كيف تتعامل مع شخص يقلل من قيمتك؟ يظل هو السؤال المُلِح الذي يسأله كل شخص لنفسه في مرحلة ما من مراحل حياته، وذلك لأننا مهما كنا محظوظين وموفقين في هذه الحياة فلا بد أن نتعثر في أشخاص يحملون لنا شيئاً من مشاعر الكره أو الحسد أو الغيرة، ويسعون بقصد أو بدون قصد إلى إحباطنا والتقليل من شأننا ومحاولة جذبنا للخلف، ولا عجب فإن هذا درباً من الكبد المقدر لنا في هذه الحياة، فالله جل وعلا يقول في كتابه: وجعلنا بعضكم لبعض فتنة.
وهنا سينصب حديثنا في هذا المقال عن أفضل طريقة يمكن أن يتعامل بها الإنسان مع شخص يسعى إلى التقليل منه ويحاول تجريده من مميزاته واشعاره بالنقص أو الدونية، فتابعوا مقالنا حتى نهايته.
لماذا هذا الشخص في حياتنا؟
قد يكون الإنسان لطيفاً وطيباً ومسالماً، وقد يكون حريصاً على نفع غيره محباً للخير، وصاحب فضل على من حوله، لا يحقد ولا يحسد ولا يحمل في قلبه سوءا لأحد ومع ذلك يعاني من وجود من يتربص به ويلتمس زلاته ويتتبع عيوبه وأخطائه، وينتظر سقوطه ويسلط الضوء على نقائصه.
والأسوأ من ذلك أن يكون هذا الشخص من عائلته أو أصدقائه أو من تربطه بهم صلة رحم أو قرابة أو جيرة أو غيره من العلاقات الإنسانية التي من المفترض أن تبني على الود والمحبة.
وقد يتسائل البعض ما تفسير هذا؟ ولماذا يوجد في حياة كل منا انسان كاره وغير محب؟
والإجابة أن الله خلق الناس متفاوتون ومختلفون في طباعهم، وأفكارهم ويستحيل أن تتطابق أفكارهم أو تتفق ميولهم، غير أن هناك قاسم مشترك بينهم لا يكاد يخرج عنه انسان وقاعدة لا يشذ عنها إلا ما ندر، وهو أن الإنسان لا يحب أن يكون هناك من هو أفضل منه، على أي مستوى من المستويات، فيزعجه رؤية من هو أكثر منه ثراءً أو أعز منه جاهاً أو أكثر منه علماً أو أحسن منه خلقاً وهكذا.
على الرغم من أن هذا أمر طبيعي وفطري جبل عليه الناس إلا أن بعضهم توجد لديه هذه السمة بصورة زائدة عن الحد الطبيعي، فيدفعه هذا إلى التقليل من الآخرين ومحاولة تشويههم.
السبب الثاني أنه لا يوجد انسان على وجه الأرض يجتمع الناس على حبه وتأييده، فالأنبياء والرسل وهم أكرم الخلق وأتقاهم وأنقاهم وأشرفهم كانوا يعانون من وجود الحاقدين والناقمين والساخرين، بل إن الله جل في علاه لم يسلم من البشر واتهاماتهم ونقدهم فنسبوا له صاحبة وولداً!
وهذا كله يضع يدنا على حقيقة واقعة وهي أن كره الآخرين أو انتقاداتهم لشخص ما أو سخريتهم منه لا تعني دائماً أن العيب فيه أو أن الخلل في شخصه أو مظهره أو طباعه، ولعل تأصيل هذا المبدأ سوف يفيدنا كثيراً في معرفة الطريقة المثلى للتعامل مع انتقاص أحدهم أو محاولته للتقليل من شأن الآخر.
واقرأ هنا عن: معنى الخصوصية الشخصية
خطوات ونصائح التعامل مع شخص يقلل من قيمتك
إن التعامل السليم مع من يقلل من شأنك يحتاج إلى خبرة وذكاء وسرعة بديهة، وهذا لا يتأتى إلا مع كثرة المواقف وتكرار التجارب المماثلة، وهنا سوف نسوق قائمة نصائح ذهبية للتعامل مع من يقلل من قيمتك تكفل لك رد الاعتبار ووضع حدود لتجاوز الآخر، بل وتمكنك من تحويل الموقف برمته لصالحك، فإليك أبرز تلك النصائح:
تعرف على نفسك
قبل أن تبحث عن رد الفعل المناسب لمحاولات التقليل من شأنك عليك أولاً أن تتعرف على نفسك جيداً، وأن تقيمها بصدق وموضوعية.
يمكنك أن تحضر ورقة وقلم وتكتب قائمة المميزات التي تراها في نفسك، والصفات التي تشعرك بالرضا عن نفسك، وقائمة أخرى تكتب فيها عيوبك والصفات التي تجعلك غير راض عن نفسك، على أي مستوى من المستويات.
يمكنك أن تستعين بآراء المقربين منك ممن تثق في أمانتهم وصدق نصحهم لك ومحبتهم، لتتعرف على عيوبك ومميزاتك في عيون الآخرين.
لا تتخيل كيف يمكن لتلك الخطوة أن تساعدك في تحقيق نقلة نوعية حقيقة وإيجابية في حياتك، فقط لو كنت صادقاً مع نفسك وموضوعياً في ما تكتبه!
تقبَّل نقاط ضعفك وقومها
بتنفيذ الخطوة السابقة تستطيع رصد نقاط الضعف في شخصيتك أو سلوكياتك أو مظهرك أو حتى سماتك الخلقية التي لا يد لك في اختيارها.
الخطوة التالية أن تقسم نقاط ضعفك إلى قسمين، أحدهما ما يقبل التغيير وما يرجع إلى إرادتك واختيارك، وثانيهما ما لا يقبل التغيير وما هو خارج عن حدود إرادتك.
أما ما يمكنك تغييره أو تطويره فلتبدأ فوراً في وضع خطة مناسبة وواقعية لتحقيق ذلك، ولتتخذ خطوات جادة، واعلم أن كل خطوة تتخذها في طريقك نحو تحقيق الأفضل سوف تمنحك الثقة والرضا عن ذاتك، وتجعلك أكثر حباً وتقديراً لها.
أما ما لا يمكنك تغييره فتعلم كيف تتقبله بصدر رحب، دون أن تشعر بالدونية أو النقصان فالله جل وعلا خلق الناس متفاوتين في القدرات والابتلاءات أيضاً، ليمتحن صبرهم ورضاهم، فكن من الراضين عن الله والراضين بجميع قضاءه وقدره.
اعرف نقاط قوتك وعززها
اسع إلى تعزيز نقاط تميزك وقوتك، وتعلم ما يكسبك مزيداً من الثقة والرضا عن نفسك، فهذا كله يمنحك مناعة ضد الإحباط والتأثر بمحاولات الآخرين للتقليل من قدرك.
لا تقيم نفسك بناءً على تقييم الآخرين لك
لا تسمح لأحكام الغير ونقدهم أن يؤثر على احترامك لذاتك أو تقديرك لها، ولا تشعر من ينتقدك بأنه نجح في استفزازك أو أثر على ثقتك بنفسك.
كن مستعد للرد على التعليقات السلبية
احترم من يحترمك ولكن كن مستعداً للرد على انتقاد أو استفزاز من يسعى لاستفزازك، جهز ردوداً عامة وفضفاضة لكنها حازمة مثل الرد بعبارة “هذا أمر لا يعنيك” أو عبارة “يمكنك الاحتفاظ برأيك لنفسك”.
لا تشعر بالخجل ولا تترك أحدهم يتمادى في إهانتك أمام الآخرين
تحدث بنبرة حادة وحاسمة ولا تسمح بمزيد من التجاوز.
وهنا تتعرَّف على: صفات الشخص الخبيث وكيف نتعامل معه
تعلم فن الرد الصامت
بعض الشخصيات تحب إثارة غضبك وتستمتع برؤيتك منفعلاً، وتحاول دفعك للثورة والردود الفجة غير اللائقة، لتثبت للآخرين أنك بالفعل كما يقولون، هؤلاء يناسبهم الرد الصامت بنظرة حادة أو حركة امتعاض تشعرهم أنهم لا شيء.
تعلم فن التجاهل
بينما يتطلب الموقف بعض الردود الحاسمة والكلمات القاسية لإيقاف الشخص المتنمر عند حده، فإن التجاهل التام مع الثبات الإنفعالي وإظهار اللامبالاة يكون خياراً مناسباً جداً للبعض، حيث يشعرهم بعدم الأهمية وأن محاولاتهم للتقليل منك نالت منهم قبل أن تنال منك.
ثِق بنفسك
الثقة بالنفس هي المصدر الذي يعزز مناعتك، ويجعلك قادراً على تجاوز الاحباطات ومحاولات التقليل منك، حين تأتي من شخص يسعى لتحطيمك، أو يحاول إعاقة نجاحك وعرقلة سيرك نحو التميز.
الثقة بالنفس تجعلك قادراً على وضع حدود لكل من يسيء إليك، أو يتجاوز حدود الاحترام معك، وهي أيضاً ما تجبر الناس على تقديرك.
ابحث عن مزاياك وتقبل نفسك ولا تشعر بالنقص أو الدونية مهما كان وضعك، واعلم أن كونك انسان فمجرد انسانيتك تعطيك الحق في الاحترام.
تعلم الصَدّ وحُسن الرَّد
لا يتمادى الأشخاص ومن يسعون إلى التقليل من شأن الآخرين في إيذائهم إلا مع من لا يجيد صدهم، ولا يجرؤ على إحراجهم، ولا يعرف كيف يستخدم الردود المناسبة معهم.
لذلك يجب أن تثور وتعلن غضبك ورفضك لأي تجاوز، فهذا يجبرهم على الكف عن سلوكهم، ويجعل الآخرين يفكرون ألف مرة قبل أن يصدرون أي تعليقات سلبية ضدك.
ما رأيك أن تقرأ أيضًا: كلام عن عزة النفس وقوة الشخصية والكبرياء
ماذا تفعل حين يقلل من شأنك صديق أو زميل عمل؟
حين تصدر محاولات التقليل من شأنك من صديق أو زميل عمل أو نحوه، فإن الأمر يكون هيناً ويسهل التعامل معه.
حاول أن تعرف دوافع الشخص الذي يقلل من قيمتك
فالكثير من الأشخاص من الأشخاص يتوقفون عن سلوكياتهم الخاطئة إذا واجهتهم بهذا، وسألتهم بشكل مباشر عما يدفعهم إلى ذلك، أو سؤالهم عما يزعجهم؟
فلا بأس بالقيام بتلك الخطوة لفهم المشكلة بصورة أوضح والتعامل بناءً على ذلك.
حيث يكون بامكانك تحجيم علاقتك بهذا الشخص، وتقليل الاحتكاك به والابتعاد عنه، بل وقطع علاقتك به تماماً لو تمادى في الأمر، والتعامل معه بلا مبالاة.
ماذا تفعل حين يقلل من شأنك شخص مقرب من أفراد أسرتك؟
حين يصدر هذا الأمر من أحد الأبوين أو الإخوة أو شريك الحياة، فإنه يكون أشد قسوةً وأكثر ازعاجاً، لأنك لا تملك خيار الابتعاد عن هذا الشخص أو قطع علاقتك به.
في هذه الحالة لا مفر من النقاش الواضح والمباشر والذي يحمل مشاعر الود والعتاب الخفيف، سَله: لماذا يفعل ذلك، واعرف ما الذي يضايقه منك ولماذا يتحامل عليك.
حاول إصلاح علاقتك به وتجنب مواطن الخلل فربما تتصرف بطريقة ما تثير غيرته أو تسبب له ألماً نفسياً يدفعه لهذا السلوك.
في حال لم يتغير هذا الوضع وأصر الطرف الآخر على التقليل منك أمام الآخرين، فتحلى بالصمت وتجاهل كلماته السلبية ولا تسمح لها أن تؤثر فيك، وأخبره أن رأيه لا يعنيك!
وهنا تتعرَّف على: الشخصية الانتقادية: صفاتها وكيفية التعامل معها
أقوال عَمَّن يقلل من قيمتك
هناك بعض العبارات والكلمات التحفيزية التي يمكن إن تساعد أي شخص في تجاوز التنمر أو محاولات التقليل من قيمته، وتعزز ثقته بنفسه و استغنائه عن الآخرين ومن بينها:
- رأيك في لا يدل علي.
- من لا يقود منطقه الحب والنصح الصادق، فكلماته تمر كما يمر ضجيج الزحام على مسامعي.
- من لا يدرك قيمتك من تلقاء نفسه لا يستحق أن تبرر له تصرفاتك أو تشرح له دوافعك.
- الصمت والثبات يجعل محاولات النيل منك تبوء بالفشل الذريع.
عبارات عن التعامل مع من يقلل من قدرك أو يسخر منك
ولا زلنا نصيغ العبارات التي تعزز قيمة احترام الإنسان لأخيه الإنسان وتناهض فكرة التقليل أو السخرية أو محاولات الهدم والتدمير النفسي التي ينتهجها بعض الأشخاص تجاه الآخرين، مع التأكيد على أن الأمر في النهاية مرهون بردة افعالهم، فهي التي تقرر استمرار سيناريو التشويه أو توقفه فورا!
- أنت لست مجبراً على مدحي ولكن لا أسمح لكم بذمي.
- أنت حر في مشاعرك ولكن لست حر في تعاملك.
- من يقدر قيمتك يستحق منك الاهتمام، ومن لا يعرف قيمتك لا يستحق مجرد الكلام.
- من يستمد قيمته من تصفيق الآخرين، يسقط حين تمطره الانتقادات.
واقرأ هنا: عوامل تكوّن الشخصية الضعيفة ودور البيئة في ظهورها
وفي الختام؛ نكون قد انتهينا من الحديث عن أفضل طريقة للتعامل مع شخص يقلل من قيمتك أو يمارس عليك أي صورة من صور الضغط النفسي والاستفزاز بقصد إضعاف ثقتك بنفسك، أو إظهارك بمظهر غير لائق بك، وكيف يجب أن تتصرف لإيقاف محاولاته في بدايتها حتى لا يستفحل الأثر النفسي السيئ الذي يترتب على ذلك، دمتم ودام التقدير والاحترام حظكم ممن تحبون.