تقرأ هُنا مجموعة قصص عن الصدق والصادقين من الزّمن القديم والحديث أيضًا. مُلهمة لمن يريد العظة، كالإمام في خطبة الجمعة، والأطفال في المدارس، وفي الندوات والدروس.
ولنبدأ مُباشَرةً.. ففي المعارك، كان يتميز أهل الإيمان وأهل النفاق. لما كان النبي ﷺ يدعو الصحابة للموت في سبيل الله، فيأتي المنافقون يكذبون ويحلفون على الكذب “وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ”.
يكذبون على النبي ﷺ، يا رسول الله ما أقدر، يا رسول الله مريض، يا رسول الله ما عندي زاد. يتعذّر كذِبًا. والنبي ﷺ لهُ الظّاهر فيأذن لهم.
قصة الثلاثة الذين خلفوا
في إحدى المعارك الصّعبة، غزوة تبوك، وقع ثلاث من أهل الإيمان في الخطأ، ولم يذهبوا مع الناس للمعركة، سوّفوا حتى ذهبت القافلة وغادر الجيش.
ندِموا بعدها لكن لا ينفع النّدم، لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ المنافقون بالكذب، فلابُدّ لكل شخص أن يُبدي عُذرَه لكَي يستغفِر لهُم النّبي ﷺ. لأن التخلّف عن المعركة جريمة.
كل المنافقين كذبوا، ولم يبقى إلا ثلاثة: كعب بن مالك، هلال بن أمية، مرارة بن الربيع. فلم يكونوا ممن اعتاد على الكذِب. فأهل الإيمان والكذب لا يجتمعان.
فصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم، وعوقِبوا بالهَجر 40 يوم، ثُمّ 50 يوم، لا أحد يكلِّمَهُم ولا هُم يكلمون أحد. حتى نسائهم اعتزلوهم. عذاب نفسي شديد.
حتى أنزل الله عز وجل توبته عليهم، ما الذي نجّاهُم؟ إنّه الصدق.
الصدق ينجّي صاحبه، حتى قال الله عز وجل بعد ما نزّل توبَته على الثلاثة “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ”.
قصة الشاب المغترب.. المطرود
تَتعجَّب أحيانًا عِندما تجِد الكفار اليوم اعتادوا على فضيلة الصدق. فكثير من المجتمعات الكافِرَة اليوم عوّدوا وربّوا أبنائهم على فضيلة الصّدق لأنّه فضيلة لا يختلف عليها الناس. المؤمن والكافر، الموحد والمشرك، كل الأمم تتفق على أن الصدق فضيلة والكذب ريبة ورذيلة.
يقول أحد المغتربين، وهو شاب خليجي -يدرس مبتعث- يقول أدرِس عند عائِلة كي أتعلّم اللُّغة، وهؤلاء عندهم بنت صغيرة.
وفي يوم من الأيام قالوا نُريد أن نخرُج، هل من الممكن أن نترك معك البنت الصغيرة؟ فقال: لا بأس، اتركوها عِندي.
يقول، جلست والبنت تلعب وتلهو، فجأة كسرت كوبًا في المطبخ، فخافت وأخذت تبكي.. ماذا ستفعل أمي؟ قال لها -يريد خيرًا-: لا عليكِ، قولي أنني أنا الذي كسرته، وسأشتري كوبًا بدلاً منه، وانتهى الموضوع.
فلمّا رجعوا للبيت فال لهم أنا كسرت الكوب. فسألوا البنت، وقالت أنه كسر الكوب. فقال لا بأس سأشتري الكوب ولا مشكلة.
لكِن البنت أنّبها ضميرها ليلا، مع أنها لم تكُن مسلمة، لكنها لم تتعوّد على الكذب.
تبكي وأمها تسألها: لِمَ تبكين؟ قال: أريد أن أعترف بشيء، أنا التي كسرت الكوب وقد كذبتُ عليكِ.
لم تتحمّل أن تقول الكذِب، فالصدق فضيلة عند كافّة البشر.
وفي اليوم التالي، جلست الأم مع الشاب، وقالت له: والله ما رأينا عليك بأسًا. أنت مَن أفضل من سكن معنا بأخلاقك وطيبتك. لكن ما فعلته مع ابنتي لا يُغتفر. أنا ربّيت بنتي على الصدق فلن أسمح لأحدٍ أن يؤثر عليها.
قال: ما قصدت، قالت: حتى وإن لم تكُن تقصِد. نحن علّمناها أن تقول الصدق دومًا. فابحث لك عن بيت آخر.
وفعلا خرج من هذا البيت.
انظر كيف تربّي هذه الأمم أبنائها على الفضيلة، وبعض الناس عندما -لن نقول كل الناس- أسهل ما عنده الكذب ويتحرّى الكذب، حتى يُكتَب عِند الله كِذّابا. صفة النفاق وأهل الكذب.
الأنبياء لا يكذبون
أنبياء الله، يصِفهم الله عز وجل في آيات من القرآن الكريم، إسماعيل وصفه الله “صادق الوعد”، وإدريس وصفه الله “صديقًا نبيّا”، هؤلاء هم الأنبياء، لا يقولوا إلا الصدق.
حتى نبينا صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشّريف “إنِّي لأمزح، ولا أقول إلَّا حقًّا”. يعني في جَدّي وفي هزلي، في غبي ورضاي، في كل وقتي لا أقول إلا الصدق والحق.
قصة عبد القادر الجيلاني
رجل صالحٌ عابِد اسمه عبد القادر الجيلاني. في إحدى السفرات قطع اللصوص طريقهم ومسكوهم. وقالوا لكل واحد منهم أخرِج ما في جيبك من أموال.
ووصلوا لعبد القادر الجيلاني، قالوا له: كم معاك؟ قال: أربعين دينارًا. وهذا الرّقم بالنسبة لهم كان كنزًا.
قالوا: ماذا تقول؟ تهزأ بِنا؟.. وتركه الرّجل ظانًّا أنّهُ يستهزئ به.
فجاءهُ الآخر، قال: ماذا قلت له؟ قال: لديّ 40 دينار. قال: تكذب. قال: لِمَ أكذِب؟
فأخذه إلى زعيمهم -زعيم العصابة- قال له: كم معك؟ قال:عندي 40 دينار. قال: أخرِجها. فأخرج 40 دينار فعلاً!
فقال: لِم اعترفت بهذا؟ قال: عاهدتُّ أمي مُنذ صِغري ألّا أقول في حياتي إلا الصدق.
فقال: لصدقك سأعفو عنك وعن أصحابك.
فأرجعوا الناس أموالهم وتركوهم.
الصدقُ ينَجّي والكذبُ يُردي ولا مساواة بينهما. أبدًا والله لا يستويان.
قصة أبو منصور الدينوري
أحدُ الصّالحين رؤيَ بالمنام، اسمه أبو منصور الدينوري، رآه أحد أصحابه بالمنام.
فقال له: ما فعل الله بك؟
قال: غَفَر لي، ورحِمني، وأعطاني ما أتمنّى.
فقال له: ما أحسن ما يتوجّهُ بِه العبد إلى ربّه؟
فقال: أحسن ما يتوجّهُ بِه العبد إلى ربّه الصدق. وأقبحهُ الكذب.
فما نجّاهُ إلا الصدق. وما يُردي الكثيرين إلا الكذب.
قصة الصّديق أبو بكر
أصدق الناس من؟ محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، وكان يُسمّى الصادق. ولما جاء لأهل قريش وأخبرهم بخبر الإسراء، أنه ذهب الى بيت المقدس ورجع في نفس الليلة، لم يُصدّقوه. قالوا الآن عرفنا كذبك! فقد كذّبوه وقالوا اذهبوا إلى صاحِبه -دائما يصدِّقه، ويقول هذا لا يكذب وهذا صاحبي- إنّهُ أبو بكر.
فقال المشركون: اذهبوا إلى صاحبه وأخبروه بالخبر، وانظر ماذا سيقول؟ -ظانّين أنّه الآن لن يستطيع أن يُصَدِّقَهُ- فلما جاءوا لأبي بكر -أبو بكر ما سمعها بنفسه من النبي ﷺ- قالوا: سمِعت ما يقول صاحبك؟ قال: وما يقول؟ قالوا: يقول أنه ذهب إلى بيت المقدس ورجع في ليلة واحدة.
مباشرةً قال أبو بكر: إن كان قد قال فقد صدق.
فأنزل الله عز وجل “وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ”. ومِنها سُمّيَ أبو بكر “الصديق”.