الحب هو جنة الدنيا، وفراق المحبوب هي نارها، فبقدر ما يمنحنا الحب من السعادة والأمل والفرح بقدر ما يأخذ منا الفراق، ومع أن الفراق وجع لا يبرأ أبدًا إلا أنه قدر المحبين في هذه الحياة، وهو لازم من لوازم الحب وتوابعه، فنحن نفارق من نحب باختيارنا أو رغما عنا، وقد يكون الفراق في الدنيا ببعد المسافات وقد يكن الفراق بالانتقال من الحياة إلى الموت، فكل حب يهدده الفراق…
وكما قيل: (أحبب ما شئت فإنك مفارق)، ولكن رغم أوجاع الفراق وناره التي تحرق الأفئدة إلا أنه أحيانا يكون علاجًا لآفات الحب وأمراضه ونهاية لعذاباته، وفي ذلك المعنى يقول أحدهم:
لنفترق
كي لا يصيرَ حبُّنا اعتياداً
وشوقنا رماداً
وتذبلَ الأزهارُ في الأواني
كُن مطمئنَّ النّفسِ يا صغيري
فلم يزَل حُبُّكَ ملء العينِ والضّمير
ولم أزل مأخوذةً بحبّكَ الكبير
ولم أزل أحلمُ أن تكونَ لي
يا فارسي أنتَ ويا أميري
لكنّني، لكنّني
أخافُ من عاطفتي
أخافُ من شعوري
أخافُ أن نسأمَ من أشواقنا
أخاف من وِصالنا
أخافُ من عناقنا
فباسمِ حبٍّ رائعٍ
أزهرَ كالرّبيعِ في أعماقنا
أضاءَ مثلَ الشّمسِ في أحداقنا
وباسم أحلى قصةٍ للحبِّ في زماننا
أسألك الرّحيلا
أصعب ما في الفراق
الفراق في حد ذاته نار تحرق قلوب المحبين وتدميها، تأتي على مشاعر الفرحة والسعادة وتبدلها أحزانا وألما، لكن الأصعب من الفراق أن يكون الفراق مصحوبا بصفعة غدر قاسية من المحبوب، أو يأتي في لحظة تعلق مزمن بصحبته أو يكون الفراق باختياره وإرادته، فهذا النوع من الفراق يكسر الخواطر ويكسر الكبرياء أيضًا، ويخلف للروح هزيمة نكراء لا تتعافى منها إلا بصعوبة كبيرة.
لماذا الفراق يؤلمنا إلى هذا الحد العجيب؟
بينما الحب يعطينا السعادة ويمنحنا الفرحة ويجعلنا نتقبل أنفسنا ونستمتع بجمال الحياة ويغير نظرتنا إلى الحياة كليا، فنعتاده ونستمد منه القوة ففراق من نحب يفعل بنا عكس ذلك كله…
فالفراق يجعلنا نشعر بالوحدة حتى وإن اجتمعنا مع الأخرين أو بقينا في قلب الزحام، فبعد الأحبة يسقينا كؤوس الوحدة والغربة بلا هوادة ولا رحمة.
الفراق يفقدنا قوتنا ويفت في عضضنا، ويجعل القب مهموما مخذولًا، عاريا عن كل ما يستر ضعفه ووجعه.
الفراق يأخذنا إل عالم الذكريات فنبحث فيها عما يطيب القلوب ونبحث فيها عما يصبرها، لأن غياب المحبوب بعد ما ذاقت القلوب حلاوة الوصل يترك خلفه أعراضا قاسية كأعراض التي يخلفها انسحاب مخدر اعتاد عليه الجسم.
ما الذي يهون الفراق على من فرض عليهم؟
لا شيء يهون الفراق إلا الأمل في اللقاء، ولا شيء يصبر القلب إلا انتظار تلك اللحظات، فكم من قلوب افترقت سنوات كادت تنسى طريق العودة إلى أحبتها لولا أن تداركتها عناية القدر، وأهدتها لحظات تجبر الخاطر وتعوض الروح عما ضاع منها.
فمن يحب ثم يفارق فلا حيلة له إلا الدعاء، ومن فارق حبيبه بموت يستحيل معه اللقاء، فالدعاء وصل..
أصعب ما قيل عن الحب والفراق
حين يفترق المحبون فكل منهم يعيش مقسوما بين بين جسد يبقى معه وروحا تهاجر إلى المحبوب وتصحبه في رحلته.
الفراق بعد الحب كالموت البطيء، يقطع الزاد عن الروح رويدًا رويدًا حتى تضعف وتخور قواها وتستسلم لموت أكيد.
وحين يصبح الفراق قدرًا لا مفر منه، تضيق على القلوب الدنيا برحابتها، ويسكن جنباتها ظلام موجع، وتستوطن الفجيعة في الروح، فالفراق كالنار التي لا تنطفئ، تفتك بالقلوب وتوشك أن تفتك بالأجساد.
الحب والفراق كالحياة والموت، لا ينفصلان أبدًا..
وما بين لقاء ولقاء .. أودعك في قلق رهيب يحتل مساحات الوقت، أخشى أن تفرقنا السبل، ويؤلمني ذلك القلب الذي بين أضلعي، حين تراودني فكرة الفراق.
الفراق قادم لا محالة، فلا تفارقوا احبتكم طواعية، ولا تحرموا أنفسكم نعمة الوصل ما دام متاحا، غذوا أرواحكم بالوصل والقرب وأملؤا جوانبكم بالحب قبل أن تحين ساعة لا تملكون فيها إلا الندم.
لحظات الحب والوجع لا تخضع للنسيان ولا تنمحي من الذاكرة بسهولة، ولكن ثمة لحظتان أطول عمرًا وأبقى ذكرًا، لحظة اللقاء الأول حيث بداية القصة، ولحظة اللقاء الأخير حيث يسدل الستار وتكتب النهاية..