لطالما كان -ولا زال- الجميع يبحث عن قصص عن الأمانة في عهد الرسول والصحابة. منهم براعِم رياض الأطفال، وطلاب المدارس، طلبة العِلم، أئِمَّة وخطباء المساجِد، الشيوخ والوُعَّاظ؛ حتى كتبة الأبحاث العلمية والرسائل. الجميع ينشُد قصصًا ليسوقها كأدلة وتوثيقات على خُلُق الأمانة في عهد النبي ﷺ وصحابته الكِرام -رضوان الله عليهم-؛ ونحن هنا من أجلِ ذلك.
٤ قصص عن الأمانة في عهد الرسول والصحابة
أليوم؛ نسوق إليكم جمْع من أجمل القصص عن الأمانة في عهد الرسول ﷺ، وكذلك الصحابة الأبرار -رضي الله عنهم-.
١. قصة عن أمانة الرسول ﷺ
القصة الأولى لمحمد قبل البعثة، حيث لم يكن نبيًا أو رسولا. حيث جدَّدت قريش بناء الكعبة، واختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود. حيث كانت تتسابق القبائِل لتنال شرف وضعه في مكانه.
حتى كادوا أن يقتتلوا. وهذا لشرف ومكانة الحجر الأسود.
وأخيرا هُدوا إلى تحكيم أول من يدخل عليهم من هذا الباب، فإذا بِه محمد بن عبدالله. ففرحوا عندما وجدوه هو الذي سيؤول إليه الأمر، وقالوا: رضينا بالأمين حَكَمًا.
هذا لأنهم يعرفونه بالأمانة، وأنه لن يُحابي فئة على فئة، أو قبيلة على قبيلة. بل كان الصَّادق الأمين حتى قبل بعثته ﷺ.
ثم اتَّحدَت الحكمة والذكاء والأمانة في قلبه وعقله ﷺ. فأوصاهم أن يضعوا الحجر الأسود على قِطعة قماش، ثم يمسك كل منهم بطرف من هذا الثوب القماشي حتى وصلوا به إلى مكانه، ثم أخذه النبي ﷺ ووضعه في مكانه.
تأملوا مدى ما اشتهر به -صلى الله عليه وسلم- من الأمانة، حتى قبل بعثته الشريفة، وما استقر ورسخ في أذهان أهل قريش، حتى أنهم يحتكموا إليه في شيء كبير وعظيم كهذا.
٢. قصة عن أمانة النبي صلى الله عليه وسلم
لُقِّب نبينا محمد ﷺ بالصَّادق الأمين، فلما علِمَت السيدة خديجة بذلك، دعته ليخرجا بمالها متاجرًا.
فلما رجع رسول الله من تجارته، جاء بالأرباح الكثيرة. بركة من الله -تعالى- وتيسيرًا، وأيضًا من أمانته وحِنكته.
وحكى لخديجة غلامها عن أخلاقه وصدقه وأمانته. لا يكذب، ولا يغش؛ يتاجر ويربح دون كذبًا أو غشًا أو زورًا.
وهذه رِسالة قويَّة مدوية لكل من يتساهل في الكذب والحلق والتضليل ليكسب مالا أو يسير تجارة أو يتمم بيعًا أو شراءً، بحجة أن الحلف الكاذب وخيانة الأمانة والغِش يساعده على الكسْب، وأنه لولا هذا لما ربح ولا اقتات.. لكِن أين نحنُ من أخلاق النبي ﷺ!
كان النبيُّ أمينًا وظل أمينًا، هذا قبل وبهد البِعثَة، حتى وافته المنيَّة ﷺ ولقى ربه -سبحانه وتعالى-.
٣. قصة قصيرة عن أمانة النبي حتى مع أعدائه
كان النبي ﷺ في حال اضطهاد من قريش بسبب دعوته إلى عبادة الله وحده، وترك ما يُعبد من دونه -سبحانه وتعالى-. فكان يُلاقي منهم كثير الأذى والاضطهاد هو وأصحابه.
وعِندما أراد أن يهاجر من مكَّة إلى المدينة، وجد نفسه مطوَّقًا بالأمانات. هذه الأمانات التي كان يحفظها عنده أعدائه، الذين يكيلون له السَّب والأذى كيلا. إلا أنهم حينما أرادوا حِفظ ما يهمهم من أماناتٍ اختاروه هو تحديدًا، لما يعلمونه عنه من أمانةٍ وصِدق لا غُبار عليه.
الآن هو نوى الهجرة، فماذا سيفعل مع هذه الأمانات؟
هي لأعدائه، لكنها أمانات مُستحَقَّة؛ وهو ﷺ الأمين الذي لا يخون ولا يغدر ولا ينتهك عهدًا.
فترك النبي -صلّى اللهم عليه أفضل صلاة وأتمَّها- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مكلفًا بتوزيع هذه الأمانت إلى أهلها، كل أمانة إلى صاحبها.
وهنا يتجلَّى امتثال النبي ﷺ لأمر الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم، حيث قال -تبارك وتعالى- في سورة النساء ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾.
وكما فعل رسولنا الكريم ذلك، يحثنا ويأمرنا كذلك نحن أن نفعل مثله وأن نقتدي به.
٤. قصة عن أمانة الصحابة
جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-، أحد الصحابة الذين نروي عليكم قصته الرَّائِعة هذه.
أرسل هذا الصحابي الجليل خادمه ليشتري له فرسًا. فما لبث أن ذهب الخادم واشترى الفرس.
فلما رأى “جرير” هذا الفرس، قال لخادمه: بكم اشتريته؟ قال: بـ٤٠٠ دينار.
فتفاجأ، وقال -مُتعجِّبًا- هذه بـ٤٠٠؟ ورضي صاحبها؟ قال الخادم: نعم؛ عرضها واشتريتها.
قال: أتعرفه إذا رأيته؟ قال: أظن. قال: أرجع إلى السوق فائْتِ بِه.
فذهب الخادم للسوق، ووجد البائِع، فأتى به لجرير. فقال له: أبِعت فرسك هذا بـ٤٠٠ دينار؟ قال: نعم. قال: ورضيت؟ قال: نعم. قال: لكن فرسك هذا يعدِل أكثر من ذلك.. تبيعه بـ٥٠٠ دينار؟ قال: نعم. قال: لا، يعدِل أكثر من ذلك. حتى وصل معه في سعر الفرس إلى ٨٠٠ دينار.
ثم التفت إلى خادمه، وقال له اعطه ٤٠٠ أُخرى.
فلما أخذ الرجل المال وانصرف، ناداه؛ وقال له: ليس بي جنون، ولكني بايعت رسول الله ﷺ على النصح لكل مسلم.
انظروا إلى هذا الصحابي الجليل، الذي جعل النصح لأخيه المسلم أمانة، الذي جعل إحقاق حق وثمن أمانة، الذي جعل حقوق الناس أمانة
وبعد أن قدمنا لكُم أعلاه أربع قصص عن الأمانة في عهد الرسول والصحابة. لدينا حديثًا مطوّلا عن هذا الموضوع بالِغ الأهمية، فهيا نُكمِل ونسرد الخير والعِلم فيما بقي في مقالنا.
وهنا من أجلِكُم: ٦ آيات قرآنية و١٢ حديث عن الأمانة.. مرجع ضخم وموثَّق
أمانات ضائِعة
ومن أعظم الأمانات هذا الأب في بيته، أنت أبٌ ولك ذرية وزوجة ستسأل عنهم يوم القيامة؛ ماذا فعلت بزوجتك؟ ضيعتها؟ ماذا فعلت بأولادك من بنين وبنات؟ ضيعتهم أم حفظت هذه الأمانة؟
إن هذه الأمور مهمة جدًا؛ فإذا لم ينظر إليها الإنسان بنظرة الجديَّة، ويحافظ عليها، وإلا إنه سيسأل يوم القيامة وستكون عليه خزي وندامة.
تخيل أن رجلا من الناس وُلّيَ على أمر من الأمور، وفوق رأسه شخص يرصد عليه كل شيء؛ هل سيخون؟ هل سيلعب بالأموال؟ هل سيتصرف كما يشاء؟ بالطبع لا، فوق رأسه رقيب. ماذا يفعل بهذا الذي يكتب ويوصِد ويرفع؟ أتريده أن يُعفى من منصبه؟
حسنًا؛ أما تتذكر يوم القيامة؟ قبل أن تتذكر حال الدنيا والإعفاء من هذه المناصِب؟
وفي آخر الزمان تُقبَض هذه الأمانة. سائل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال «إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».
والآن -للأسف- موجود من الناس من يأتي ويأخذ مناصب وولايات وأماكن وإدارات وليس أهلا لها، وهذه علامة على قرب يوم القيامة. وهذا يدل دلالة عظيمة على نبوته -صلى الله عليه وسلم-.
هل من توبة لمن خان الأمانة؟
سؤال عظيم وليس سهلا؛ لكن، الحمد لله، التوبة مفتوحة؛ ويستطيع أن يتوب.
وشروط التوبة المعروفة لدى الجميع:
- الإخلاص لله جل وعلا.
- الإقلاع عن الذَّنب وعدم الرجوع إليه.
- الندم على ما فات.
- أن تكون التوبة قبل فوات الأوان، وقبل غرغرة الروح.
- رد الحقوق إلى أهلها.
- وبشأن هذا الأخير؛ فهناك منها نوعان أيضًا:
الحقوق المالية
فإن اختلست مالا أو استوليت على مكان أو أخذت شيئا -ولو عود أراك- رده إلى صاحبه، رده للمؤسسة، ردّه للشركة، رده لجهته.
لأنه لا حق لك فيه، وستُسأل عنه يوم القيامة.
وبالمناسبة؛ أضِف إلى ما سردناه أعلاه من قصص عن الأمانة في عهد الرسول والصحابة أذكر لكم موقف حصل في عهده -صلى الله عليه وسلم- تحريكًا للقلوب واستشعارًا لعِظَم هذه الأمانة.
عبدٌ كان عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي غزوةٍ من الغزوات، والصحابة راجعون ومعهم النبي عليه الصلاة والسلام من الغزوة؛ ولم يغنموا إلا الخِرَق والأقمشة، إذا بسهمٍ وصل إلى ذلك العبد فمات.
فقال قائل: هنيئا له الشهادة، أو هنيئا له الجنة. فقال عليه الصلاة والسلام «بل، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارا».
تخيَّل! شملة.. قطعة قماش أعجبته، فأخذها. ونزل عليه سهم، فمات، فظَن الصحابة أنه شهيد. انظروا إلى عِظم هذا الأمانة.
قطعة قماش يا ما أخذت الأموال، يا من استوليت.. اتق الله -جل وعلا- وردها إلى أهلها.
الحقوق المعنوية
فإن كانت الحقوق معنوية، كرجل سببته أو اغتبته ونلت من عِرضه؛ ما الحل؟
هناك خلاف بين أهل العلم؛ والذي رجحه ابن تيمية وتابعه الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله-؛ يقول: إذا كان الأمر قد وصل إلى ذلك الرجل فاذهب إليه واستحلله، أي اطلب منه أن يسامحك ويعفو عنك. فإن لم يصل إليه، فتلك الغيبة أو الاستنقاص أو النيل من عِرضه، فلا تذهب إليه. لماذا؟ لأنك ستزيده بدل الأذى اثنين. لماذا؟ لأنه لم يعلم بحالك وبما فعلته أصلا سابِقًا. لكِن كيف إذا أتينا يوم القيامة، ماذا سنفعل؟
الحل أنك تكثر من الدعاء له والاستغفار له. لا تتركه في دعوةٍ تدعوها، والأماكن والمجالس التي كنت تتكلم فيها عليه، تكلم فيها له بذكر ما فيه من الخير والحسنى.
لا يوجد إنسان لا يوجد فيه ذرة خير، الحمد لله الخير موجود في أُمَّة النبي عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة.
فلا تنال من عِرض أخيك المسلم.
ثم ماذا؟
وبعد قرائتك هذه، لا يكن مجرد كلام نقرأه فحسْب. لا بد من أن تجلس مع نفسك وتنظر الأمانات التي ضيعتها،ثم ابدأ بالتوبة والرجوع إلى الله -جل وعلا- واستغفر الله واطلب الغفران ممن نِلت من عرضهم، والدعاء لهم، وأَثْنِ عليهم في المجالس التي كنت تغتابهم فيها؛ قبل أن تأتي يوم القيامة لا درهم ولا دينار ولا متاع فتصبح من المفلسين.. نعوذ بالله أن نكون كذلك.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم في هذا المقال أن يصلح حال المسلمين؛ اللهم صل حالنا يا رب العالمين. وأن يجعلنا ممن يحفظون الأمانة، ونعوذ يه -سبحانه- من الخيانة.