها من بين الكثير وائتمنها على أسراري وأكون معها وتكون دائما معي فهي رفيقة دربي وأستطيع أن أقول إنني كلما احتجت إليها أجدها وإذا وجدتها أحس بالارتياح لأنني أستطيع أن أقول لها مالا أستطيع أن أكتمه في قلبي وبرغم أنني خلال دراستي تعرفت على الكثير لكن تبقي الصداقة الحقيقية التي أحرص عليها مهما كانت الظروف وهي الصداقة التي تكون فيها محبة الله فوق كل الحدود ولا تطالها المصلحة من أي جانب ولا حتى النفاق أو المجاملة فهي تعتمد على الصداقة والصراحة بالدرجة الأولى.
أما بدر زامل يعمل في العلاقات العامة في المركز الديموجرافي فيقول: لدي صديق هو بالنسبة لي أكثر من أخ فهو دائما معي في كل الأوقات في السراء والضراء ولا يتردد في نصحي إذا أخطأت ويرشدني إلى الصواب والخير… وإذا حدث ولم أسمع كلامه أو شعر أنني لم أتقبل نصيحته لا يتركني بل يظل ورائي إلى أن أفعل ما هو خير فهو كأخي وأكثر من ذلك.
تقول مريم مصطفى ربة منزل: أنا لا أسمح لأولادي بأن يكون لديهم أصدقاء وصديقات، فبالتأكيد لن أسمح لابنتي إذا كانت جالسة في البيت لا عمل لديها ولا دراسة بأن يكون لديها صديق، فمن أين سيأتي ذلك الصديق وهي موجودة في البيت؟!! وتضيف قائلة: وليس فقط الفتاة التي لا يسمح لها بإقامة الصداقات، وإنما هناك كثير من الشباب الذين لا تسمح لهم أسرهم بأن يكون لديهم صديقات، وهذا ما يخلق في معظم الأحيان حالة من الخوف في التعامل مع الشباب والتستر والكتمان في علاقاتهم، فتحدث حالة من عدم التوازن في العلاقات الخارجية لدى الشباب. فكثير من الآباء لا يستطيع تقبل فكرة أن ابنته لديها أصدقاء من الشباب رغم أنها تدرس في الجامعة واحتكاكها بهم يكون بشكل يومي، أو أن طبيعة عملها تتطلب التعامل مع الرجال، وهو أمر وارد جدا في جميع الوظائف اليوم. ربما تكون الأم أكثر ليونة في التعامل مع هذه المواضيع مع ابنها أو ابنتها. وقد تم عرض هذه الحالات على علماء النفس والاجتماع والدين فماذا قالوا.؟
يقول الدكتور أحمد المجدوب أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: إن الصداقة هي حاجة ومشاعر غريزية موجودة داخل الإنسان منذ الخلق حيث يحتاج الإنسان إلى أنيس وإلي أشخاص لكي يشاركهم مكنونات نفسه ومشاعره فنجد الطفل الصغير رغم وجود أبويه وإحاطتهم له بالحب والرعاية إلا أنه يبحث لنفسه عن صديق خاص يجده في أحد ألعابه (دب صغير أو لعبة) ليتحدث معه ويصطحبه أحيانا إلى فراشه. إذن الصداقة مهمة جدا لكمال العواطف والحاجات النفسية لدى الإنسان.
وعن كيفية اختيار الأصدقاء وإلي أي مدى ننمي هذه العلاقات يقول الدكتور أحمد المجدوب: من يسمع كلمة اختيار يتصور أمامه مجموعة من الناس وأنا أختار من بينهم هذا أو ذاك وهذا لا يحصل عادة فإن الصديق المناسب لكل شخص يختلف عن الآخر، فمثلا هناك شخصيات تحتاج إلى صديق حنون يسمع ويساعد ويعين، وهناك من يحتاج إلى صديق قيادي أي أن الحاجات مختلفة، فالصديق يفرز لوحده بعد عدة مراحل من التعامل ويحدث التقارب بحسب أمور معينة ولكن المهم في الاختيار أن يكون هذا الصديق ذا أخلاق ومبادئ عالية وأهم شيء أن يكون له سلام روحي وعلاقة جيدة بالله حتى لا يقوده إلى طريق الفساد والحرام.
ويقول الدكتور يسري عبد المحسن أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة: تعرف الصداقة على أنها علاقة بين شخصين أو أكثر تتسم بالجاذبية المتبادلة المصحوبة بمشاعر وجدانية، ويعرفها البعض بأنها علاقة اجتماعية وثيقة ودائمة تقوم على تماثل الاتجاهات بصفة خاصة وتحمل دلالات بالغة الأهمية تمس توافق الفرد واستقرار الجماعة.
إذن نفهم مما تقدم أن الصداقة فن وصناعة لها أرضية لا بد من تهيئتها، وهي الالتزام بالأخلاق الفاضلة، أي صداقة قائمة على الخلق الإنساني الرفيع، لذلك فإننا نرفض كل ما يسميه البعض (صداقة التيك أواي) إذا كانت تعني مجرد اتصال اجتماعي، وتبادل خدمات ومنافع، ولا شك أن هذا ليس من الحق في شيء، وإن كان في الصداقة تعاون وعطاء متبادل، ولكن الصداقة بحد ذاتها هدف مقدس، لا وسيلة تجارية رخيصة. وبما أن الصداقة هي فن فهذا يعني أن نستعمل الذوق والفكر والقلب والضمير معا في إقامة الصداقات وإيجاد الأصدقاء.
إن الصداقة ليست مسألة عادية بل هي من القضايا الملحة في حياة الإنسان، على أنها قضية خطيرة أيضا، لأن تأثير الصديق على صديقه ليس تأثيرا فجائيا ملموسا ليتعرف من خلاله بسهولة على موقع الخطأ والصواب، بل هو تأثير تدريجي، يومي، وغير ظاهر. ومن هنا فإن بعض الذين ينحرفون بسبب الصداقات، لا يشعرون بالانحراف إلا بعد فوات الأوان، وإذا أخذنا بعين الاعتبار قابلية الإنسان للتأثير والتأثر بالأجواء التي يعيشها وخاصة تأثره بالأصدقاء، وإن هذا التأثير ليس مرئيا ولا فجائيا، عرفنا حينئذ خطورة الصداقة في حياة الإنسان، والمجتمع، وضرورة الاهتمام بها من قبل الأفراد والجماعات.
إن الصداقة قضية اختيار، ولا يجوز أن تترك أصدقاءك للصدفة، إذ إن الصدفة قد تكون جيدة في بعض الأحيان ولكنها لا تكون كذلك في أكثر الأحيان، ولهذا فإن على الإنسان أن يبادر إلى اختيار أصدقائه، حسب المعايير الصحيحة قبل أن تؤدي به الصدفة إلى صداقات وفق معايير خاطئة.
وفي هذا أشير إلى بعض الأمور والمعايير التي لا بد من أن يأخذها الشخص في الاعتبار عند بدء الصداقة، مثل التقارب العمري في معظم الحالات بين الأصدقاء، وتوافر قدر من التماثل بينهم فيما يتعلق بسمات الشخصية والقدرات العقلية والاهتمامات والقيم والظروف الاجتماعية مع مراعاة الدوام النسبي والاستقرار في الصداقة.
وبما أن الصديق له الأثر الكبير على حياة الفرد والمجتمع، فلابد أن نختار من تكون تأثيراته محمودة، فالواجب ألا نبحث عن الصديق فحسب، بل عن الصفات التي يتمتع بها، ومن أهم الصفات التي أكد الإسلام ضرورة توافرها في الأصدقاء العمل والحكمة والعقل والزهد والخير والفضيلة والوفاء والخلق الكريم والإخلاص والأمانة والصدق… إلخ ويضيف علم النفس إلى هذه الصفات السامية أيضا، الثقة بالنفس وكل ما يوحي بالقوة والاستقلال والميل إلى الحياة الاجتماعية، مع خفة الظل والانبساط والاعتناء بكل ما هو محبب، هذا بالإضافة إلى صفة التدين وهو كل ما يشير إلى الإيمان بالله وأداء الفرائض الدينية، وبذلك فإن الصفات التي أكد عليها الإسلام الحنيف، تتفق في معظمها مع الصفات التي أكد عليها علم النفس.
وبالإضافة إلى كل ما تقدم فإن للصداقة أهمية كبيرة من الناحية النفسية للإنسان، مثل الشعور بالحب والمشاركة الوجدانية، والإفصاح عن الذات وعن بعض المشاكل والهموم، وتلقي المساعدة في الشدة والاكتساب والتنمية، وإعداد الشخص لمواجهة المجتمع، هذا بالإضافة إلى المرح والترفيه وإدخال السعادة والبهجة على الصديق والمشاركة في الميول والهوايات.
وبعد كل ما تقدم، لا يبقي هناك مجال للشك، حول أهمية وضرورة الصداقة في حياة كل فرد في المجتمع.
فقد أكدت الدراسات النفسية اقتران افتقاد القدر المناسب من الأصدقاء بالعديد من مظاهر اختلال الصحة النفسية والجسمية، مثل الاكتئاب والقلق والملل وانخفاض تقدم الذات والتوتر والخجل الشديد والعجز عن التصرف المناسب عندما تستدعي الظروف التفاعل مع الآخرين، بالإضافة إلى ضعف مقاومة الأمراض الجسمية والتأخر في الشفاء. كما أظهرت إحدى الدراسات التي نشرت مؤخرا أن الأصدقاء يشكلون حماية من الإجهاد والاكتئاب، ويساعدون أيضا في التقليل من خطر الإصابة بأمراض القلب ويعملون على تعزيز نظام المناعة.
ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر: إن الإسلام يدعو إلى التآلف مع الناس وكسبهم، ومداراتهم، لأن الجانب الاجتماعي في الإنسان هو الجانب الأهم الذي من أجله خلقه الله ﷻ، وقد ورد في الحديث الشريف (ود المؤمن للمؤمن من أفضل شعب الإيمان)، ويكفي لإثبات ضرورة الصداقة، أن الله العظيم قد اتخذ لنفسه خليلا، وهو النبي إبراهيم ومن الملاحظ أن خطابات القرآن الكريم تأتي في صورة الجمع لا المفرد، وفي ذلك إيماء إلى المسلم بالحياة الجماعية والابتعاد عن العزلة إلا أن الإسلام يضع الأساس الصحيح للصداقة وهو الحب في الله، يقول الإمام علي: (خير الإخوان من كانت مودته في الله).
غير أن بعض الناس يقول متسائلا: بماذا ينفعني الأصدقاء؟ هل سأحصل منهم على الملايين؟
والجواب هو: من قال إن الملايين هي منتهى ما يحتاجه الإنسان؟ فالأصدقاء بالإضافة إلى ما يوفرونه من لذات الحياة ومعانيها فهم سلالم المجد للإنسان أحيانا، وإن الحياة الحقيقية هي أن يعيش الإنسان مع جماعة ويشاركهم أتراحهم وأفراحهم. فإن أكبر عقوبة يواجهها الإنسان هي عقوبة السجن الانفرادي، فالأصدقاء ينفعوننا في الدنيا حيث يقضون حوائجنا، ويساعدوننا في أزماتنا ومشاكلنا، أما في الآخرة فهم يشفعون لنا، فلو أن رجلا كان في الدنيا صديقا لأربعين مؤمنا، أليست شهادة هؤلاء على صلاحه تنفعه يوم القيامة، أو على الأقل تخفف عنه العذاب؟!
فالصداقة بالإضافة إلى أنها تنفع في الدنيا، فهي قضية دينية مرتبطة بالدين، ولربما يعاقب الإنسان على تركها يوم القيامة، فهي حاجة روحية للإنسان جعلها الإسلام بمنزلة عبادة يثاب عليها مع كل صديق بدرجته في الجنة، فمثلا (من استفاد أخا في الله، فقد استفاد بيتا في الجنة).
ومن هذا نستخلص، أن الصداقة في كل الأحوال لا بد من أن تكون قائمة على الخلق الإنساني الرفيع لذا على الفرد أن يكون حذرا في اختيار أصدقائه، يقول رسول الله ﷺ: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخال)، فقد حذر القرآن الكريم من السقوط في شرك (قرناء السوء) قائلا: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض شيطانا فهو له قرين).
لكن البعض قد يتخوف من هذا الأمر بشكل كبير، فيؤثر الوحدة في الحياة على الصداقة مع الناس، وبعض الناس على العكس من ذلك، إذ يتخذ من عملية الصداقة بحد ذاتها هواية، فيكثر من الأصدقاء دون أي حساب، وكلا الطريقين خاطئ، فليس من الصواب أن يتخذ الإنسان أصدقاء بلا حساب، كما ليس من الصحيح أيضا أن يعيش الإنسان في عزلة عن الناس، لأن العزلة حالة مخالفة لفطرة الإنسان الاجتماعي بالطبع، وليس من مبادئ الإسلام أن يعتزل الإنسان نظراءه في الخلق، بل عليه أن يصادق الطيبين منهم،، وإذا لم يوجد إلا الناس السيئون فلا بد من أن يكون معهم كإنسان دون أن يكون معهم في مواقفهم الخاطئة. فلا وجه لاعتزال الناس، والابتعاد عن الصداقات، لأن الصداقة رداء يحتاج إليه الإنسان، لينعم عند ارتدائه بدفء خاص فإن للصحبة آدابا قل من يراعيها. ولذلك فإننا كثيرا ما نجد المحبة تنقلب إلى عداوة، والصداقة تتقلب إلى بغضاء وخصومة، ولو تمسك كل من الصاحبين بآداب الصحبة لما حدثت الفرقة بينهما، ولما وجد الشيطان طريقا إليهما.
الصداقة اسم رائع لمعني أروع… فهي آتية من الصدق… وهي أهم خصلة يجب أن تكون بين الناس وأيضا بين كل صديقين. فالصدق سمة العلاقة الصحيحة وهو الأساس الذي يقوم عليه البناء ولكن كيف أصبح مفهوم الصداقة اليوم في وقت تتغلب فيه المصلحة ويتلاشى الإخلاص والحب؟! سؤال يفرض نفسه في الوقت الحالي، لأنه في الماضي كان الصدق هو عنوان الصداقة وكان الصديق يعين ويعاون كل من يحتاج إليه ولم تكن للأنانية وجود فقد كانت النفوس خالية من البغض والحقد والكره وكان الجميع أخوة وقت الشدائد بل وكان ما يتمناه المرء لنفسه يتمناه لغيره فكل شخص يسعى لجلب السعادة لكل محتاج لقد كان الكل أخوة في الأفراح والأتراح هكذا كانت الصداقة في زماننا، والتي أكد عليها الإسلام واعتبرها قضية مقدسة، فلا توجد بعد العبادات والإيمان، أفضل من اكتساب أخ مؤمن وصديق صالح، كما يقول الحديث الشريف: (لا يقدم المؤمن على الله بعمل يوم القيامة -بعد الفرائض- أحب إلى الله من أن يسع الناس بخلقه) فالصداقة تغذي الأخلاق، وتستثمر المبادئ، والأصدقاء كنوز، يجب البحث عنهم، وتحمل التعب من أجل اكتشافهم، حتى لا يختلط علينا الحجر والجوهر، فننتقي الأحجار ظنا منا أنها الجواهر.
تحقيق: ليلي محمد مصطفي