نتعرض جميعا لمضايقات في العمل من الزملاء أو الرؤساء ونطلق عليها “أسافين”، وأحيانا تتطور لتصل إلى حد السخافات وتصل إلى الذروة لتصبح “أذى”، والبعض ينجح في تفادي صواريخ الأذى العابرة للقارات لكن ليس بشكل كامل فيحصل على جانب من الحب والبعض الآخر يصبح “حصّالة” للمضايقات والأسافين.
أحد هؤلاء المعرضين لسهام المضايقات وصواريخ الأذى كان يعمل في بنك حصل على وظيفته فيه بمجهوده دون واسطة وهو ما جعله هدفا لعمليات “التفخيخ” داخل إدارته.. ففي بداية عمله لم يكن على مزاج وهوى مدير إدارته بدون سبب واضح وشعر بذلك فحاول التودد إلى مديره لكن كل محاولاته باءت بالفشل بل على العكس بدأ مديره يترصده ليضايقه ويذيقه– بحكم خبرته– من ألوان التعنت والسخافة ما لا يطيق لدرجة أن طلب منه أن تنحصر مهمته في الإدارة يوميا في تجهيز الطابعات وماكينة التصوير بالورق الأبيض بحجة عدم تعطيل العمل بالإضافة إلى تجهيز الدباسات بالدبابيس ووضع أوراق العملاء في ملفات جديدة وترتيبها في الدواليب بحجة تجهيز نسخة ورقية موازية من بيانات العملاء وملفاتهم بجانب الموجودة على الكمبيوتر.
وشعر الموظف بالضيق يوما بعد يوم من تعسف مديره وفكر كثيرا في حل لمشكلته وقرر أن يشكو مديره إلى مسئول أعلى وعندما همّ بالتنفيذ خاف من المزيد من التعسف، خاصة وأن مديره محترف في عمله وجميع العاملين في البنك يشهدون له بالكفاءة وإدارته لم تنجز عملا به خطأ منذ تولي المدير مهمة الإشراف عليها، وفكر الموظف في حل آخر قد يستنفد طاقته ولكن ليس أمامه سواه وهو أن يصبر لعل المدير يرحل إلى منصب أعلى في يوم من الأيام أو لعله يرضى عنه، واستمر في عمله عامين إلى أن رُقي المدير ونقل إلى مكان آخر وجاء مدير آخر من نفس الإدارة كان وكيلا لها وكان على علم تام بما يتعرض له الموظف فتحسن الحال وبدأ الموظف في ممارسة عمله كمحاسب وكان نهما للعمل ويريد أن يعرف كل كبيرة وصغيرة في الإدارة وبدأ المدير الجديد في الاعتماد عليه وكان معجبا بتحمسه للعمل.
ولكن الموظف لم يسلم من الأذى فزملاؤه شعروا بالغيرة منه وبدأوا يدقون الأسافين بينه وبين المدير الجديد ولكن محاولاتهم باءت بالفشل وكان في الإدارة موظف آخر معروف عنه الأذى وقام هذا الموظف في أحد الأيام بإخفاء أحد ملفات العملاء التي كانت عهدة صاحب القصة، وأدرك الموظف بعد اختفاء الملف أن وراءه الموظف المؤذي ففكر كيف يفلت من أذاه واهتدى إلى فكرة أن يدعوه على الغداء في أحد الفنادق المشهورة ليخطب وده، واستغرب الموظف الآخر من فكرة “العزومة” لكنه قبلها وفى اليوم التالي ظهر الملف وحلت المشكلة.
ولم يسلم الموظف من الأذى حتى بعد مرور سنوات عندما تمت ترقيته ليصبح مديرا لإدارة أخرى لا يتقن جميع أعمالها، وحاول معرفة كل ما يقوم به مرءوسيه لكن بعضهم –من ذوي النفوس المريضة– لم يطلعه على خبيئة عمله وكل تفاصيله بحجة أنها أعمال بسيطة لا يجب أن ينشغل المدير بها، وبعد عدة أشهر شعر أن مباشرته للعمل منقوصة وأن تقييم رؤسائه له في أيدي بعض مرءوسيه فأمضى الليالي في التفكير في وسيلة للخروج من الأزمة وإحكام سيطرته على الإدارة عن طريق فهم كل تفاصيل العمل، وتفتق ذهنه عن حيلة تتسم بقدر كبير من الدهاء فاجتمع مع إدارته ليخبرهم أنه اتخذ قرارا بنقل كل العاملين من أقسامهم إلى أقسام أخرى داخل نفس الإدارة أي تبديل أماكن عملهم فنظروا إلى بعضهم البعض ولم يفهموا المقصود من القرار.
وفي اليوم المحدد لاستلام كل موظف في الإدارة مهام عمل زميله وتسليمه العمل الذي يقوم به طلب المدير عقد اجتماعات ثنائية بين المتبادلين بحضوره للقيام بعملية التبادل، وبمجرد عقد أول اجتماع طلب من الزميلين أن يقوم كل واحد منهما بشرح كل تفاصيل عمله لزميله وهو يستمع، وبعد أن انتهى الاجتماع طلب من كل منهما أن يكتب تفصيليا محضرا بما تم في الاجتماع وتسليمه له شخصيا، وفي مساء كل يوم كان يجلس في منزله لقراءة ومذاكرة كل تفاصيل سير العمل وبعد أسبوع أصبح على دراية بكل ما يجري في الإدارة وبالتفاصيل الدقيقة وحل الأزمة.
كل إنسان يتعرض لمضايقات ومكائد في عمله وبدلا من الانغماس في مشكلات العمل يمكن التعامل معها بشيء من الهدوء عن طريق الإعداد المسبق والدراية الكاملة بكل تفاصيل العمل وباستخدام العقل وشيء من الذكاء للتعامل مع الزملاء والرؤساء الذين تجري في دمائهم الدسائس والمكائد للآخرين والتعامل مع ما يحدث باعتباره جولة أولى في “الجيم” والتخطيط للانتصار في الجولات التالية للفوز في نهاية “الجيم”.
بقلم: محمد صلاح أحمد