أطرح عليكم هنا كلمة عن المولد النبوي الشريف «مكتوبة» ومُدعَّمة بآيات من القرآن الكريم، وأحاديث من السنة النبوية. هذا من أجل أولئك الذين يبحثون عن الأفضل والمميز في اللقاءات والمؤتمرات والندوات، وحتى الأطفال الطلاب في الإذاعة المدرسية.
يتنشدون مقدمة حفل لهذه المناسبة، أو مقال أو حتى خطبة جمعة. الجميع يتطلَّع لأن يحصل على الأكثر تميزًا. ونحن هنا من أجل ذلك.
النبي القدوة
نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- يذكر ويكرر في القرآن الكريم؛ فهو يجمع مناقب البشر جميعا. يتحدث عنه كتاب الله -تعالى- فإذا هو القريب الخلوق في الآية الرابعة من سورة القلم {وإنك لعلى خلق عظيم}، كما يدعو إلى الله -سبحانه- على بصيرة، ويتحدث عن يسره ولينه وسهولته فيقول في الآية ١٥٩ من سورة آل عمران {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
إنه الإمام الذي على كل الأمة أن تذعن لإمامته، فهو إمام في الحياة وإمام في الصلاة، وإمام في التربية، وإمام في الحرب وفي الاقتصاد. قال -جل شأنه- في الآية ٢١ من سورة الأحزاب {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}.
فيا أخوة الإسلام؛ هل يحق لنا شرعاً أو عقلاً أن نبحث عن غيره أو نتلمس سواه؟ بالطبع لا. بل حرام -قطعًا- أن نجعل غيره إماماً يقود المسيرة إلى ربنا -تبارك وتعالى-؛ لأن الله هو الرجل الذي ختم به النبوة في الأرض.
هذا هو نبينا المصطفى
وفي ذكرى المولد النبوي الشريف فلنعرِف أن هذا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ يعيش لحظات الحياة، ودقائق الزمن، وثواني الدهر، بما يجب أن تعاش. نجِدهُ في الصلاة خاشعًا قانتًا أوابًا منيبا؛ فهو من قال عنه الله -سبحانه- في الآية ٧٩ من سورة الإسراء {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}.
ثم نراه في الجهاد رجل شجاع، وبطل بارز ومقدام صنديد. فيقول عنه رب العزة -سبحانه- في الآية ٨٤ من سورة النساء {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك}.
وعند الإنفاق تجِده هو السخي الكريم، المنفق الباذل، كما قال ابن عباس في صحيح البخاري ومسلم «كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة».
وهو في الفطر، متماسك صبور محتسب، وفي الرقة والرحمة، صاحب الشفقة البالغة والدمعة الحانية. إنه الإنسان ﷺ الداعية الذي يدعو إلى ربه على بصيرة.
الإنسان الذي أتى إلى هذه الأمة الضعيفة، المنهوبة المسلوبة المظلومة، فرفع رأسها بين الرُؤُوس، فلم يكُن لنا تاريخ حتى أتى نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام.
أبيات شعر في مدح خير البرية
واقرأ هذه الأبيات الجميلة
إن البرية يوم مبعث أحمد — نظر الإله لها فبدل حالها
بل كرم الإنسان حين اختار من — خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمة — جبت الكنوز فكسرت أغلالها
لما رآها الله تمشي نحوه — لا تبتغي إلا رضاه سعى لها
إمام الأُمَّة
هذه أمة وراء الإمام محمد صلى الله عليه وسلم هي في خير؛ فيقول ربنا تبارك وتعالى في الآية الثانية من سورة الجمعة {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}.
وفي الآيات ٦٢ و ٦٣ من سورة الأنفال {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين | وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم}.
فقد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمة ترعى الإبل والبقر والغنم في الصحراء القاحلة، صحراء الظمأ الجوع واليأس؛ فأخرجها بلا إله إلا الله إلى بساتين الشام ومصر وضفاف دجلة والفرات وملاعب الهند والسند، وحدائق الأندلس. فكبرت هناك وأذَّنت وصلت، وخرجت من الجزيرة بلا إله إلا الله وحسْب.
من روائع محمد إقبال
اقرأ ما كتبه هذا الشاعر:
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع — اسمك فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالا في الجبال وربما — صرنا على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان أذاننا — قبل الكتائب يفتح الأمصارا
كنا نرى الأصنام من ذهب — فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
رسولٌ أُسوة حسنة
نبينا محمد هو المرشد -بإذن الله- إلى الصراط المستقيم؛ وأخرج الأمة من القتل والفتنة والنهب والسلب إلى الإخاء والوئام، والحب والصفاء؛ فقال الله -عز وجل- في الآية ١٠٣ من سورة آل عمران {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}.
إن أيام النبي عليه الصلاة والسلام هي الأيام التي يجب على طلبة العلم والدعاة والشباب أن يعيشوا جزئياتها، وأن يجعلوا منها دستورا لأيامهم؛ فقد عاش هذا الرسول المختار أيام العمر في المهن والأعمال التي يعيشها غالب الناس.
فهو من رعى الغنم، لكنه حكم الأمم؛ وهو من رقع الثوب وكنس البيت وحلب الشاة؛ وهو من ضحك وبكى وصام وأفطر وصلى ونام وتاجر وسافر وتزوج النساء وافتقر فصبر واغتنى فشكر.
وقد أفتى، فهو قدوة للمفتين؛ وحكم الناس، فهو قدوة للحكام؛ ودعا، فهو قدوة للدعاة، ورعى، فهو أستاذ للرعاة، وعلم الناس فنون الاقتصاد والحرب والسلم.
إن هذا النبي الكريم عاش هذا العمر الطويل ليكون للمسلمين نموذجا حيا يقتدون به. فيقول في الحديث في صحيح مسلم {والذي نفسي بيده! لا يسمع بي يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار}. فليس المسلم الذي يصلي ويعترف بلا إله إلا الله، ثم يتخذ غير النبي محمد صلى الله عليه وسلم قدوة للأمة.
لقد حارب رسول الله الجيوش الجرارة، فكان أول شجاع مبارز؛ ومع ذلك يتواضع لله، ويعلم أن النصر من عنده -سبحانه-. فيغلب أحيانا، ويجرح وتنكسر رباعيته، أصحابه أمامه يُذبحون؛ فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. ولكنه مع ذلك لا ينهزم، بل يواصل المسيرة بعزيمة أقوى وأقوى.