يحمل الماضي في طاياته آلامنا وأمالنا، جروح الطفولة، وأحلام المراهقة، ويخط فينا علامات قد تبقى مؤلمة طوال الحياة، وقد تتحول إلى آثار الشفاء وولادة جديدة.
إلى أي مدى يعتبر الماضي محور حياتنا، وهل يمكن أن نتحرر منه كلياً؟
تقول الدكتورة “ستيفاني غانم” اختصاصية في علم النفس العيادي: أن الماضي هو المحور الأساسي لحياتنا؛ فالماضي هو الأساس الذي به نستطيع أن نكون شخصيتنا، تفكيرنا، نظرتنا للأمور، وحتى طريقة شعورنا.
وتؤكد الدكتورة “ستيفاني” أن الحل الوحيد للتحرر من الماضي هو التصالح معه، ومن ثم بناء شخصية جديدة تناسب معتقداتنا الجديدة، بعض النظر عن الماضي وما ترسب فينا منه. كما يجب أن نسامح أنفسنا على أي خطأ، وكذلك مسامحة الأشخاص الذين تسببوا في أذيتنا.
و لخلق أمل جديد بعد ماض مؤلم، سوف نتحدث عن “رندة شمس” ربة منزل لبنانية، والتي لديها ثلاثة أبناء، وقد تزوجت منذ حوالي خمسة عشر عاماً، ومن ثم تم الانفصال، وفي خلال سنوات زواجها الخمس تعرضت “رندة” إلى “العنف الزوجي“، والذي بسببه تأثرت نفسية ابنها الأكبر كثيراً؛ حيث ظهرت عليه أعراض نوبات ليلية من الصراخ. ولقد تصالحت “شمس” مع ماضيها عن طريق إنجازات كثيرة قد حققتها بعد الانفصال؛ حيث استطاعت أن تجد منزلاً حاضناً لها ولأبنائها، وكذلك قد وجدت عمل خاص لها، ذلك بالإضافة إلى مساعدتها لأبنائها في التحرر من أي مشاهد عنف لاصقة في اذهانهم، وذلك بعرضهم على اخصائي نفسي، وتؤكد “رندة” أنها راضية تماماً عما وصل له أبنائها سواء نفسياً أو دراسياً.
وتقول “رندة” أن السبب الرئيسي وراء تحررها من الماضي، هو تحررها من الخوف؛ فالحياة لا تكون أبداً بدون مجازفة.
ما الانطباع الأول الذي ممكن أن نصف به “رندة شمس”؟
تقول الدكتورة “ستيفاني” أن الانطباع الواضح كثيراً على “رندة” هو الانتصار؛ فقد عاشت ببيئة مليئة بالعنف الزوجي، مثل الكثير من السيدات اللواتي يفرض عليهم واقع أليم معين، ولكن منهم من يسكت ويرضى بالظلم، ويتخذ دور الضحية، ومنهم من ينتصر لنفسه أولاً ولأولاده ثانياً، وللأجيال القادمة كذلك مثل “رندة”.
وتعلق “رندة” على وصف الدكتورة “ستيفاني” لها بالمنتصرة، قائلة: أن جميعنا منتصر بالحياة، وكلنا نحصد ما نزرعه؛ فهي قد زرعت المحبة والعطاء بقلب أولادها، وكذلك جعلتهم متيقنين بوجود الخير بهذه الدنيا، كما أنها حاولت قدر الإمكان أن تصالحهم مع هذا الماضي، فاليوم يمارسون شتى أنواع الرياضة، وكذلك يحصلون على أعلى العلامات الدراسية.
مقومات علاج الأطفال في الطب النفسي
تقول الدكتورة “ستيفاني” أن الطفل الذي يتعرض لمثل هذه المشاكل الأسرية، غالباً ما يشعر أنه المذنب بهذه المشاكل، وكذلك يشعر بالتقصير تجاه الأم التي تتعرض لهذا الأذى النفسي والجسدي، وغالباً ما يصبح الطفل انطوائياً، فقد يزهد أو يرفض بمعنى آخر في تكوين أي صداقات جديدة، كذلك علامات الطفل في المدرسة تكون سيئة جداً؛ بسبب فقد الطفل في أغلب الأحيان إلى التركيز، وقد يلجأ الطفل في بعض الحالات إلى معاقبة نفسه، فقد يحاول الطفل في هذه الحالة أن يؤذي نفسه عمداً أو بدون قصد، وكذلك فقد يحاول الطفل التقرب والالتصاق بالأم في مثل هذه الحالات، فقد يوقظها ليلاً وينام بجانبها؛ كما ما كانت تفعل ابنة “رندة” الصغرى؛ ويرجع ذلك إلى افتقار الطفل إلى الشعور بالأمان.
وتوضح الدكتورة “ستيفاني” أن العلاج في مثل هذه الحالات يكون عن طريق أن تحاول الأم ألا تشوه صورة الأب بنظر الأبناء قدر الإمكان، فمهما كان الأب سيئ، لا يجب أن تشوه الأم صورته؛ حتى يتكون نفسية صحية سليمة لدى الابناء.
وتقول “رندة” معلقة على هذا الكلام: أنه ليس من دورها أبداً أن تجمل دور الأب إذا كان مشوه بالفعل، وأنه دورها يستدعي أن توضح لهم حقيقة الشخص السيء كأب وكذلك كيف يكون الأب صالحاً.