حدَّدت الأوقاف المصرية موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان: كيف نستعيد قيمنا وأخلاقنا الجميلة. والذي يوافق ٣٠ مُحَرَّم ١٤٤٢ (الثلاثين من مُحَرَّم للعام ألف وأربعمائة واثنان وأربعون) ١٨ من شهر ٩ عام ٢٠٢٠ ميلادية.
خطبة الجمعة القادمة
وفيما يلي، سنقدم لكم خطبة مكتوبة بعنوان: كيف نستعيد قيمنا وأخلاقنا الجميلة “ليست الرسمية، ولكنها لتزويدكم بمزيد من النقاط والفائدة حول موضوع الخطبة”.
كيف نستعيد قيمنا وأخلاقنا الجميلة
الحمد لله المتفرد بالكمال، والجامع لمعاني الجلال، القادر على كل شيء، لا يقع في ملكه شيء إلا بعلمه وإذنه، ابتلى أهل الأرض ببلاء، أصاب به من شاء، وأنجى منه من شاء، وأخذ به من عباده ممن حان أجله من شاء، أعجز خلقه عن الدواء، ليعلم من في الأرض والسماء أنه وحده القادر على رفع البلاء وكشف الداء.
والصلاة والسلام على خير الخلق وسيد الأنام، وعلى من سار على نهجه واستقام، ثم أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي حبيبه ومصطفاه، الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق، فكان عليه الصلاة والسلام آية في الخلق القويم، والنهج المستقيم، شهد له أعداؤه قبل أصدقاؤه، وشهد الله عز وجل بحسن خلقه وعظمته ونبل طباعه من فوق سبع سماوات في كتاب يتلى إلى ما شاء الله، حيث يقول في سورة القلم في معرض الرد على المشركين المضللين الذين بالغوا في اتهام النبي -صلى الله عليه وسلم- تارة بالجنون وتارة بالسحر:
(وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ).
وكيف لا يكون خلقه عظيماً وقد علمه الله عز وجل وأدبه فأحسن تأديبه فكان خلقه القرآن كما قالت عنه زوجته الصديقة بنت الصديق (كان قرآناً يمشي على الأرض)، أما هو عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فقد قال عن نفسه: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وبما أننا في عصر كثر فيه الفساد وساءت أخلاق العباد، وخربت الضمائر والذمم فما أحوجنا إلى استعادة القيم الطيبة والأخلاق النبيلة، والمبادئ الراقية التي تنهض بها الأمم وتستقيم أحوال البلاد والعباد، لذا فسيكون موضوع خطبة الجمعة اليوم هو الإجابة عن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح (كيف نستعيد قيمنا وأخلاقنا)، ولكن قبل الدخول في هذه النقطة يجدر بنا التعرض لتعريف الأخلاق ومفهومها، وأهميتها وكيف حثت عليها الشريعة الإسلامية ودعت إليها.
معنى الخُلق
الخلق مفرد أخلاق وهي حال النفس التي تصدر عنها الأقوال والأفعال وهي السجية والطبع، وتنقسم الأخلاق إلى أخلاق حسنة، وأخلاق سيئة.
وقد دعت الشريعة الإسلامية إلى حسن الخلق من خلال القران الكريم الى الأخلاق، أمر الله جل وعلا بالأخلاق في كثير من الآيات الكريمة ومنها قوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) ولقد أثنى الله سبحانه وتعالى على أخلاق الأنبياء والمرسلين قفال: في وصف إبراهيم -عليه السلام- (وإبراهيم الذي وفى) وقال في حق إسماعيل عليه السلام (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً وكان يأمر أهله بالصلوات وكان عند ربه مرضياً).
كما أمر الأمة بأثرها في شخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمحاسن الأخلاق فقال جل وعلا:
(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين).
أما دعوة السنة النبوية المطهرة لحسن الخلق فنلمسها في كثير من المواضع، منها: قوله -صلى الله عليه وسلم-:
(إنَّ أقربَكم منِّي مجلسًا أحاسنَكُم أخلاقًا الموطَّؤونَ أَكْنافًا الَّذينَ يألفونَ ويؤلفونَ)
ولقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أساس دعوة الإسلام وعمادها موضحا لنا أنه تعزيز مكارم الأخلاق والارتقاء بها.
أما أهمية الأخلاق في بناء المجتمعات والنهوض بها وسلامة بنيانها فهي عظيمة لا يغفلها عاقل ولا يتجاهلها فاهم، فالأخلاق هي التي تحكم تعاملات أبناء المجتمع وتوجهاتهم وسلوكياتهم مع بعضهم، وهي التي تضع أطراً لعلاقاتهم، فإن استقامت الاخلاق صلحت العلاقات وصفت النفوس من الكدر والحقد والحسد وانخفض معدل الجريمة والاعتداءات، بينما تفشي الرذائل وغياب الأخلاق ينجم عنه الكثير من الظلم والفوضى والجرائم بشتى درجاتها وتصنيفاتها، وينشأ عنه خلل بين في بنية المجتمعات واستقامتها.
ولا عجب فقد قال بعض الشعراء:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
أما كيف نستعيد أخلاقنا وما أوشك أن يتلاشى من قيمنا الطيبة والأصيلة والبناءة فإن هذا يتطلب التحرك في عدة اتجاهات لعل أهمها ما يلي:
العودة إلى كتاب الله عز وجل
عباد الله والله ما كنا لنزيغ أو نضل الطريق وتتوه منا معالم الحق من الباطل، وتندثر قيمنا وتتراجع أخلاقيات مجتمعاتنا إلى هذا المستوى الذي حقا يدعوا للأسى والأسف لو لا أننا ابتعدنا عن كتاب الله، ابتعدنا عن قراءته وتبدره، وهجرناه وقصرنا في دراسته واستكشاف كنوزه ودرره وجواهره، وهذا لعمري أمر حتمي ونتيجة متوقعة.
فإن لنا في كتاب الله عز وجل مصدراً للهدى ومرجعاً. فبين دفتيه أرقى وأنقى التعاليم والمثل والقيم التي لو تمسكنا بها لجاوزنا الأمم ولسبقنا المجتمعات ولصلح أمر ديننا ودنيانا، ولصلحت علائقنا واستقامت حياتنا، وعوفيت بلادنا ومجتمعاتنا من آفات الجريمة والشطط والسلوكيات الشاذة والظواهر المرعبة التي باتت تتفشى في مجتمعاتنا، وتنتشر كانتشار النار في الهشيم.
فهي دعوة نوجهها من منبرنا هذا للعودة إلى كتاب الله وإقامة حروفه وحدوه لما في ذلك من العلاج الشافي والدواء الكافي من الكثير من الأوبئة الأخلاقية التي لحقت بنا ومسنا ضررها.
ثم التمسك بسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ففيها كل الخير ومنها نستقي أجمل الأخلاق وأرقاها وأجملها، فلو اقتفينا أثره الشريف واقتربنا من سيرته وتعرفنا على أخلاقه في بيته ومع زوجاته ومع أصحابه.
بل لو تعرفنا على منهجه مع أعدائه ومن يمكرون به ويكيدون له، لعرفنا كيف تكون الأخلاق وكيف ينبغي أن يكون التعامل المثالي بين أبناء المجتمع الواحد وبين مجتمعات الدنيا بأسرها، ولو اقتربنا من القيم التربوية والأخلاقية والمبادئ السلوكية التي تبناها في تربية أصحابه وابنائهم من الصبية الذين تربو في كنفه الشريف واستقوا من نبع تربيته النبوية الطاهرة، لعثرنا على كنوز أخلاقية غالية.
لذا ينبغ أن نستعيد الاهتمام بدراسة السيرة النبوية ونجعلها ضمن المناهج التعليمية الدراسية وخاصة في المرحل التعليمية المبكرة.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على حبيبه ومصطفاه، وخير رسله وصفيه من خلقه ومجتباه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله على يديه الغمة، ثم أما بعد:
فنعود للطرق التي من شأنها أن تعيدنا إلى سابق عهدنا من طيب الأخلاق وصالح القيم، ومنها دراسة سير الصحابة، والتابعين من أئمة الإسلام والسلف الصالح، ففي سيرهم الكثير من النفع وتعزيز القيم والأخلاق الكريمة التي استقوها من نبعها الصحيح، وتعلموها من أهلها، وقد أوصانا النبي أن نهتدي بأصحابه ونأخذ عنهم سنته، ونأخذ تعاليم ديننا وأخلاقياتنا، فكتب التاريخ الإسلامي زاخرة بالعجب العجاب من حسن الخلق ونبل القيم التي ترقى إلى المثالية، وتفوق في روعتها ورقيها أعتى المناهج التربوية الحديثة، فقط نحن بحاجة إلى العودة إلى تراثنا الغني بكل ما هو نافع وبناء.
إحياء القيم التي أوشكت على الاندثار من خلال التوعية التربوية في المدارس والجامعات، والتوعية الدينية عبر المؤسسات الدينية، والتوعية الإعلامية من خلال تسخير القوى الناعمة لتسليط الضوء على قيم المحبة والتعاون وحسن الخلق، وتقبل الآخر، والتعايش الراقي مع أبناء المجتمع، وإعلاء قيم الإنسانية والوطنية والحريات وغيره، جنبا إلى جنب مع نبذ العنف وقيم العنصرية أو الفساد والإفساد، أو الكذب أو غيره من القيم الهدامة التي تفت في عضد المجتمع.
وأخيراً وليس آخراً أقول يجب الارتقاء بوعي الأسرة لتدرك أهمية غرس الأخلاق والقيم في أبنائها منذ نعومة أظفارهم، فالأسرة تظل المسؤول الأول أمام الله وأمام المجتمع.
وختامًا، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأسأل الله أن يصلح فساد أخلاقنا ويصلح أحوالنا ويعلمنا ما ينفعنا، استغفر الله لي ولكم.
تحميل خطبة الجمعة القادمة الرسمية PDF
أصدر الموقع الرسمي لوزارة الأوقاف المصرية الخطبة الرسمية في ملف PDF يمكنك تحميلها من هنا.
تابعونا للمزيد من المتابعات لخطب الجمعة المتجددة، سواء الإلهامية أو الرسمية.