لم يبق إلا أيام وتحل علينا ذكرى المولد النيوي العطرة، وتتلألأ أنوار الاحتفال بها، وتنتشر في الأسواق والشوارع والطرقات والمساجد الاحتفالات، كل يحتفل على طريقته، وهذا يغرينا بأن نتحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم ومولده الشريف وضيائه الذي ملأ الكون هداية وصلاحًا.
أوشكت أن تقبل علينا ذكرى مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- والكل يحتفل بها ويردد التهاني والأمنيات والمعايدات، ولكن نسينا أن نسأل أنفسنا سؤالًا غاية في الأهمية والحيوية وهو هل حالنا الذي نحن عليه يرضي نبينا ومحمدنا وشفيعنا؟ وهل واقعنا هو الواقع الذي يسعده ويشعره بفضله علينا؟ أم لا؟ كيف حال رجالنا ونسائنا وأطفالنا مع ديننا؟ كيف حال أخلاقنا والتزامانا؟ وكيف حال مراقبتنا لله والذي علمنا إياها رسول الله؟ وكيف حالنا مع الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم-، كم مرة نصلي عليه ونلوذ بذكره طالبين الفرج والنصر والغلبة على ما مسنا من ضعف؟ وكم مرة نقف بباب الله متوسلين إليه بصدق حبنا لرسوله ونبيه العدنان؟
كل تلك الأسئلة وغيرها الكثير نسألها لأنفسنا قبل أن نشرع في الاحتفال بمولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ذكرى المولد النبوي الشريف
ففي ذكرى المولد أوجّه لك عزيزي القارئ كلمة نصح صادقة ووصية أوصي بها نفسي أولًا، وأوصيك بها عزيزي القارئ، وهي أن نتوقف ونحاسب أنفسنا ونقيم مدى قربنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسنته، ذلك القرب الحقيقي الصادق وليس الأجوف المجرد من القيمة، ذلك القرب الذي يقربنا من الله ويجعلنا أهل لحب رسول الله وشفاعته.
والأمر يتطلب منا محاسبة صادقة ووقفة جادة ومواجهة حاسمة مع أنفسنا، وبعد أن نقيم أنفسنا ونقيس درجة حبنا لخير خلق الله قاطبة، سيدنا وتاج رؤوسنا وأماننا من يوم الخوف الأعظم، محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وحين نفعل ذلك يجب أن نتبعه بالعلم والتعلم فنقترب من سيرته العطرة ونتعرف على سنته، لنفعل منها ما اعتدنا على هجره، وتركه من السنن العظيمة والطيبة والمباركة التي تنير حياتنا وتضيئ ظلمة واقعنا، فالبعد عن سنة نبينا وكتاب ربنا هو سر ما نعانيه من المتاعب والخلافات والحروب النفسية والاقتصادية الطاحنة والأزمات.
وفي ذكرى مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- أدعوكم أن نبادر باتخاذ قرار جديد ووضع خطة جديدة لإصلاح ما فسد من ديننا وعلاقتنا بنبينا، ولنجدد العهد بالكتاب والسنة ونعيد الالتزام بها والسير على دربها.
دعونا نعود لتلاوة كتاب الله الذي هجره معظمنا -إلا ما رحم الله-، ودعونا نتدارس سنة نبيه العدنان، ونستلهم منها الحلول والأفكار التي نحسن بها واقعنا، ولنعلم أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أكبر وأهم وأعمق بكثير من مجرد صنع بعض الحلوى وتخصيصها وربطها بذكرى المولد، وهي أيضًا أعمق وأبعد من مجرد اقامة الحفلات أو اتباع البدع أو المغالاة في ادعاء حب النبي -صلى الله عليه وسلم-، انها أعمق من كل ذلك وأرقى من كل ذلك.
انها تذكرة توافينا بها الأقدار كل عام، لكي نبدأ في تصحيح أخطائنا ونعرف العالم بنبينا وندعوه إلى سماحة ديننا الطاهر القويم السليم، ولعل من أهم ما يرضي رسولنا أن نطبق كل أوامره ونهجر كل ما نهى عنه، أن نسلم ونستسلم لكل ما جاء به ونرضى به حكمًا عدلًا في كل ما يعرض لنا في تلك الحياة من صراعات وخلافات ومشكلات، وما يجد من مسائل متعلقة بالحياة أو الممات، فإنه لم يترك لنا شيئا إلا بينه عليه الصلوات والسلام نبينا محمدٌ خير الأنام.