عليك أن تتحقق من أي خبر قبل أن تتصرف أي تصرف، فهل تعلم كيف تحقق نبي الله سليمان من خبر الهدهد قبل أن يحاسبه، وهذا ما سنتعرف عليه من خلال قصة نبي الله سليمان.
قص الله علينا كيف أراد نبي الله سليمان أن يتحقق من كلام الهدهد قبل أن يعاقبه، فأرسله بكتابه إلى ملكة سبأ وقومها، لقوله تعالى (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ | اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ | قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ | إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ | أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ).
فلما وصلها الكتاب جمعت أشراف قومها، وأخبرتهم بشأنه ومضمونه.
ماذا كان موقف ملكة سبأ وقومها؟
قال تعالى (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ | قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ | قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ | وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ).
هذا ما تحدثت عنه الآيات من الثانية والثلاثين إلى الخامسة والثلاثين، فقد طلبت ملكة سبأ الاستشارة من قومها فأجابوها بأنها صاحبة الرأي، فحذرتهم من مواجهة سليمان بالعداوة، ثم أخبرتهم بأنها سوف تبعث إليه بهدية.
هل قبل سيدنا سليمان الهدية؟
لم يقبل الهدية سيدنا سليمان –عليه السلام– الهدية، قال تعالى (فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ | ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ).
في الآية السادسة والثلاثين استنكر نبي الله ذلك لأن الهدية كانت بمثابة الرشوة لصده عن الدعوة؛ لذلك توعدهم وأنذرهم كما في الآية السابعة والثلاثين.
ماذا فعل نبي الله سليمان بعد ذلك؟
قال تعالى (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ | قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ | قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ).
بين الله ذلك في الآيات من الثامنة والثلاثين إلى الأربعين، فقد طلب سليمان إحضار عرش ملكة سبأ فأخبره مارد قوي أنه قادر على إحضاره قبل أن يقوم سليمان من مجلسه، لكن نبي الله سليمان إذن لمن يأتيه بالعرش قبل ارتداد أجفانه إذا تحركت.
قال تعالى (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ).
وحينئذٍ أرجع نبي الله سليمان –عليه السلام– فضل ذلك كله إلى الله.
تفسير سورة النمل الآيات (41 – 44)
قص الله علينا كيف أراد نبي الله سليمان إحضار عرش ملكة سبأ، ففي الآيات من سورة النمل من الحادية والأربعين إلى الرابعة والأربعين.
قال تعالى (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ | فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ).
أمر سليمان جنوده أن يغيروا سرير ملكها ليختبرها هل ستعرفه أم لا؟ فلما سألها تبين له رجاحة عقلها.
قال تعالى (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ | وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ).
وهنا اعترف سليمان بفضل الله عليه بالعلم والإسلام في الوقت الذي منعها عن عبادة الله ما كانت تعبد من دون الله.
قال تعالى (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ).
وعندما طلب منها نبي الله سليمان أن تدخل القصر كان صحنه من زجاج تحته ماء فلما رأته ظنته ماء فرفعت ثيابها عن ساقيها.
قال تعالى (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
وبهذا علمت عظيم ملك سليمان وصدق دعوته فأسلمت مع سليمان.
الخلاصة
وبهذا نكون قد أنهينا تفسير آيات قصة سليمان مع ملكة سبأ كما وردت في سورة النمل.
تعلمنا في هذا الدرس قصة نبي الله سليمان وكيفية تفسير آيات سورة النمل الموجودة بالدرس.
ومن أهم الموضوعات التي اشتملت عليها الآيات:
- دعوة سليمان ملكة سبأ إلى الإسلام.
- موقف ملكة سبأ وقومها من دعوة سليمان.
- طلب سليمان إحضار عرش ملكة سبأ.
- استشعار سليمان نعمة الله عليه.
- رجاحة عقل ملكة سبأ وإسلامها.