لماذا كانت ثورة يناير؟
ولا يمكننا الحديث عن ثورة 25 يناير أبدًا دون الحديث عن أسبابها والعوامل التي حركتها وأشعلت نارها، لا يمكن أن نتكلم عنها دون أن نذكر للأجيال الجديدة التي لم تشهدها أسبابها المنطقية والقوية جدًا التي دفعت جموع الشعب دفعًا إليها.
فليعرف الجميع أن مصر المسالمة الطيبة الحانية لم تكن لتثور على حكامها إلا لأن الكيل قد فاض وأصبح يفوق القدرة على التحمل، فالقهر طال كل حر وشريف ونظيف، والفقر طال كل مكافح وكادح ومجاهد في سبيل لقمة العيش، والإحباط والتشاؤم طال الشباب المقبل على الحياة والطامح لغد مشرق، من الخريجين الذين لا يجدون فرصة عمل ولا بارقة أمل!
ليعرف العالم أن الشباب المصري ثار حين انتهكت كل قيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وتحولت الحياة ورفاهيتها محض رشوة أو وساطة أو محسوبية.
ثاروا حين استبد أصحاب المناصب بمناصبهم وصاروا يتعاملون معها كأنها ملك يمين أو غنيمة، ونسوا أنهم وصلوا إليها بفضل الشعب وبرغبته وبثقته، فخانوا ثقة الشعب ونهبو خيرات الوطن وتركوا له الفقر والمرض والجوع والمعاناة التي لا نهاية لها.
إنجازات الثورة
أعلن الشباب الحر الأصيل الثورة على النظام الفاسد يوم 25 يناير الذي كان موافقًا لعيد الشرطة، والتي تخلت عن مبدأها في خدمة الشعب وصارت تتحرك في فلك واحد لا تحيد عنه عنوانه “خدمة النظام”، نجح الشباب في التواصل فيما بينهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واحتشد عدد كبير في ميدان التحرير، وفي عدة ميادين أخرى لتوصيل رسالتهم للعالم والتي كانت تنطوي على عبارة واحدة عامة تامة شاملة لما يحتاجه الشعب المصري لتستقيم حياته وحياة الأجيال القادمة وهي “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”.
كما كان متوقعًا فوجئ الثوار في بداية اندلاع ثورة 25 يناير بالتجاهل والتسفيه والسخرية من حركتهم الثورية ولا زالت جملة مبارك “سيبهم يتسلوا شوية” تذكر العالم وتذكرنا نحن بحماقة الحاكم وعدم تقديره للأمور كما يجب، فقد توهم النظام أنها مجرد زوبعة في فنجان لا تلبث أن تهدأ ويعود كل شيء إلى ما كان! ولكن الثوار تمسكوا بموقفهم ولم يتراجعوا عن مطالبهم بل ارتفع سقف المطالب وارتفع صوتها أكثر وأكثر.
انتبه النظام فجأة إلى خطورة الأمر فراح في هلع يسجن ويعتقل ويقتل الشباب، ولكن كان صدى ظلمه ومحاولاته القمعية مزيدًا من الإصرار على المطالب، وبالفعل استمر الشباب في الاحتجاج وتزايد عددهم من ألف إلى ملايين وخرجوا رافضين للظلم مطالبين بأبسط حقوقهم في كل محافظات مصر من أقصاها إلى أدناها.
وبعد حوالي ثمانية عشر يوم من الصمود استطاعت الثورة أن تحقق أعظم أهدافها، فأطاحت بمبارك الطاغية وأعوانه، وتم حل الحزب الديمقراطي (غير الديمقراطي تمامًا)، وصدر قرار بحل مجلس الشعب الذي بني على التزوير والبطلان، وتقرر تعديل الدستور المصري، وأفاق الشعب على اشراقة مستقبل جميل مضيء بنور العدل وبرائحة الحرية.
كنا ندفئ بعضنا في بعضنا ونراك تبتسمين ننسي بردها
وإذا غضبت كشفت عن وجهها وحيائنا يأبي يدنس وجهها
لا تتركيهم يخبروك بأنني متمرد خان الأمانة أو زهي
لا تتركيهم يخبروك بأني
أصبحت شيئا تافها وموجها
فأنا أبن بطنك وأبن بطنك من أراد ومن أطال ومن أقر ومن نهى
صمتت فلول الخائفين بجبنهم وجموع من عشقوك قالت كلمتهم
هكذا كان مشهد الثورة والثوار في ميدان التحرير الذي انطلقت منه أصوات الثائرين لتمزق حجب الصمت وتصل عنوة إلى الأذان الصماء، التي أرادت تجاهله ولكن بلا جدوى فقد نجح الثائرون رغمًا عن أنف كل كاره وحاقد وناقم، ورغمًا عن كل دكتاتور وظالم.
ولا زالت بعد مضي هذه السنوات على الثورة تفرض نفسها على المشهد، وتلقي بظلالها على مستقبل الوطن، وتشكل توجهاته وسياساته.