اعتدنا كل عام وحين يقترب فصل الربيع يبدأ الضجيج حول عيد الأم، الذي خُصص له يوم 21 مارس من كل عام، فيستعد من يستعد ويتجاهل من يتجاهل، ولكن معظم الناس تأثرت بهذا الفكر ويستوقفهم هذا التاريخ، ومما يزيد من مكانته وأهميته ويفرضه كحدث اجتماعي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، حيث يعلو فيه صوت الغناء الذي يمجد الأم ويشدوا بفضلها ومكانتها وحبها، وتعج وسائل التواصل الاجتماعي كذلك بذات الحدث فمن الناس من يهنئ ومنهم من يشجب وينتقد، ولكل منه منطقه ورؤيته.
وهنا في السطور القليلة القادمة سيكون حديثنا عن فكرة الإحتفال بعيد الأم ومن أين جاءت؟ ومتى؟ ومن هو صاحب تلك الفكرة؟ وكيف انتشرت؟
فكرة الاحتفال بعيد الأم، تاريخها وبدايتها
ترجع فكرة تخصيص يوم معين للاحتفال بالأم إلى مفكر وكاتب مصري هو الصحفي الشهير مصطفى أمين، والذي تبنى تلك الفكرة وتحمس جدًا لها، حيث كان يرى أن الأم تستحق أن يكون لها عيدًا يُحتَفَل فيه بحبها وتُرفَعُ فيه شعارات الاهتمام والتقدير ويمنح الابناء للأمهات من الهدايا ما
تيسر لهم، تعبيرًا عن شكرهم لكفاحهن الطويل وعطائهن منقطع النظير.
بدأ مصطفى أمين أولى خطواته في طريق الدعوة لتلك الفكرة الجديدة من خلال كتابه “أمريكا الضاحكة” وقد حدث ذلك تحديدًا عام 1943 م، ولكن لم تجد تلك الدعوة آنذاك أي صدى ولم تحظى بأي اهتمام.
انتشار الفكرة ووصول صداها إلى قاعدة عريضة من الناس
قلنا آنفًا أن دعوة مصطفى أمين للاحتفال بعيد الأم لم يحالفها الحظ ولم تحقق أي ردة فعل، حتى مر عليها ما يقرب من عشر سنوات كاملة، وحدث ما أثارها وأيقظها من ثباتها للمرة الثانية.
جاءت إحدى الأمهات الكادحات والتي أفنت عمرها في سبيل تحقيق السعادة والنجاح لأبنائها، حتى وصلت بهم إلى بر الأمان وقد ضحت في سبيلهم بكل عزيز وتنازلت عن رغباتها ومنحتهم زهرة شبابها ليصلوا إلى ما وصلوا إليه، جاءته تشكوا إليه قسوتهم وجحودهم ونكرانهم لما قدمته لهم طوال حياتهم، فأثارت تلك القصة حفيظة الصحفي وأيقظت فيه الرغبة من جديد لإعلان دعوته ورفع صوته مناديًا بحقوق الأمهات ووجوب تكريمهن وتخصيص يوم محدد للاحتفال بهن.
أعلن مصطفى أمين دعوته، ولكنها هذه المرة وجدت من يلتفت لها، بل ويهاجمها أيضًا، ومن الجدير بالذكر أن الهجوم على تلك الفكرة كان لدوافع سياسية، ومع ذلك فقد توجه مصطفى أمين إلى وزير التعليم آنذاك كمال حسن الدين الذي راقت له تلك الفكرة ودعمها، لتخرج تلك الدعوة إلى النور ويبدأ الاحتفال بعيد الأم لأول مرة يوم 21 مارس سنة 1956م.
استمر الاحتفال كل عام لما يقرب من تسع سنوات اعتقل بعدها الصحفي مصطفي أمين، وأوشكت تلك الاحتفالات أن تنتهي وأوشك عهد عيد الأم أن يولي لولا دعاوى الأمهات التي طالبت باستمراره والإبقاء عليه.
وبالفعل استطاعت تلك الدعوة التي لاقت رواجًا كبيرًا عند الأمهات أن تستمر وتبقى حتى يومنا هذا، ومن الجدير بالذكر أن عيد الأم من الاعياد التي لها شهرةً وانتشارًا واسعًا في كثير من أنحاء العالم مثل أروبا وأمريكا والكثير من الدول العربية.
الهجوم على فكرة عيد الأم ومعارضتها
كأي فكرة جديدة وجدت فكرة عيد الأم من يعارضها وينتقدها، سواءً من منظور ديني أو حتى اجتماعي، فالبعض يرى أنها شيء مبتدع لا أصل له من الشريعة، ويعتبر أن تخصيص يوم وإطلاق كلمة عيد، فيها ما يتنافى مع التشريع الإسلامي المكتمل الذي كفل للأم أرقى وأسمى مظاهر الاحتفال.
ويرى البعض الآخر من المعارضين أن الاحتفال بيوم معين وتكريم الأم في يوم واحد في السنة هو اجحافٌ لحقها، وتقليلٌ من شأنها، ويرون أن الأم تستحق احتفالًا لا ينقطع أبدًا.
في حين يرى فريق آخر أن في الاحتفال بعيد الأم بعض الضرر النفسي لكل من حرم نعمة وجود الأم، وأن تلك الأجواء تذكره بمصابه وعظيم خسارته، كما تذكر بعض الأمهات اللاتي فقدن الأبناء، أو النساء التي حرمن نعمة الإنجاب بالنقص والحرمان والاحتياج.
وهكذا كان استعراضنا لقصة عيد الأم ونشأته وتطوره، وحكم الناس عليها بين التأييد والاعتراض، ولا يسعنا في النهاية إلا أن نقول أن الاهتمام بالأم واجب دائم لا يسقط بالتقادم ولا مرور القوت، وخلق لحظات من السعادة بهدية أو مفاجأة لا غضاضة فيه.
وانظر مقالنا هنا: عيد الأم – المناسبة كاملة