الحياة رحلة مهما طالت فهي قصيرة ومهما بدت صافية فهي كبد في جوهرها وامتحان في أصلها، والألفة بين القلوب تهون الرحلة وتعين على مشقاتها، لذا تحرص شريعتنا على تأليف القلوب وتقوية أواصر المحبة والإخاء وتعزيز قيم التعاون والمشاركة.
ومن ثم اخترنا الحديث في هذا المقال عن تأليف القلوب موضحين حرص الشريعة عليه وكيفية تحقيق الألفة بين الأهل والأصدقاء والزملاء وأي أفراد يجمعهم قاسم مشترك من عمل أو غيره.
نعمة تأليف القلوب
يقر الإسلام بأن التأليف بين القلوب نعمة من نعم الله وأنها فضل على الأمة، فبه تقوى شوكتها وتتوحد كلمتها، وفي معرض الحديث عن تلك النعمة يقول عز وجل في كتابه الكريم: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
فما هي الأمور التي تؤلف بين القلوب وتغرس نبت الحب بين المسلمين. لقد دلنا النبي –صلى الله عليه وسلم- على ما يجب على المسلم أن يفعله لتحقيق تلك الألفة، ومن ذلك ما يلي:
إلقاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف
إن السلام من سنن الإسلام وفضائله، وهو سلوك الأنبياء والصالحين، فإلقاء السلام يذهب وحشة القلوب، ويعزز مشاعر الطمأنينة والأمن وهو من الأمور التي تؤلف بين القلوب، وتذهب غيظها، لذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (أفشوا السلام بينكم تحابوا)، وليس ذلك فحسب بل إن القاء السلام داع من دواعي مغفرة الله عز وجل ورحمته ومما يدل على هذا المعنى قوله – صلى الله عليه وسلم-: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان، الا غفر لهما قبل أن يفترقا).
المشاركة في السراء والضراء
المجتمع الإسلامي مجتمع متضامن ومتماسك، أو هكذا يريد الله له أن يكون، يتشارك أفراده أفراحهم وأطراحهم، بحيث يجد المسلم في أخيه المسلم العون على النوائب والسند في الشدة، ولا يكتفى بمجرد المواساة بالكلمات أو العبارات الطيبة وإنما يجب أن يبذل ما في وسعه ليخفف عنه، وفي مناسبات الفرحة والنجاح يزيد المرء سعادة أن يجد من حوله من اخوانه يحيطون به ويهنئونه من قلوبهم ويفرحون لفرحه، فهذا يجعله يشعر بالأنس والصحبة والأمان، وبالرغم من أن واجب التزاور بين المسمين أصبح يدخل تحت تصنيف الواجبات الاجتماعية، إلا إنه في الواقع هو واجب ديني وإسلامي أصيل.
ولو تأملنا قول النبي صلى الله عليه وسلم فيصف العلاقة بين أبناء المجتمع الإسلامي السوي، كما يجب أن تكون: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).
زيارة المريض
المرض من أقسى الحالات التي يمر بها الإنسان، والتي يستشعر فيها الضعف والوجع والوحدة، ويكون فيها أحوج ما يكون إلى السؤال والاهتمام، والرحمة، وقد أوصى الإسلام بزيارة المريض وحث عليها لما فيها من مشاعر التعاطف والتراحم والامتنان الذي يشعر به المريض وأهل المريض، عند زيارته اخوانه وزملائه، والاثر الطيب الذي تتركه الزيارة حتى بعد مضي المحنة!
التهادي
التهادي هو تعبير راق جدا عن المحبة، ومحاولة ناجحة لإدخال السرور على قلب الشخص المتلقي للهدية، وهي تذهب أي مشاعر للغضب والضيق، ويمكنها أن تبدل مشاعر الغضب والحنق والعداء إلى محبة وأخوة، فالنفس جبلت على حب من أحسن إليها وكره من أساء إليها.
والدعوة إلى التهادي صريحة واضحة إذ يقول الحبيب المصطفى –عليه الصلاة وأزكى السلام-: (تهادوا تحابوا)، والهدية تجوز حتى لغير المسلم من باب تأليف القلوب.
البشاشة عند اللقاء
البشاشة في وجه المسلم لها في النفس ما لها من أثر، فهي تطمئنه وتشعره بالبهجة وتمنحه طاقة إيجابية رائعة، وتمهد الطريق لمد جسور التعاون والود بين الطرفين، وعكس هذا كله يحدث مع العبوس والتقطيب.
مد يد المساعدة للمسلم وإن لم يطلبها
المؤمن كالغيث أينما حل نفع، هكذا يوصف المؤمن، فمن كان متعاونا مبادرا، يعرض مساعدته ويستشعر احتياج من حوله ويقدره، فلا يبخل على أحد بمعونة أو مشورة أو حتى مال يستعين به على قضاء حاجة ملحة أو أمر ضروري.
وفي ذلك تعلمنا السنة النبوية أمرا بالغ الأهمية، وهو أن من يكن في عون أخيه يكن الله دائما في عونه، ولذلك كله أثر كبير في تأليف القلوب وكسب حب المسلمين ..أو حتى غير المسلمين!