عندما أردتُّ أن أسرِدَ أجمل كلام عن أمي الحبيبة في عيد الأم. وأبعثُ لها أغلى رسالة، فلم أكُن أبالِغ. فنحنُ نتحدث عن أعلى قمة في الحياة، أنها أمي وأمك. حلوة اللبن، ساقيه المعالي، حاضنة الحياة. تحدث ونحمد الله جل وعلا على أن جعل لنا من أبواب الجنانِ تُفتَح على وجه الأرض.
ما أجمل إذا رأينا إلى أقدام الأمهات أن نتذكر الجِنان. نعم، أقدامها في الدنيا، لكنها مفاتِح الجنان، تجري تحتها أنهار الحب والسعادة.
كلام عن أمي الحبيبة
نعم، الأم جنة. والله ليس في الدنيا ربيع أجمل من ربيع برها. وليس هناك بابٌ لأبواب السعادة، بعد توحيد الله، إلا وتقف عليه أمي وأمك، وكذلك أبي وأبوك.
ما أعظَم في الحياة أن ننظُر إليهِنَّ أنهُنَّ أبواب فرج الكرب. البِرُّ من أكبر أبواب تفريج الكُرب. تأملوا في حال الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار. أحدهم كان برًّا بأمه، برًّا بوالديه، ففرج الله كربه بعد أن دعا ربه يبره بأمه وأبيه.
أيها الأبناء، إن وجود الأمهات في الحياة جنة. واسألوا من عاد من المقبرة، وقد قبر أمه. يُنبئك بجرحٍ في فؤاده، وعن طعنةٍ في قلبه، وعند دمعةٍ في عينه، وعن غصة في حلقه.
أنها أمي وأمك، جِنانٌ تسير فوق الأرض، ما أجمل أن نقف أمامها. أجمل جلسةٍ في الحياة، جلسة بين يدي أمك. أجمل لقمة في الحياة ما تقدمها إلك أمك أو أنت تقدمها إلى أمك.
أجمل كلمات لأمي في عيدها
أجمل ساعة انشرح، وساحة سياحه، والله يا نعيم الدنيا وما ترون من حولي من جمال، والله لقدم أمي في عيني أجمل. لِم؟ لأن هذه التي توصل إلى الدار الباقية. وما حولنا هذا إنما هي الفانية.
فمن يطلب السعادة، يا من يطلب الرزق، يا من يريد انشراح الصدر، يا من يريد التوفيق. هلُم إلى رياض الجِنان، وهلم إلى أبواب السعادة في الدنيا، وانطلق إليها والزم قدميها، فثم الجنة. هذا كلام نبيك وحبيبك عليه الصلاة والسلام.
عُد إلى أمك هذه الليلة، قَبِّل ما بين عينيها، وقَبِّل يديها. وقل لها: سامحيني، جُعِلتُ فداكِ يا أمي.
اللهم ارضعهم يا رب العالمين، وارض عنهم يا أكرم الأكرمين.
من أكبر أبواب تفريج الكرب في الحياة، دعاء الأمهات خاصة. فإذا صدر الدعاء من الأم، ودمعها قد أغلق العين، ورفعت الكف إلى السماء، فرجت الكُرَب. فيا معاشر الأبناء هلموا إلى الأمهات.
قصة مؤثرة عن الابن الأسير والأم التي تدعو له
أمٌّ أسِر صغيرها، ابنها -ونقول صغيرها لأن الابن لا يكبر في عين أمه- أسرهُ الروم. وعاشت الآلام، بكت ليالي طوال، حتى أتت إلى أحد علماء عصرها، تشتكي إليه الفقر، وابنها في الأسر عند أعدائه. وليس لديها مال لِتفتدي ابنها.
فما كان من هذا الشيخ إلا أن دمعت عينه، رحمة بهذه الأم.
أما عذاب والآم الأمهات عند فقد الأبناء لا يعرفه إلا الأم. ولذلك كثير ما تتعذب أمهات، لأن الابن لا يشعر بشعورها، ولا يعلم بالجَمرةِ تحت قدمها.
ونُكمِلُ، قال لها الإمام: عليكِ بالدعاء. ثم تمتم ورفع يديه ودعا لها ولابنها.
وننتقِلُ بالصورة إلى الابن وهو في سجون الأسرِ عند الروم. أتوا بالحديد وبالقيد، فشدّوا وثاقه حتى لا يهرُب. فأتى السجان فوضع القيد الحديدي في قدمِه. وقال: تحرك. فلما سار، سقط القيد وانخلع من القدم بقدرة قادر.
نظر إليه وصرخ فيه: ما الذي فك قيدك؟ قال: أنا لا أدري.
فأتو بالحدَّاد، وأعاد القُفلة والحديد. وألحم الحديد في قدمه. قال: إمش. فمشى خطواتٍ فسقطت أيضا القيود من قدميه. ثم التفت إليه مستغربًا: مالك؟ قال: إن هذا الذي تراه، لم أفعل شيئًا.
فاتو بالقيد ثالثًا وبالحدَّادِ مرَّة ثالثة، وقيدوه. وانخلع القيد من قدمه.
ذهبوا إلى راهبٍ من رهبانهم، فذكروا له ذلك. فقال له: هل لك أم؟ قال: نعم، وتركتها وكبدها قد ذابت، وتفتت. قال: لا أعلمُ إلا أن يكون ذلك بسبب دعاءِ أمك.
وعاد إلى أمه، فسألها عن الساعة التي دعت. فإذا هي نفس الساعة التي سقطت القيود منه.
فيا من قيدتك الهموم والكروب والآلام. إذا أردت تفريجها فعليك بدعاءِ أمك. أرضها ليرضى الله، رضا الله في رضا الوالدين.
فلا تبرح قدم ست الحبايب فهي تكِنُّ لك كل الحب، فبادل الحب بالحب وكُن أكرم.
قصة الشاب الذي أحسنت أمه تربيته
شابٌ مبتعَث في بلاد الغَرب. دخل إلى حديقةٍ ليتنزَّه. جلس في مقعدٍ لفت انتباهه أن هناك امرأةٌ عجوز قد هرِمَت، وسقطت أسنانها، واشتعل رأسُها شيبا، ومعها تفاحةٌ تريد أن تأكلها “أن تقضِمها” لكن لم يبقى في الأسنان ما يكفي حتى تستطيع أن تقضِمها.
نظر إليها فرحِمها، وضع ما في يده، تقدم إليها وكلمها بلغتها أنه قادر على أن يساعدها. أخذ التفاحة وأخذ طبقًا ثم قطعها، ثم قشرها، ثم جزّأها أجزاءً صِغار، وقدمها وفي عينه رحمة.
نظرت له هذه العجوز فقالت: من أي بلدٍ أنت؟ وعلى أي دينٍ أنت تدين؟ قال: أنا مسلمٌ ومن بلادٍ فيها قِبلةُ المسلمين.
قالت: ما الذي دعاك إلى أن تأخذ تفاحتي، فتُليِّن أكلها لي؟ قال: ديننا دينُ الرحمة. والأم عندنا، وكلُّ كبيرة سنٍ توقيرها من الدين. ولذلك عندما أتقدم إليكِ وأقدم خدماتي، لأن ديني هو الذي أمرني.
وما أجمل شبابنا يوم أن يبتعث، فيكون رسول إسلام إسلام وسلام ورحمة.
فدمعت عينها. قالت: ألك أمٌّ؟ قال :لي أم. قالت: كيف تصنعون بالأم التي تبلغ الـ٨٠ كحالي؟ قال: هي ملكةٌ في بيوتنا. فإذا دخلت بيتًا من بيوتنا أو سكنا معها، هي الآمِرةُ النّاهيةُ في البيت. لا نخرج إلا بإذنها. لا ندخل إلا ونُقبِّلُ يدها. لا نأكل حتى تبدأ الأكل هي. أجمل لقمة لها، وأجمل هدية لها. كل البيت خدمٌ تحت أقدامها، وننظر إليها برحمةٍ ونتمنَّى أن تطلُب مِنَّا شيء.
هنا انفجرت هذه العجوز الأوروبية بالدمع، تمنَّت لو يوم واحد من أيام أمه. ثم قالت: أما أنا فإلى دورِ العجزة. قال: نحن إذا كبرت الأمهات كُنّ أقرب إلينا ونحن أقرب إليهِن. بل، أمر كتاب ربي “إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا” ~ سورة الإسراء – الآية ٢٣.
خِتامُ القِصّة، قالت هذه العجوز: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله. وأنقذها الله من النار بموقف رحمةٍ من رجلٍ أحسنت أمه تربيته.