قد يكون الشعور بالذنب شعوراً مؤلماً للشعور بالموت، هذا الكلام لمصممة الأزياء الراحلة كوكو شانيل.
من الممكن أن نعتبر كلام شانيل مبالغاً فيه، ولكن مما لا شك فيه أن الذنب قد يردعنا عن التقدم في الحياة لأن هذا الشعور عادةً ما يرافقنا ويمنعنا من أن نفكر في الطرق المثلى لتقديم الحلول والمساعدات والعون لمن نشعر تجاههم بهذا الذنب، ونعتمد فقط على إحساسنا اللحظي وشعورنا الحزين تجاه هؤلاء الأشخاص.
ما مدى إمكانية مساعدة الإنسان لشخص آخر؟
تعتبر مشاعر الخوف والشعور بالذنب هي جميعها مشاعر لا تخدم الإنسان، وإنما الشيء الأهم هو أن يقوم الإنسان بالسيطرة على كل شيء يدور بداخله مع ضرورة التنبه إلى أن هناك أمور خارجة عن إرادتنا وهي أمور هي فقط بيد الله وحده، ولا يجب أن نشعر بالذنب تجاهها على الإطلاق في حالة فشلنا في تحقيق مساعدة أو عون لشخص ما، وذلك لأن الله وحده هو ما يُسير هذا الكون أو يشفي المرضى إلخ إلخ…، وهنا يمكن أن يساعد الإنسان في مثل هذه الحالات البائسة التي يراها في مجتمعه دون أن يظلم الإنسان نفسه لأنه يشعر بأن عليه مسئولية كبرى تقع على عاتقه ويستوجب عليه القيام بها، وهذا ما رأيناه فعلياً في حالة أحمد ذيابات الذي بالغ نوعاً ما في مساعدته للاجئين السوريين، ومن ثم لاحظنا جلياً وصوله لحالة نفسية مؤسفة أدت إلى عدم قدرته على مواجهة الآخر أو خروجه من المنزل من الأساس ليتمكن من عدم رؤية أي لاجئ سوري في الشارع فيما بعد.
على سبيل المثال، يمكننا القول بأن أفضل طريقة للشخص الغني أو الثري الذي يشعر بالذنب تجاه الفقراء هو ألا يصبح هو فقيراً في يوم ما، وإنما يستوجب على هذا الثري أو الغني العمل جاهداً على تكوين الثورة بصفة مستمرة حتى يتمكن من مساعدة الفقراء بشكل دائم وبالقدر المستطاع.
مضيفةً: بالرجوع إلى حالة أحمد ذيابات، يمكننا القول أن الشخص الذي يقرر مساعدة الآخرين يستوجب عليه التمعن في الطريقة الصحيحة أو الصائبة التي يساعد بها الآخر وأن يختبر تلك الطريقة من وقت لآخر، لأن الثري الغني الذي يمد يده للفقراء عطفاً بهم يجب عليه أن يفكر في كيفية مساعدة هؤلاء الفقراء بطريقة أخرى أفضل.
يمكن لأحمد ذيابات أن يقوم بمساعدة اللاجئين السوريين بطريقة أخرى قد تتمثل في إمكانية محاولته في إيصال قضية اللاجئين السوريين للعالم أجمع عبر الميديا أو الأمم المتحدة دون الحاجة لأن يشعر بالألم أو بالذنب الشديد تجاه ما يعاني منه اللاجئين السوريين.
ماذا عن حالة أحمد ذيابات؟
أحمد ذيابات هو شاب أردني ذو 24 عاماً، ويعيش في المنطقة الحدودية بين سوريا الأردن، ويعيش في حالة دائمة من الشعور بالذنب تجاه اللاجئين السوريين حيث يقول:” اسمي أحمد ذيابات، عمري 24 سنة، بدأت الشعور بالذنب تجاه اللاجئين السوريين في منتصف عام 2011 عندما بدأت أزمة السوريين والهجوم على سوريا.
كوني أحد المواطنين الأردنيين، أعيش على الحدود بين سوريا والأردن وأرى بعيني العديد من المواقف المؤلمة التي يتعرض لها المواطنين السوريين مما جعلني دائماً أدمع لمثل هذه المواقف الصعبة، حيث أنهم فقدوا العديد من الأشياء في وطنهم، ومن ثم يستوجب علينا جميعاً إيقاظ ضميرنا النائم لمساعدة هؤلاء اللاجئين طيلة الوقت “.
مضيفا: ” عندما كنت أمر بأحد هؤلاء المواطنين السوريين الذين يعيشون في الأردن بلا مأوى حقيقي ولا أقوم بتقديم يد العون له أشعر بالذنب والانزعاج، ويظل هذا الأمر خاطراً ببالي ليوم أو يومين، ومن ثم فكرت كثيراً في التغلب على هذه الحالة السلبية التي أقوم بها تجاه هؤلاء اللاجئين السوريين وأقوم بمساعدتهم على الفور، كما أنني نظراً لتأثري النفسي من تلك الحالات التي أراها يومياً في الشارع الأردني أحاول جاهداً ألا أرى تلك الحالات التي تتسبب لي في الألم النفسي البالغ “.
ما هي ردة فعلك الأولى على حالة أحمد؟
تقول الأستاذة دلال الجناعي ” مدربة في تطوير الذات “: إن أكثر ما سبب لي الفرح في حالة أحمد هو أننا إزاء شخصية تحس وتشعر بمن حولها من البشرية، كما أن أحمد أسعدنا كثيراً بأنه يشعر بأن لديه مسئولية وواجب إنساني وجب عليه تقديمه للشارع والناس من حوله خاصةً من يعانون من أي مشكلة كانت.
تكمن المشكلة عند أحمد عندما قام بربط هذا الإحساس أو الشعور الإنساني بالإحساس بالذنب، لأن هذا الشعور بالذنب تجاه اللاجئين السوريين استطاع أن يعيقه عن الخروج من المنزل والاستمتاع بالحياة، وهو ما جعله يضطر إلى عدم الاختلاط كثيراً بالناس من حوله حتى لا يتعرض لمثل هذه المواقف.
على الجانب الآخر، عندما قرر ذيابات مساعدة اللاجئين السوريين الذين يراهم في الشارع ليل نهار فإنه حينئذ يقوم بهذا الفعل بطريقة لا إرادية وأصبح مسير من داخله للقيام بهذا الشيء ومساعدة المحتاجين له دون أن يكون له اختيار واضح في الحياة فيما يخص هذه النقطة.
إلى أي مدى يصل به شعور الذنب بصاحبه؟
يمكن أن يكون الشعور بالذنب سبباً في تدمير صاحبه لأن هذا الشعور حتماً سيرافق صاحبه دائماً عند الاعتياد عليه، بل وعلى النقيض من ذلك أيضاً أن يمكن يكون هذا الشعور المؤسف بالذنب أو الحزن هو الشعور الطبيعي للإنسان ويكون الشعور بالسعادة هو الشعور غير الطبيعي.
وختاماً، يمكننا الإشارة إلى نقطة أخرى هامة وهي أن الإنسان حين يفقد السيطرة على مشاعره فإنه يفقد السيطرة على باقي الأمور الحياتية، لذلك هناك العديد من الدراسات التي تربط بين الإبداع والمساعدة وترى أن الإنسان السعيد حتماً سيصير إنساناً ناجحاً في حياته وأعماله، هذا إلى جانب وجود علاقة قوية بين الوعي والسعادة أو المال والسعادة وغيرها..، لذلك لا يجب على الإنسان أن يترك لهذه المشاعر السلبية مكاناً في قلبه حتى لا يتأثر بها، ومن ثم يجب علينا النظر إلى الحياة بعين الواقع وأن نحمد الله على كل شيء نمر به حتى إن لم يكن هذا الشيء مثالي بدرجة كبيرة.