إذا أردنا أن نُخرج أجمل كلام عن الأم الغالية على قلوبنا؛ فما أعذبه من مقام جميل ومؤثر. لكِن أيُّ كلمات وعبارات تلك التي تُعبِّر عن هذا النهر المِعطاء من الحُب الفيَّاض.
كلام عن الأم جميل
قِيل لطفلٍ صغير: ما أجمل شيء في الحياة؟ فنظر إلى وجه أمه، ثم تبسم. وقيل لآخر: ما أعذب جملة نطقت بها؟ فقال: أمي؛ ونظر إلى وجه أمه.
انحصر جمال الكون فاجتمع في وجوه الأمهات.
أمي وأبي نور حياتي؛ أسأل الله أن يرحمهما كما ربوني صغيرا.
أمي الحبيبة
وسأل معلمٌ تلميذه وهو يصيف له تراب الجنة؛ فقال: إن تراب الجنة من مِسك، وأن حصبائها من لؤلؤ، وأن حشيش الجنة من الزعفران؛ تبسم الصغيرة وقال: تراب الجنة عندنا في البيت يا أستاذ؛ فتبسم وقال: تراب الجنة ينزل على الأرض، أيوجد على أديم الأرض تراب لها؟ قال: أحضِرُ لك غدًا يا أستاذ قبضات من تراب الجنة. فلما أتي من الغدِ، أتى الصغير ومعه كيس ممتلئ من الرمل -التراب- فقال له المعلم: يا بني أما قلت لك أن ترابها مسك؟ قال: هذا التراب يختلف عن كل تراب في الدنيا؛ لأن أمي مشت عليه صباح هذا اليوم، وما مشت عليه أمي فإنه من الجنة، لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم “الزم رجلها فثم الجنة”.
إن الجهاد في سبيل الله الذي يبحث عنه الصادقين من هذه الأمة، أن من الجِهاد -بل وإنه من أدق أنواع الجهاد في سبيل الله- أن تصابر نفسك وأنت تجلس بين يدي أمك، وتنظر إليها داعيًا وخادمًا؛ لأن الجهاد المراد به بذل الوسع والطاقة؛ استفراغ الوسع في إكرام من الله عليك بوجودهم في الحياة؛ إما الأب وإما الأم؛ والأم لها ثلاثة أرباع البر.
عند الكِبر في السن تبهت تلك الصورة الجميلة التي كنا ننظر إلى الأمهات بها؛ لكنها شلال العطاء، إنها نهر يتدفق من العطاء والحنان؛ ألا نرُد لها بعضًا من جَميلها، وصفحة من أيام برها؛ بلى، انظر إلى وجه أمك فإنه أجمل صورة في الكون.
بِر الأم كفارة للذنوب
جاءَ رجلٌ إلى بن عباس -رضي الله عنهما- يشتكي إليه أنه قد قتل امرأة كان يُحبها.
كان يعشقها؛ فلما جاء يوم إلى أهلها، أخبروه أنها قد تزوَّجت. حينها غضب من هذا الموقف وما كان منه إلا أن أطاع الشيطان وقتل تلك المرأة.
جاء لابن عباس يشتكي إليه الألم الذي يشعر به بعد قتلها، مع أن أولياء الدم قد عفو عنه.
يريد عملا صالحا يُدنيه من ربه؛ يقربه إلى الله. أتدرون ماذا قال ابن عباس رضي الله عنهما لقاتل المرأة، مع أن القتل كبيرة وجريمة، فقال له: هل لك من أم؟
قال: نعم. قال: بر أمك.
فسأله عطاء بن رباح -رضي الله عنه-: يسألك عن القتل وتسأله عن الأم؟ قال رضي الله عنه: لا أعلم شيء في دين الإسلام أقرب إلى الله -أي من الطاعات- إلا بر الأمهات.
وهنا معاشرة الأبناء؛ إذا كان البر كفارة للكبائر، فماذا نريد بعد هذا الباب العظيم من الأجر الذي فتحه الله جل وعلا لمن أذنب أن ينيب عبر بوابة بر الأم وبر الأب؛ فماذا يريد الأبناء بعد هذا الفضل العظيم لبر الأمهات والآباء؛ إذا كان البر يكفر الكبائر كما قال ذلك الإمام أحمد -عليه رحمة الله- قال إن بر الوالدين يكفر الكبائر.
فما أعظم أن يكون لك باب من أبواب كفارات الذنوب، أن تكون لك أم أنت بها بَر؛ تتقلب تحت قدميها وتقول: يا حلوه اللبن خدي ما شئتِ.
جميل في الحياة أن نكفر ذنوبنا عبر بر أمهاتنا وآبائنا؛ فعودوا معاشر الأبناء إلى أقدام الأمهات فالزموها، فثمت الجِنان وثمت السعادة؛ بل أنها كفارة الذنب وكفارة الخطيئة.
ثم بعد ذلك قولوا لأمهاتكم: سامحيني يا قرة العين؛ وابدأ في بوابة طاعةٍ جديد، هنيئا لمن كانت له أم هو بها بر.
قصة محمد المُتبرِّع بكليته لأمه
ما أجمل أن يكون قطعة من بدنك في بدن أمك؛ كيف يكون ذلك والأصل أن الدماء في عروقك من دماؤها؟
شابٌ يسمى محمد، كان موظف وله دنيا وله مرتب، رأى أمه تتألم؛ وقد فشلت كلاها “الكلية”؛ كان يرافقها فترة من الوقت طويلة، جلَس عِندها يقرأ على رأسها القرآن حتى عادت إليها بعض العافية وعادت إلى البيت.
ما رضيَ محمد أن تكون هذه الأم في عناءٍ وفي عذاب؛ أراد أن يتبرع لها بكليته. ولكن أمه أقسمت بالله ألا يفعل.
حاول كثيرًا معها، لكنها تستمر بالرَّفضْ.
وفي يوم من الأيام بشرها أنه وجد متبرع؛ وبدأت مرحلة الانفراج وانشراح صدر الأم.
اتصلت المستشفى بالبيت: الكلية قد وُجِدَتْ؛ هلمي إلى المستشفى.
ذهبت الأم العجوز للمستشفى وبحثت -قبل ذلك- عن ابنها لم تجده؛ فلما دخلت المستشفى وبدأت إجراءات العملية؛ التفتت على يمينها -وقد سُجِّيَتْ على سرير العمليات- تنظر أين محمد؟ تريد أن يرى ابنها فرحتها قبل دخول غرفة العمليات.
نعم؛ التفتت على اليمين فوجدت رجُل مسجَّى، والأكسجين على أنفه، وبدأت عمليته قبل عمليتها.
نظرت إليه؛ فإذا هو ابنها محمد.
صرخت بأعلى صوتها: لا، لا.. لكن الأكسجين المخدر كان أسرع.
أفاقت بعد أيامٍ؛ فإذا بابنها محمد قد مسك يدها ويقبلها، لأن السرير جاور السرير؛ وقالت له: لماذا يا ابني؟ لماذا يا محمد؟ أنا أقسمت بالله عليك.
قال لها: والله تمنيت أن القلوب تهدى؛ أماه هذا البدن وهبني الله إياه، وأنتِ السبب؛ فلا تبخلي عليَّ أن أنقل إليكِ قطعة مني.
وهنا؛ تدمع عين الأم، ودموع عيني الأم هنا كأنها تقول: بارك الله لك.
لكن أيها الأبناء؛ والله لو نقلنا القلوب ونقلنا الكلى، وفتتنا الأكبد، ولو نزعنا العيون والمُقَلْ والحدقات لا نرد المعروف للأمهات.
فكونوا عطاء للام؛ وإياكم أن تستكثروا شيئا على الأم؛ فقد جعلها الله سبب الحياة لك، فكن أنت سبب السعادة لها.