إذا أردتُم كلام عن الصدق والكذب فاقرأوا بدايةً قول أكثم بن صيفي التميمي -وهو صحابي وحكيم عربي- “الصدق منجاة، والكذب مهواة، والشر لجاجة، والحزم مركب صعب، والعجز مركب وطيء”.
عقوبة الكذّابين
في إحدى المنامات رأى النبي ﷺ ملكان أخذاه، فأخذ يرى بعضًا من عذاب أهل القبر. ومن بعضها -في الحديث الشريف الذي رواه سمرة بن جندب- يقول ﷺ رأيتُ الليلةَ رجُليْنِ، أتَيَانِي؛ فأَخَذا بيدِي، فأخرجانِي إلى الأرضِ المقدَّسةِ، فإذا رجلٌ جالِسٌ، ورجلٌ قائِمٌ على رأسِهِ بيدِهِ كَلُّوبٌ من حَديدٍ، فيُدخلُهُ في شِدْقِهِ فيَشُقُّهُ حتى يُخرِجُهُ من قَفاهُ، ثمَّ يُخرجُهُ فيُدخلُهُ في شِدْقهِ ِالآخَرِ، ويَلتئِمُ هذا الشِّدقُ فهو يَفعلُ ذلِكَ به، فقُلتُ : ما هذا ؟ قالَا : انطلِقْ، فانْطلقْتُ مَعهُما.. وفي آخر الحديث يوضّحان للنبي ﷺ “أمّا الرجلُ الأوَّلُ الّذي رأيتُ ؛ فإنَّهُ رجلٌ كذَّابٌ، يَكذِبُ الكذِبَةَ فتُحمَلُ عنهُ في الآفاقِ، فهوَ يُصنَعُ بهِ ما رأيتَ إلى يومِ القيامةِ، ثمَّ يَصنعُ اللهُ تعالَى بهِ ما شاءَ”.
والآن ومن وسائل الاتصال الكثيرة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي. تجد منشور على فيس بوك أو تغريدة على تويتر، يُمكن أن تصل إلى ملايين الناس. فلو كانت كذبة.. تخيّل!
أشد الكذب
وهو أن يكذِب الإنسان على ربّه عزّ وجل. فيفتري في الدين، وينسب أشياء ليست في دين الله على عز وجل.
يقول تعالى “وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ”.
أكذَب إنسان على وجه الأرض من يكذب على الله وعلى دينه.
وأيضًا بعدها من يكذب على الأنبياء والرسل. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم “من كذب عليّ مُتعمدا”.. ينسب حديث للنبي ﷺ وهو ليس بحديث، يا كذاب، تكذب على رسول الله ايها الكاذب؟.. في تكملة الحديث “فليتبوأ مقعده من النار”.
حتى لو نيتك حسنة لا يجوز، تنسب للنبي ﷺ قولا لم يقله!
وكذلك أن يكذب الإنسان أحيانًا فيظلم به خلق الله عز وجل، وينشر الكذب على الناس والعياذ بالله، ويفتري على البشر. هذا كيف سيلقى الله جل جلاله.
كلام عن الصدق والكذب
يقول النبي ﷺ “دعْ ما يُريبُكَ إلى ما لا يُريبُكَ فإنَّ الصدقَ طُمأنينةٌ وإنَّ الكذبَ رِيبَةٌ”. أي أن الأشياء المتشكِّك منها اتركها، المعلومات المغلوطة لا تنقلها. ففي الحديث الشريف “كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع”.
كل تويته تعيد نشرها، كل رسالة تنشرها، كل شيء يأتيك في الواتساب تنشره في المجموعات مباشرَةً. اتّق الله وتثبّت.
وتكملة الحديث “فإنَّ الصدقَ طُمأنينةٌ وإنَّ الكذبَ رِيبَةٌ”.. فالصادق مطمئن مرتاح لأنه صادِق. هكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصدق الناس.
الأنبياء كانوا صادقين ولهذا ووصفوا بالصدق. هؤلاء هم الأنبياء لمن أراد العظة والعبرة.
التربية على الصدق
انظر كيف كان يُربّي النبي ﷺ أصحابه -حتى في الإحراج لا تكذب، حتى في المزاح لا تكذب- جواري -بنات صغار- دخلنَ على النبي ﷺ فأعطاهم لبنًا، فاستحين، فقُلنَ يا رسول الله لا نشتهيه -هُم كانوا يشتهونهُ لكن من الحياء قالوا لا نشتهيه- ابتسم النبي ﷺ وقال “لا تجمعن كذبًا وجوعًا”.
ولما رأى امرأه تعِدُ طفلها بتمر فلما جاء قال “أعِندك تمر؟” قالت نعم، قال “والله لو لم تفعلي لكتبت عليكِ كذبه”. حتى مع الأطفال، لا نعوّد الأطفال على الكذب، نعوّدهم على الصِّدق ولو كان على أنفسهم.
هكذا كان الأولون والصالحون، ماجربوا في حياتهم كذبا أبدًا، حياة الصدق من عاش عليها لقيَ الله بالصدق وكتب في سجل الصديقين، وما أجمله من سجل.
أعظم الكذب
من أعظم الكذب أن يفتري الإنسان على الناس ويظلِمَ غيره. هذا ما حصل في عهد النبي ﷺ عندما اتهمت زوجته عائشة ووصفوها بالإفك العظيم. إنها صفات المنافقين والسذج من يصدق هذه الكلمات ويطلقها بين الناس.
قال تعالى “إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ”.
أيها الأبرياء المساكين اصبروا واحتسبوا. فالخير قد لا يكون كله في الدنيا، قد يؤجِّله الله لليوم الآخر. فظلم الناس لك كله حسنات.
أيضًا من الخير أن يعرف الناس الصادق من الكاذب، فيقول تعالى “لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ” هذه الكذبات وهذا الظلم للأبرياء، ومنه ما وقع على الطاهرة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم “ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ”.
فإيّاك والكذب، فأخطر الكذب البهتان على خلق الله عز وجل، ولو شاء ربك لعذبهم وأخذهم بعذاب عظيم، أولئك الذين يطعنون بالبشر. لكن الله عز وجل يمهل بعضهم حتى يتوب أو يؤخر لهم العقوبة في يوم لا يتأخرُ فيه العقاب.