الحرمان العاطفي للأبناء هو فقدان الطفل لأية علاقة عاطفية تربطه بالأم أو الأب أو كليهما بشكل جزئي أو كلي وذلك منذ الشهور الأولى للحياة، أو خلال سنوات نموه الأولى، ويترك هذا النوع من الحرمان آثارا سيئة وخطيرة ودائمة على نمو الطفل جسميا وعقليا وعاطفيا واجتماعيا، وحينما يكبر هؤلاء الأطفال فإنهم يفقدون الثقة بأنفسهم ويصبحون شخصيات قلقة يعانون الخوف ومواجهة الحياة وضغوطها، كما أنهم يتحولون لشخصيات انقيادية معتمدة، بالإضافة إلى الآثار الأخرى التي تناولناها بالتفصيل في موضوع “الحرمان العاطفي.. جريمة الآباء في حق الأبناء”.
من هنا وتجنبا لتعريض الأبناء لهذا النوع من الحرمان كانت الدعوة للارتباط الشرطي الإيجابي بين تواجد الأبناء مع الآباء وشعورهم بالسعادة والراحة والاطمئنان، أما عكس ذلك فهو ما يحدث في كثير من الأسر العربية كما يؤكد د.محمد المهدي الطبيب النفسي، فكلما رأى الابن أحد والديه سعى للتهرب والاختباء والتملص منهما والجلوس معهما بزيارة الجيران أو الأصدقاء أو الاختلاء في الغرفة الخاصة به، ويرجع السبب إلى لغة التقريع والانتقاد المتزايدة التي لا يعرف كثير من الآباء غيرها للتواصل مع الأبناء بسبب ضغوطات الحياة وغيرها من الأسباب الشخصية والنفسية وتاريخ التربية الخاص بالآباء.
ويؤكد د.المهدي أن الانتقاد مطلوب للتهذيب ولكن حين يطغى الجانب التهذيبي على الجانب الرعائي —والمقصود به الحنان والعطف والراحة التي يجب أن نُشعر بها الأبناء— يحدث خلل ونجد أن الابن تقريبا لا يريد رؤية أبويه.
سبل الاحتواء العاطفي
وفي هذا البروتوكول نقدم بعض الخطوات المحددة التي بها يستطيع الأبوان تنمية الجانب العاطفي الرعائي الإيجابي لدى الأبناء —وذلك بالاستعانة بآراء بعض مستشاري أون إسلام ومنهم د.محمد المهدي الطبيب النفسي، وأميرة بدران الأخصائية النفسية— وهي كما يلي:
- التعبير عن الحب للأبناء بكل الطرق والوسائل الممكنة بداية من النظرة والكلمة والهمسة والملامسة والاحتضان والكلام الصريح والكلام المعسول، وكذلك اللفتات غير المباشرة كالإشادة به أمام الآخرين كالأخ أو الأخت بما يعزز ثقته بوالديه وحبه لنفسه.
- أن تكون رسالة الحب الموجهة للأبناء غير مشروطة (أبدا) فكثير من الأمهات والآباء يقولون لأبنائهم (لو فعلت كذا سأحبك أكثر، لو قمت بسلوك خاطئ مرة أخرى لن أحبك) وبالتالي ينتج أبناء مشوهون عاطفيا يربطون الحب بالمصالح والشروط المادية، ويصبحون خائفين دائما من أن يفقدوا حب والديهم إذا فعلوا خطأ.
- أشعر الطفل بأنه محور اهتمام وحب ومصدر مودة وسعادة للأسرة كلها، وأنه عضو مهم حتى لو فعل بعض الأخطاء، حتى يكون شخصا سويا محبا لنفسه وفخورا بما يفعله حاليا وفي المستقبل القريب.
- من المهم أن تكون هناك صداقة بين الأبناء والآباء بما يسمح بالتوجيه الناضج والنصح الراشد والابتعاد عن صيغة النهي والأمر المباشر التي يستسهلها كثير من الأمهات والآباء.
- أن يكون هناك حوار حميمي يحدث بشكل دافئ وقريب ومتواصل لمناقشة العلاقات العاطفية في حياة الأبناء بما لا يسمح بالخوف من الآباء والابتعاد عنهم في هذه المساحة، مما يوجد مجالا للبحث عن آخرين يسدون النصح وربما يكون غير مناسب.
- مراعاة أن يتذوق الابن أكثر من نوع واحد من الحب كالحب الوالدي وحب الإخوة والأعمام والأخوال وحب الجد والجدة، فكلما اتسعت دائرة الحب بعد الابن أو الابنة عن الحرمان العاطفي والميول الشاذة لتعويض ذلك من مصادر خارجية.
- خلق حالة من الاسترخاء لتبادل المشاعر الإيجابية بين الآباء والأبناء، كأن يكون هناك ساعة سمر يوميا يتم التحدث فيها بشكل مريح تلقائي وعفوي ويعبر كل فرد عن نفسه بدون محاذير كثيرة أو مخاوف.
- أن تكون هناك نظرات ودودة وضحكات صاخبة ومزاح لطيف متبادل بين الأبناء والآباء.
- أن نعتاد الجلوس في مكان واحد في المنزل كغرفة المعيشة حتى نتفادى أن يكون كل فرد في غرفته الخاصة فيكتفي ذاتيا ويبتعد تدريجيا عن باقي الناس ويغرق في أدواته التي يعيش معها، فكل غرفة أصبحت تحتوي على تليفزيون وكاسيت وكمبيوتر مما يساعد على اختفاء كل شخص تقريبا عن الآخر وانغماسه في أدواته.
- الالتقاء حول الأكل مرتين في اليوم على الأقل وهذا مفتقد كثيرا حيث اعتدنا أن يأكل كل فرد من الأسرة وحده عندما يأتي من الخارج، ثم يذهب إلى غرفته في حالة من التفرد الغريب.
- الجلوس على مائدة الطعام لا يكون لمجرد تناول الطعام ولكن للحديث المشترك والتنفيس عن الأشياء المضغوطة لدى كل شخص من أفراد الأسرة وكذلك تبادل مشاعر المحبة، وبالتالي ينصح بتناول الطعام ببطء.
- في نهاية كل يوم يجلس الجميع للتحدث ومناقشة ما دار في يوم كل فرد من أفراد الأسرة أو مناقشة موضوع مشترك كمستقبل الأسرة مثلا، أو أين سنقضي الصيف هذا العام؟ أو أي مدرسة سيذهب إليها الأخ الأصغر؟… وهناك الكثير من المتعلقات التي تخص كل أسرة والتي هي بحاجة لتبادل النقاش حولها.
- استغلال نهاية الأسبوع لترتيب رحلة أو الذهاب لمكان ممتع ولطيف يتفق عليه جميع أفراد الأسرة وإن لم يتفق الجميع يكون بالتصويت أو عمل قرعة، بحيث يسود جو من المرح والسعادة.
- الاستمتاع بشيء جميل مع بعض كالذهاب لمعرض للفنون التشكيلية، أو قراءة قصيدة أو كتاب، أو مناقشة مثل شعبي، أو مشاهدة مباراة كرة قدم أو أي شيء آخر يفضله أفراد الأسرة الواحدة.
- هناك بعض الممارسات الروحية المفيد إنجازها داخل الأسرة بشكل جماعي كصلاة بعض الفروض جماعة، أو صلاة التراويح، أو قراءة ورد ثابت من القرآن أو الأذكار، فهذا يعطي إشباعا روحيا جماعيا مفيدا.
- من الممكن إذا كانت الظروف المادية مواتية أن نذهب في رحلة حج مع الأبناء أو أحدهم على الأقل، مع وعد الآخرين بتكرار التجربة معهم.
كتبت: ليلى حلاوة
لديّ مقترحات أُخرى لتقرأها أيضًا: