إذا أردت أن تستفيد من شهر رمضان فأحسن الغِراس في رجب، ثم اسقه في شعبان، ثم اجنِ الثمار في رمضان. أصحابُ محمد عليه الصلاة والسلام كانوا يستقبلون رمضان بأشهرٍ عديدة، لكن “بن رجب” يقول إن شهر رجب شهر البذر. ولذلك كانوا يستعدون لرمضان من أشهر، وخاصّة من شهر رجب.
أعمال شهر رجب وشعبان
أول عملٍ في شهر رجب في شهر رجب ألا تظلم فيه نفسك، فهو شهرٌ حرام تُعظَّم فيه الآثام.
ليس فيه عبادةٌ خاصة، فليس في رجب صيام ولا صلاةُ الرغائب. ليس في رجب من الأعمال إلا أنت تُنقي قلبك، وأن تُقبل إلى ربك، وأن تُحسِن في عبادته وأن تبتعد عن الحرام. “فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ” ~ سورة التوبة – الآية ٣٦.
ولذلك، ذنوب رجب تطفئ جذوة الإيمان في رمضان، وتجعل العبد يتململ في رمضان.
لاحظ، من هو أخشع شخص سيدخل في الصلاة الآن؟ هو الذي استعد لها يوم أن دخل أو استعد لها قبل دخول الوقت. توضأ وأحسن الوضوء ولبس أحسن ثوبه، ثم مشى إليها، وأتى خاشعًا، ولمعه السواك، وسمى، واستعاذ، وبكَّر، وصلى على ميامن الصفوف، ثم صلى ركعتين، ثم بعد ذلك استعدَّ للصلاة.. صلاته خاشعة.
أما الذي يأتي إليها يهرول، ويأتي وما قام للصلاة إلا بعد أن سمع تكبيرة الإحرام. هذا مستوى الخشوع في قلبه ناقِص.
- فالعمل الأول في رجب هو أن نبتعد عن الكبائر.
- والثاني أن ننظِّف القلب من حشائش الشيطان، والنباتات الفاسدة التي يزرعها الشيطان في قلوب بعضنا.
فبعضنا مُدمِنٌ على كبيرة من كبائر الذنوب. فإياك أن يدخل هذا الشهر الحرام ولازلت على هذا الذنب.
والبعض لديه خيانة العين، في هاتفه المحمول له قصصٌ من المراوغات الشيطانية، رغد قلبه وأدمن النظر الحرام. هذه النظرات الخائنة في رجب ثم الاستمرار عليها في شعبان، يجعلك تصل إلى رمضان منهك.
ولذلك، إذا أراد أهلُ الخيل، أن يسابقوا بالخيل، فإنهم يضمرونها، ومعنى تضمير الخيل أن يجوعونها، ثم بعد ذلك يدربونها عسفًا حتى تقوى للسباق.
وكذلك فإن شهر رجب شهر تضمير الخيل والجياد للانطلاق إلى أبواب الجنان.
رجب شهر البذر
باب الجنة في رمضان يفتح، وأبواب النار تغلق. وبعضنا يدخل في رمضان وأبواب الجنان قد فُتِّحَت، ومع ذلك لا يدخل. يجلس يراوح عند باب الجنة، أمللت من الخير؟ مللت من العمل الصالح؟ تتلوا كتاب الله فلا تتلذّذ به.
وتجد بعضهم يقرأ في أول يوم خمسة أجزاء، أما والله لو قرأت الخمسة أجزاء في رجب، وقمت الليل في رجب، ولا زال إيمانك يستمر إلى شعبان، إذا دخل رمضان ستدخل وقد ألِفت الطاعة.
لذلك، يحتاج كلنا في رجب إلى تدريب العضلات الإيمانية، حتى إذا وصلت إلى رمضان، فإذا قيامُ الليل قد ألِفتهُ. إذا أتت العشر الأواخر فلتخلوا بربك معتكفًا منكسرًا، تهرُب من الدنيا.
لماذا الاعتكاف شاقٌ على بعضنا؟
أما لو كان يضمر جياده من رجب. فكان إذا صلى الفجر جلس حتى ترتفع الشمس. وإذا أتت ساعة الجمعة من العصر إلى المغرب وهو يدعو الله جل وعلا. ويبكر للصلوات، ويُبكر للجُمع، ويدخل صلاة الجمعة من السابعة والنصف.. فإذا وصل إلى رمضان فإذا هو يحتقر أعمال العام الماضي.
ولذلك، تقرأ عن بعض سير أهل العلم من سلف الأمة، تجد الذي يختم في كل ليلتين، أو في كل ثلاث. والذي يقومُ بالبقرة وآل عمران في ركعةٍ. لماذا لا نفعل فِعلهُم؟
نحنُ نحتاج أولا إلى الكفّ من الذنوب، ثم تدريب الإنسان على قيام الليل.
درِّب نفسك من الليلة، صل ركعة ثم زدها إلى ٣، ثم ٥، ثم ٧، ثم ٩.. إلى أن تصل إلى أحد عشر أو ثلاثة عشر. فإذا ألِفت هذه الصلاة، وكنت تقوم بالقرآن ومعك المصحف، وتختم في قيام الليل ختمة. فإذا أتى رمضان ستقول للإمام: ألا تُطيل القراءة؟
أترى وتسمع عن أولئك الذين “كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ”، أولئك الذين “تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ”. لو كنت معهم وتتقلب في تلك الليلة وأنت تناجي الله، لترى أن صلاة الإمام الذي يصلي بك في رمضان نقر. وأنك لا ترضى بهذه الصلاة والبعص يُصلي ثم يواصلُ مثنى مثنى الليل كله، ما ارتوى من قيام الليل، لأنه تعود عليه في رجب وفي شعبان.
الاستعداد لشهر رمضان
لا بد من عمل استعدادًا للقلب، أن نُعِد القلب لرفع الأعمال من الآن. حتى لا يصل رمضان إلا وقد أخرجت الغرماء، ومن كنت تخاصمهم أخرجتهم من قلبك. إنهم السجناء، الذين يمنعونك من رفع عملك.
بعضنا، رمضان الماضي ما رفع إلى الآن. والسبب قلبه، به غِلٌ على مؤمن، أو قطع مسلمًا، أو هجر أو قطع رحمًا.
أخرِج هذه الكبائر والسرطانات، وأوقِف نزيف الحسنات.
من اليوم صالحهم، اصفح عنهم، واستغفر لهم، وطهر قلبك. لأنك إذا أقبلت على رمضان بهذا القلب الذي امتلأ حُبًا للآثامِ أو غِلا على المؤمنين لرُبما ما استفدت من رمضان.
كيف نستقبل رمضان؟
وهو مدرسة يتخرج من الناس وقد أعتقوا من النار. يقول ﷺ “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه”. ومن قامَهُ كذلك، ومن تحرى ليلة القدر كذلك. هذه الأجور العظيمة بعضنا لا يتلذذ بها قلبه المريض.
هذا القلب الذي نحتاج من اليوم عمل صنفرة وغسيل عاجل حتى يبقى القلب طاهِرًا.
لأن بعضنا مسكين، يمر عليه رمضان بعد رمضان، ومواسم والعتق من النيران كل موسمٍ بعدهُ موسِم ولا زال أسير للأحقاد والضغائن. طَهِّر قلبك يا عبد الله، فأنت في شهرٍ حرام، فأنت في شهر البذر، وأنت في شهر الغِراس.
لو أن إنسانًا أراد أن يرى الناس وهم يبذرون، وما بذر. ويراهم وهم يسقون، وما سقى. ويراهم يوم أن جنوا، فتحسر! يا ليتني معهم. الموسم راح والبذر انتهى.
اللهم بلغنا رمضان
وهنا همسةٌ في أذنك يا عبد الله: كل الذين ماتوا قبل رمضان، ألم يكن من أمانيهم أن يبلغوا رمضان؟ وكم من إنسان معنا الآن وما كُتب له أن يدرك رمضان؟
فلا أقل من إن تستعد لرمضان وأن تشتاق له، وأن تعمل صيانة للقلب قبل أن تصل إليه، وأن تبدأ بتدريب نفسك على الطاعات، وأن تخرِج من قلبك كُل السجناء، وأن تسأل الله أن يبلغك رمضان.
فلو لم تبلغه، لعل النية الصالحة هذه تبلغك الثواب والأجر العظيم، لا تبلغه بعملك.
إن الذين يرحلون عن عالمنا كُثر، ما هُم من كبار السن فحسب، بل الأطباء يقولون إن كبار السن فرصتهم الطبية أن يعيشوا الآن أصبحت أعلى من الشباب.
شباب يركبون السيارات والطيارات ويركبون البحار، وبعضهم لا يعود، والأمراض هذه الأيام تنوعت وحار الأطباء في علاجها. فليس الموت خاصًا بكبير السن فحسب، الموت يأتي فجأة وليس له عمر.
جدول الاستعداد لرمضان
فيا عبد الله استعد، وابدأ من اليوم تدريبًا، وأوصيك بهذا البرنامج:
الوصية الأولى: عاهد نفسك
استقبل رمضان بالتوبة، من اليوم عاهد نفسك ألا تترك صلاة فرضًا، وألا تترك تكبيرة إحرامها. واقرأ كل يومٍ جزءًا واحِدًا، ثم بعد ذلك، بعد مُضيّ أيام، تصاعد واقرأ جزءًا ونصف، حتى تستطيع أن تختم هذا القرآن العظيم في الأيام المتبقية من رجب.
اختمه مرة أو مرتين، ضاعف في حسناتك.
الوصية الثانية: تدرب على الصدقة
اجعل لك في كل يوم صدقة. تدرب، فإن من تدرب على الإنفاق ألِفهُ وتلذّذ به.
الوصية الثالثة: أوتِر بعد صلاة العشاء
إذا صليت العشاء، وصليت راتِبتها، أوتر بركعةٍ أو بثلاث. ثم بعد ذلك رَحِّل هذه الصلاة إلى قبل النوم، وزِد.
ثم إذا تلذذت بها، اجعلها في الثُّلث الأخير من الليل.
واضبط الساعة بدلا من أن تستيقظ على أذان الفجر، اجعلهُ قبله بثلث ساعة. توضأ ثم صلِّ ٣-٥-٧-٩ “وِترًا”، ثم استغفر الله قبل أذان الفجر. وزِد في ذلك.
يقول الشيخ سعد العتيق -بارك الله فيه-: ستصل بإذن الله إلى منتصف شعبان، وقد ألِفت الطاعة.
الوصية الرابعة والأخيرة: بادِر بإخراج الغرماء من قلبك
اتصل الآن بمن بينك وبينه شحناء، وقل عفى الله عنك، وعفا الله عني. ولا تفتح ملفات السنين الماضيات، فبعضُها يزكِم الأنوف، وبعضُها سِجلٌ كتبه الشيطان. قُل لصاحبك: عفا الله عنك، أخطأتُ أنا، أم أخطأتَ أنت.
حتى تجد لّذّةً للطاعة، وأكبر سبب أخرج اللذّة من قلوبنا أن القلوب ليست سليمة.