من هم عباد الرحمن؟
القليل منا يفهم معنى كلمة عبد حق الفهم، فكلنا نردد اننا عبادا لله-سبحانه وتعالى-، لكن ما هو المعنى؟ و ما هو الدليل على تطبيقنا له؟ إن أردنا أن نفهم عبوديتنا لله-جل وعلا-، فلم لا ننظر لما كنا سنفعله إن كنا عبادا لأحد من البشر منا! العبودية للبشر قطعا شيء لا نتمناه على أنفسنا أو لأحد، و حاشا لله-جل في علاه-، عبوديتنا لله-سبحانه- لا تقارن بغيرها، و لكن لنفهم ما يتحتم علينا تجاه مالكنا”الله-سبحانه-“، فلننظر لما كنا سنفعل تجاه مالكنا كإنسان، وما الفرق بين ما نحن عليه تجاه الله الآن و ما كنا لنكون عليه إذا استعبدنا إنسان.
فالعبد لا يمكنه فعل ما يريد، و يتصرف طبقا لما يمليه عليه مالكه، و أحيانا لا يتحرك أو يسكن إلا بأمر منه، و إذا قام العبد بفعل ما يشاء، إذا هو حر وليس عبدا، فالشيء الوحيد الذي يجعل العبد عبدا هو أنه يقوم بفعل ما يريده سيده، لا ما يريده هو أو ما يهوى و يشتهي.
فإن كنا نريد هداية الله-جل و علا-و نذعن بأنَّا عباده، ف يجب أن نرضى لأنفسنا أن نكون عبادا له كما نرضى بأن يكون هو ربنا و مالكنا و حينما نقول أن الله-عز وجل-لا يقارن بمالك هذا لأنه رحمن رحيم، ف كتب على نفسه الرحمة، و لم يكتفي بصفة رحمة واحدة كباقي الصفات يمكن أن يتصف بها إنسان بنسب مختلفة، ولكن وصف نفسه بصفة أخرى لا يمكن أن تطلق على أحد سواه، ألا وهي”الرحمن”.
فما بالك بمن فهم كونه عبد، وكيف يكون عبدا مخلصا لله-عز وجل-ثم يعلى بدرجته ليكون عبدا للرحمن؟ وكيف أن من رحمته-تعالى- جعلهم عبادا له؟هؤلاء الذين أطلق عليهم الله في كتابه”عباد الرحمن”، و وصفهم بقوله تعالى:(الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)، فهم كلهم سكينة و تواضع لربهم و تواضع مع غيرهم، و قال عنهم-تعالى-(وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، فهداية الله لهم تظهر في كيف أنهم لا يردون على الأذى بمثله ويترفعون عن فعل من يضرهم بأي شر، (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) فلا يضرون أنفسهم بالأفعال المهلكة و لا يتعدى ضررهم لغيرهم و إن كان في الرد على مسيئتهم لهم.
(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) قائمين ساجدين لله في الليل، يتفردون بفعل الطاعات الرفيعة لمالكهم، فهم عباده، يتوقون لإرضائه دوما، يخافون عقابه كما في قوله تعالى:(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ)، ويقرون لله بالربوبية والإلوهية أيضا (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ(،(وَالَذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)،فالذكري تنفع المؤمنين.
كونهم عباد للرحمن لا يعني أنهم لا يتمتعون بمتع الحياة أو لا يطلبونها، فقد قال الله تعالى عنهم:(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، فهم أناس عاديون ولكن فقط يطيعوا ربهم و يعبدوا مالكهم حق العبادة، و كل هذا يهُون مهما كان سهل أو صعب عندما نسمع المولى يذكر جزاءهم في الآخرة و يقول تعالى:(أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا . خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا)،فالله كريم ، والكريم إذا أعطى أدهش.
إذا تأملنا ما ذكر الله في وصف هؤلاء الصفوة، ندرك أنها صفات طيبة يمكن أن نجعلها فينا وننال نفس ثوابهم، والله يضاعف لمن يشاء، فقد ذكر الله في وصفهم بالتواضع والسكينة والوقار، ثم تبعها بعفة اللسان وسلامة النية مع الغير و حسن الظن في الآخرين، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وإِن كَانَ مازِحًا، وَببيتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ)،فالرد على الغير بالخير او ترك الكلام ان كان به لغو و مراء صفة ننال بها رضا الله وجنته لا شك، و وصفهم الله أيضا بالتفاني في العبادات والإخلاص لله وذكره وشكره ورجائه، و ختم الوصف ب الاعتدال في استخدام النعم والدعاء بامتلاك حسن النعم وضمان الآخرة و الجنة لهم.
فما أجمل أن تكون معيشتنا وخلقنا كله لله، و نكون في زمرة عباد الرحمن في الحية الدنيا،و في صَحْب الأتقياء في الآخرة و ننال رحمته يوم لا ظل إلا ظله! أسأل الله لي ولكم بشمولنا في عباد الرحمن و أهل القرآن و أن ننال رضا العزيز المنان، الرحمن على العرش استوى.