متى تستلزم الغازات في البطن العلاج؟
قال “د. نادر حمودة” أخصائي الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي. تُعد الغازات في البطن من الأمور الطبيعية، لأنه أثناء تناول الطعام والشراب تدخل كمية من الهواء إلى المعدة بالقدر الذي لا تصل معه إلى الأمعاء الغليظة (المُصران)، وقد تُعَاوِد هذه الغازت الخروج عن طريق الفم بعملية التجشؤ (ما تُعرف بالعامية: التكرع)، وإلى هذا الحد لا يُشكل الأمر خطورة صحية أو مرضية على الإنسان، كما أنها غير مزعجة أو ذات أعراض جسمانية. لكن في بعض الحالات – والنفسية منها على الخصوص – يقوم الإنسان ببلع كميات كبيرة من الهواء دون أن يشعر، فتُصبح عملية التجشؤ متكررة بشكل مزعج.
وتحتوي الأمعاء الغليظة على حوالي خمسمائة نوع من البكتيريا (إذا قورن هذا العدد بعدد خلايا الجسم، فستُمثل هذه الخلايا تسعة أضعاف خلايا الجسم)، ويتواجد هذا العدد المَهُول من البكتيريا في الأمعاء الغليظة بتوازن دقيق بين البكتيريا النافعة والبكتيريا الضارة، أما عند إختلال هذا التوازن الدقيق وزيادة البكتيريا الضارة تصبح كمية الغازات في البطن أكثر (يمكن تحديد كمية البكتيريا الضارة ببعض الفحوصات المخبرية البسيطة، ومن ثم علاجها بالأدوية العادية للتخلص منها، ثم أدوية أخرى لزرع البكتيريا النافعة في الأمعاء الغليظة لزيادة عددها)، لأن مصدرها هو هذه البكتيريا، حيث أن بعض المواد لا تُهضم فتدخل للأمعاء الغليظة لتتعامل معها البكتيريا، ونتيجة لهذا التعامل تظهر الغازات.
وأبرز الغازات في البطن الناتجة من تعامل بكتيريا الأمعاء الغليظة مع بعض المواد الغذائية هي: الهيدروجين، والميثان، وثاني أكسيد الكربون، والكبريت في بعض الأحيان.
كما أن أبرز الأغذية المُسببة لتواجد الغازات في البطن وشدتها هي أنواع من السكريات مثل اللاكتوز ويتوافر بكثرة في الحليب، والفركتوز والسربتول.
فاللاكتوز لكي يُهضم يحتاج إلى إنزيم خاص يُسمى اللاكتيد، وهذا الإنزيم يقل تواجده في الجسم بمرور العمر، كذلك لا يوجد إنزيم اللاكتيد عند العديد من الشعوب العربية المقيمة في دول حوض البحر المتوسط والأرمن وشعوب أمريكا الشمالية. لذا تعاني هذه الشعوب من الإنتفاخ عند شرب الحليب، على عكس الأوربيين الذين يتواجد هذا الإنزيم في معدتهم بكثرة، لذا لا يواجهون أي مشكلة مع الحليب.
أما السربتول فهو نوع من المُحلِيات الذي يدخل في العديد من المشروبات الغازية والعصائر المُصنعة، وهو من المواد الغير قابلة للهضم.
والفركتوز وهو شراب الذرة الداخل في العديد من الصناعات الغذائية، وهو من مُسببات الغازات أيضًا لصعوبة هضمه.
وتتوقف حدة الغازات المزعجة في البطن على كمية البكتيريا التي تصدر كميات كبيرة من الغازات المذكورة سابقًا، كما يلعب العامل الوراثي دورًا هامًا في وجود هذه البكتيريا وكمياتها في الأمعاء الغليظة. أيضًا تتوقف حدة الغازات في البطن على طريقة التعامل معها، أو على التاريخ المرضي مع الجهاز الهضمي، فأصحاب القولون العصبي على سبيل المثال يعانون كثيرًا حتى وإن كانت كمية الغازات في البطن قليلة جدًا.
هل تؤثر الغازات سلبًا على صحة الجهاز الهضمي؟
تابع “د. حمودة” ينحصر الدور السلبي للغازات في البطن على مدى الإزعاج الذي تُسببه للشخص، إلا أنه لا ينتج عنها أبدًا أي خلل عضوي أو مرضي لأي جهاز من أجهزة الجسم. وإن إنطبق هذا الكلام على الغازات الناتجة عن العناصر الغذائية الغير قابلة للإمتصاص، وبالتالي دخلت إلى الأمعاء الغليظة لتتعامل معها البكتيريا سالفة الذكر.
أما الغازات في البطن المستلزمة للتدخل الطبي تلك الناتجة عن مرض ما بالجهاز الهضمي، مثل وجود خلل في إفراز الحامض المسئول عن عملية الهضم بالمعدة، الأمر الذي يؤثر على كفاءة عملية الهضم وبلوغ مراحل من التعفن، وقد يحدث خلل إفراز الحامض نتيجة للتقدم في العمر وموت الخلايا المُفرزة له. وقد يكون بسبب تناول أدوية لها أثر في خفض معدلات إفراز الحامض في المعدة.
وقد تكون الغازات في البطن ناتجة من هبوط في إفراز عصارة البنكرياس، لأن هذه العصارة كما أن لها دور في إفراز الأنسولين، إلا أنه لها يد طولى في عملية الهضم لإحتوائها على الإنزيمات الضرورية للهضم.
والخلاصة إذا كانت الغازات مُصاحبة لمرض ما بالجهاز الهضمي يؤثر في إتمام عمليات الهضم أو يقلل من كفاءتها، لزم لهذا المرض علاج طبي، وعودة الأمور لنصابها الطبيعي للتخلص من الغازات المزعجة، لأن الغازات هنا إحدى أعراض المرض، وعادةً ما يُصاحبها أعراض أخرى.
ما أبرز النصائح الطبية لتجنب الشعور بالإنتفاخ والغازات؟
أوضح “د. حمودة” إذا واجه الإنسان مشكلة مع الحليب وهضمه وإمتصاصه يُستحسن إستبداله وتجنبه، لدرء الشعور بالإنتفاخ وإزعاج الغازات. وبشكل عام ستخرج الغازات من البطن (الناتجة عن الأغذية) عن طريق الشرج بعد فترة زمنية دون عناء. ورغم وجود الأدوية المُناهضة للإنتفاخ والتي تُكَسِّر الفقاعات الهوائية الكبيرة من الغازات إلى فقاعات صغيرة لتسهيل خروجها، إلا أنه لا يُنصح بالإعتماد عليها كثيرًا.
أما الغازات التي تكون عَرَض لمرض بالجهاز الهضمي وخلل الإمتصاص والهضم فتحتاج إلى علاج المرض، كما سبق وأن أشرنا. والأصل هو التفريق بين الغازات الناجمة عن الأغذية، والغازات الناجمة عن الأمراض الأخرى.