حين قال الشاعر إيليا أبو ماضي: “كن جميلا ترى الوجود جميلا” كان يتحدث عن ظاهرة اجتماعية إيجابية، وهو عين الإنسان، ولا أقصد بالعين هنا العين البصرية، وإنما أقصد بها رؤية القلب والعقل.
إن أصنافا من البشر اعتادوا أن يروا السواد دائما، ولا يرون غيره، والغريب أن ندرة من الناس من يرى البياض، وهذا بخلاف طبائع البشر والتناقض في الرؤية بين من يرى يمنة ويسرة، بين من يرى الخير ومن يرى الشر.
عين الرضا
والذي أريد أن أقوله إن الإنسان عنده قدرة على بيان الوجه الذي يحبه، وقد حفظت لنا السنة النبوية شيئا من هذا، فقد سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم: ما تقول في الزبرقان بن بدر؟ وكلاهما من بني تميم، فقال مادحا إياه: يا رسول الله، مطاع في أنديته، شديد العارضة، مانع لما وراء ظهره. فقال الزبرقان: يا رسول الله، إنه ليعلم مني أكثر مما وصفني به، ولكنه حسدني. فقال عمرو: والله يا رسول الله إنه لزمن المروءة، ضيق العطن، لئيم الخال، أحمق الولد، والله يا رسول الله ما كذبت أولا، ولقد صدقت آخرا، ولكني رضيت فقلت أحسن ما علمت وغضبت فقلت أقبح ما علمت. فقال رسول الله ﷺ : «إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكما» رواه الطبراني.
إن العين الفاحصة التي ترى الخير والشر، ولكنها تفيد ممن حولها من خصال حميدة، مهما كان هذا الشخص، فكل إنسان فيه محامد ينتفع بها، وفيه مذام تترك، وربما إن رأينا مذمة في أحد كان أدعى لاجتنابها، بدلا من الانشغال عن القيل والقال حول هذا الشخص، بل ندعو الله ﷻ له السلامة مما ابتلي به وعافانا الله منه.
إن البحث عن الوجه الجميل فيمن حولنا ممكن جدا، إنني وأنا أعيش في الغربة مع بعض أصدقائي، أرى التزام (عبد الله) في مواعيده واحترامه لعمله بشكل يكاد يكون بتعبيرنا –نحن المصريين– كالساعة، وأجد في أخي (عبد المنعم) الأخ الأكبر الحنون، والنسمة الجميلة، والعون على طاعة الله ﷻ والتذكير به دائما، وأجد في (صالح) الأخ الخدوم الذي يسارع في خدمة إخوانه ولا يتوانى في ذلك، وأجد في (ياسر) حبه لإخوانه، وحكمته في تخيره لوقت الصمت ووقت الكلام.
إنه يمكن لنا أن نفيد من كل من حولنا، ولكن أن نرى فيهم الوجه المشرق المضيء، تاركين ما نخالفهم فيه، أو ما نراه عيبا، وكلنا ذلك الرجل.
وأختم بجملة أبيات صدرت منها شطر بيت، لإيليا أبو ماضي، يقول فيها:
أيهذا الشاكي، وما بك داء
كيف تغدو إذا غدوت عليلا
إن شر الجناة في الأرض نفس
تتوقى قبل الرحيل الرحيلا
وترى الشوك في الورود وتعمى
أن ترى فوقها الندى إكليلا
هو عبء على الحياة ثقيل
من يظن الحياة عبئا ثقيلا
والذي نفسه بغير جمال
لا يرى في الحياة شيئا جميلا
فتمتع بالصبح ما دمت فيه
لا تخف أن يزول حتى يزولا
أيهذا الشاكي وما بك داء
كن جميلا ترى الوجود جميلا
بقلم: د. مسعود صبري
⇐ وتقرأ تاليًا أيضًا في مقترحاتي: