قد يبدو غريبًا للبعض أن نتحدث عن حاسة السمع لدى الثعابين، خاصة وأن رؤوسها تخلو تمامًا من أي مظهر يوحي بوجود أذن. فلا فتحات واضحة، ولا صيوان خارجي كما هو الحال في معظم الكائنات الحية. لذلك، يعتقد الكثيرون أن الثعابين لا تسمع، وهذا الاعتقاد كان سائدًا حتى في الأوساط العلمية لقرون عديدة. ولكن الحقيقة مختلفة تمامًا.
الثعابين تستجيب للأصوات!
على الرغم من غياب الأذن الخارجية، إلا أن الثعابين تُبدي استجابة واضحة للأصوات. فإذا أحدثت صوتًا عاليًا قرب ثعبان، أو إذا طرقت بشدة على الأرض بجواره، فإنك ستلاحظ أنه ينتبه ويتفاعل. بل إننا نرى في عروض الشوارع، خاصة في الهند وبعض دول شرق آسيا، كيف تتحرك الأفاعي وكأنها “ترقص” على أنغام المزمار، فما الذي يحدث فعلاً؟
الفرق بين أذن الإنسان وأذن الثعبان
لفهم ذلك، دعونا أولًا نستعرض تركيب الأذن لدى الإنسان. تتكون الأذن البشرية من ثلاثة أجزاء رئيسية: الأذن الخارجية، والأذن الوسطى، والأذن الداخلية. تبدأ الموجات الصوتية بالدخول عبر الأذن الخارجية، ثم تمر عبر الأذن الوسطى حيث تُنقل بواسطة عظام صغيرة إلى الأذن الداخلية، وهناك تُحوّل إلى إشارات عصبية تُرسل إلى الدماغ ليُترجمها إلى أصوات.
أما في حالة الثعابين، فالأمر مختلف تمامًا. إذ تمتلك الثعابين أذنًا داخلية فقط، دون أي أثر للأذن الخارجية أو الوسطى. لذلك، فهي لا تعتمد على الهواء في استقبال الموجات الصوتية، بل تعتمد على أسلوب مختلف تمامًا.
أيضًا؛ هل تعلَم ⇐ كيف تُغيّر الحرباء لونها؟ وهل فعلاً تكتسب لون البيئة المحيطة بها؟
كيف تستقبل الثعابين الأصوات؟
بدلًا من الأذن الخارجية، ترتبط الأذن الداخلية للثعبان بعظام الفك السفلي، والتي بدورها تكون على تلامس مباشر مع الأرض. ومن خلال هذا الاتصال، تنتقل الاهتزازات الناتجة عن الأصوات والأنشطة المحيطة إلى جسم الثعبان، وتنتقل عبر هيكله العظمي إلى الأذن الداخلية، ومنها إلى الدماغ.
وبالتالي، يمكن القول إن الثعبان “يسمع” من خلال جسمه بالكامل، نظرًا لأن العظام التي تنقل الاهتزازات منتشرة في كل أرجاء جسده، وهو ما يتيح له قدرة مذهلة على استشعار الاهتزازات في الأرض، سواء كانت في الرمال أو الصخور أو غيرها.
دقة السمع لدى الثعابين
رغم بساطة تركيب أذن الثعبان مقارنة بالإنسان، إلا أن حاسة السمع لديه قوية بشكل مثير للدهشة. فالثعابين قادرة على استشعار أي حركة قريبة منها حتى وإن كانت بعيدة نسبيًا، وتتمكن من تحديد مصدر الحركة بدقة عالية، مما يمنحها قدرة فريدة على اصطياد الفريسة أو تفادي الخطر.
وبالمناسبة؛ هل تعلم ⇐ لماذا نسمع صوت صفير عندما يكون المكان هادئًا؟
هل تسمع الثعابين الأصوات المحمولة في الهواء؟
من التساؤلات المهمة أيضًا: هل تقتصر قدرة الثعابين على سماع الذبذبات الأرضية فقط، أم أنها قادرة كذلك على سماع الأصوات التي تنتقل عبر الهواء كما نفعل نحن؟
بعض الدراسات أشارت إلى أن جلد الثعبان وأنسجته قد تكون قادرة أيضًا على استشعار الموجات المحمولة عبر الهواء، وإن كان ذلك بدرجة أقل كفاءة بكثير مقارنة باهتزازات الأرض. لذلك، تستطيع الثعابين سماع مجموعة محدودة جدًا من الترددات، عادة ما تكون بين 80 و160 هرتز، وهو نطاق ضيق مقارنة بالنطاق الذي يسمعه الإنسان (20 إلى 20,000 هرتز).
ولهذا السبب، شبّه بعض الباحثين سماع الثعبان لما يدور حوله كما لو أن شخصًا مغمورًا تحت الماء يحاول سماع من يناديه من فوق السطح. فالصوت يصل، لكن بشكل غير واضح ومشوش.
هل تتواصل الثعابين مع بعضها عن طريق الصوت؟
الأمر الغريب هو أن الثعابين لا تسمع حتى صوت “الفحيح” الذي تصدره. فمعظم أصوات الفحيح تخرج بترددات عالية تفوق نطاق سماعها، لذلك فهي لا تسمع بعضها البعض بوضوح. وهنا يبرز تساؤل آخر: كيف تتواصل الثعابين مع بعضها إذًا؟
الواقع أن الثعابين لا تعتمد على الصوت للتواصل، بل تستشعر ما حولها من خلال ملامسة الأرض، بالإضافة إلى استخدامها لحاسة الشم القوية واللسان الذي يلتقط الجزيئات الكيميائية من الهواء.
أما صوت الفحيح، فليس وسيلة للتخاطب، بل أداة دفاعية تهدف إلى إخافة المفترسين مثل الطيور وبعض الثدييات.
الحقيقة وراء “رقص” الأفعى على أنغام المزمار
نعود الآن إلى أحد المشاهد الأشهر: الرجل الذي يجلس في عرض شارع، وينفخ في مزمار بينما تخرج الأفعى من السلة وتتمايل أمامه كما لو كانت “ترقص” على اللحن.
في الواقع، الموسيقى لا تؤثر في الأفعى إطلاقًا، خاصة أن صوت المزمار غالبًا ما يكون في ترددات مرتفعة لا تلتقطها أذن الثعبان. الهدف من الموسيقى هنا هو إبهار الجمهور فقط، وليس لتحفيز الأفعى.
فما الذي يجعل الأفعى تتحرك إذًا؟
إذا دققت النظر، ستلاحظ أن الرجل العازف يحرك جسمه ويديه والمزمار نفسه أثناء العزف، بشكل ملحوظ أمام الثعبان. هذه الحركات هي التي تجذب انتباه الأفعى، التي تراقب بدقة وتتحرك كرد فعل لهذه الإشارات البصرية. ويُدرّب الثعبان على الاستجابة لهذه الحركات، مما يجعله يبدو وكأنه يرقص على الموسيقى.
ولو أن العازف اختبأ خلف شجرة وبدأ يعزف، فلن تتحرك الأفعى على الإطلاق. بينما لو وقف شخص ما أمامها وبدأ في تحريك يديه يمينًا ويسارًا دون إصدار أي صوت، ستبدأ الأفعى في التمايل معه.
كذلك؛ هل تعلَم ⇐ كيف يرى الخفاش أثناء الطيران؟ وهل هو فعلاً كائن أعمى؟
ختامًا
رغم أن الثعابين لا تملك آذانًا بالمعنى التقليدي، إلا أنها تسمع، بل وتملك نظامًا فريدًا ودقيقًا يجعلها واحدة من أكثر الكائنات قدرة على التقاط الاهتزازات وتحليلها. فهي تسمع الأرض أكثر مما تسمع الهواء، وتراقب أكثر مما تصغي، لكن النتيجة في النهاية مذهلة: حاسة سمع مميزة تساعدها على البقاء، والصيد، وحتى الخداع أحيانًا، في عالمها الصامت والدقيق.