في طيَّات صفحتنا هذه كلمة مكتوبة عن المولد النبوي الشريف. نعم، أعلم أن ما سنتحدَّث عنه هنا لا تكفيه مجرَّد كلمة أو مقال؛ لأني سأكتب في مولد خير البريَّة ﷺ.
المولد النبوي الشريف
إن المولد النبوي الشريف هو المشهد الأنور والعيد الأكبر ويوم التذكار لظهور ذات خاتم المرسلين وسيد العالمين الذي مدَّن العالم ببديع شريعته وملأ الوجود بمحاسن دينه وهذَّب النفوس بجميل سنته. عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام؛ الذي أنبت شعر المجد في رؤوسنا وأنار بواطننا بأسراره.
إنه أبي القاسم سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم؛ صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها.
في يوم «١٢ ربيع الأول» من كل عام يحتفل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بذكرى مولد سيد الخلق على الإطلاق، وخاتم النبيين، ومتمم مكارم الأخلاق، ورحمة الله للعالمين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ويُقال أن أول مَن سنَّه الملك المظفر صاحب أربل المتوفي سنة ٦٣٠ للهجرة الشريفة، وقد تقبله المسلمون كافة بقبول حسن، وتنافس الملوك والأمراء وسائر الطبقات بالاحتفال به من ذلك العهد إلى الآن.
وقد ألّف العلماء في خبر مولد المصطفى ﷺ وما جاء في تاريخه قصصًا تُتلى في الاحتفالات.
في هذا الشهر المبارك يهتز العالم الإسلامي فرحا وسروراً وتتعدد احتفالاته وتتنوع ولائمه. ذلك لإحياء ذكرى مولد الرسول الأكرم النبي الأعظم وسيدنا ومولانا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
مولد خير الورى
وبمناسبة قرب اليوم الموافق لميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، نرغب أن نبين أن من العلماء من يرى أن عمل المولد الشريف من السنن المستحسنة والتي تدخل تحت عموم قوله ﷺ: من سن في الإسلام سنة حسنة .. الحديث. خدمة لمقامه الشريف وتنشيطاً لمحبيه -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات- على هذا العمل المبرور.
إنَّ عمل المولد الشريف هو تلاوة طرف من أخلاقه وسيرته ومعجزاته عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام؛ ولا مانع من أن يعم الله -سبحانه- الحاضرين ببركة من عنده نظراً لمحبتهم لنبيه الحبيب -صلى الله عليه وسلم- وذكرهم شمائله وأخلاقه وطرفاً من معجزاته ليزدادوا إيماناً.
وقد قال الله -جل وعلا- في الآية ٣٣ من سورة الأنفال «وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم». فيجوز أن يشمل الله -الكريم- بعنايته وبلطفه التالين لقصة نبيه، المؤمنين به، كما رفع العذاب عن قوم بسبب وجوده فيهم.
قيل عن الاحتفال بمولده ﷺ
وإليك بعضًا من أقوال أئمة الدين الأعلام في استحسان عمل المولد:
قال الإمام جلال الدين السيوطي في فتاويه في باب الوليمة، عندما سئل عن عمل المولد النبوي الشريف وحكمه من حيث الشرع؛ وهل هو محمود أو مذموم وهل يثاب فاعله أم لا؟ فأجاب: عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي -ﷺ- وما وقع في مولده من الآيات؛ ثم يمد لهم سماط يأكلون منه وينصرفون -من غير زيادة على ذلك- من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها، لما فيه من تعظيم قدر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.
وقال -أيضا- الإمام أبو شامة شيخ الإمام النووي: ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي -صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها- من الصدقات والمعروف وإظهار السرور والزينة، فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء مشعر بمحبة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- وتعظيم في قلب فاعل ذلك وشكر لله -تبارك وتعالى- على ما منّ به من إيجاد رسوله -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- الذي أرسله رحمة للعالمين.
ومنها قول الإمام السخاوي أن: عمل المولد حدث بعد القرون الثلاثة، ثم لا زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن يعملون المولد ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم.
وهذا قول الإمام ابن الجوزي: من خواصه أنه (أي عمل المولد) أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام.
وقال حافظ الشام شمس الدين محمد بن ناصر: وقد جوزي أبو لهب بتخفيف العذاب عنه يوم الاثنين بسبب إعتاقه ثويبة لما بشرته بولادة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- (على خلاق في صحة الرواية ومدى ثبوتها). وأنشد في ذلك وأجاد:
إذا كان هذا كافر جاء ذمه … وتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائماً … يخفف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره … بأحمد مسروراً ومات موحدا
أما الجنيد البغدادي “إمام الطائفتين -رحمه الله تعالى-” فقال: من حضر مولد النبي وعظم قدره فقد فاز بالإيمان.
وينبغي -بل يتأكد- على الإنسان أن يحسن إلى الفقراء في هذا اليوم ويواسيهم، ويظهر السرور والفرح ويتجمل بالثياب الحسنة، ويكثر من الصلاة على النبي -عليه أَفضل الصلواتِ وأَكمل التحيات- محبة به وشكراً لله -سبحانه- على ما أنعم به ومنَّ وتفضل على هذا الوجود بظهور نبي الرحمة، والذي أنقذنا بواسطته من الضلال إلى الصراط المستقيم -عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام-.
تنبيه
ينبغي أن يقتصر في عمل المولد على ما يفهم الشكر لله -جل شأنه- من نحو ما تقدم ذكره من الذكر والتلاوة والصدقة والإطعام وفعل الخير والعمل للآخرة.
وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال أن لا بأس بإلحاق ما كان من ذلك مباحاً بحيث يتعين للسرور. وما كان حراماً أو مكروهاً، فيمنع، وكذا ما كان خلاف الأولى.