هذه قصة قد ذكرها الله -عز وجل- في القران الكريم، وفي سوره غافر بالتحديد، قصه تتعلق بقصر فرعون وما حصل في ذلك القصر زمن موسى عليه السلام.
هذا القصر قصر الظلم والبطش والكبرياء والطغيان. كان يقتل فرعون الابناء ويستحي النساء ويستعد الناس، واستعبد بني إسرائيل زمنا طويلا.
الفراعنة القبطيون استعبدوا بني إسرائيل زمنا طويلا، لأنّه لما يوسف عليه السلام صار وزيرًا في مصر وجاء بإخوانه الأسباط صار لبني إسرائيل شأن وظلوا زمنًا طويلا يحكمون ثم جاء القبطيون وغلبوا عليهم فأذلوهم وساموهم سوء العذاب.
وهكذا الفراعنة في مصر كانوا يسومون بني إسرائيل سوء العذاب.
قصة موسى وفرعون
حتى وصل الأمر من الله عز وجل لموسى إلى فرعون وأرسل مع هارون أخاه، فدخل على فرعون، فقال فرعون لقومه -بعد أن انتشر الإيمان والدين مره أخرى في بني إسرائيل وبدأ موسى عليه السلام يذكرهم بالله ويرجعهم إلى دينهم فرعون خاف على ملكه- فقال لوزرائه وحشمه ومستشاريه في القصر -وكلهم كانوا قبطيون- قال لهم: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى﴾. اتركني اقتل موسى. كأنّ الناس تمنعه، كأنّه يقول اتركوني أذبحه، والله عز وجل حافظ موسى، وان كلامه هو الحق.
واستيقنتها أنفسهم لكن جحدوها، لان الظلم والطغيان والكبر والعناد ملأ قلب فرعون. فقال لمن حوله ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ﴾.
تأمَّل.. فرعون يخاف على دين الناس، فرعون الذي يقول للناس ﴿انا ربكم الاعلى﴾ الآن يخاف على دين الناس.
﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ﴾. أصبح موسى هو المُفسد، وفرعون هو المصلح.
فسمع موسى عليه السلام أن فرعون سيقتله الان.. الان بدأت مرحله التصفيح، لجأ موسى لمن؟ بنو إسرائيل كلهم ضعفاء، كلهم مساكين، شيوخ.. لان ما عندهم حتى الرجال، قتل الاولاد منذ زمن، لم يبقى الا الشيوخ والنساء والاطفال.
قتل فرعون الذكور لما ولدوا، فلم يبقى عندهم أحد، كلهم ضعفاء ومساكين.
فإذا بموسى يلجأ إلى العظيم، إلى رب العزة، ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾.
النصر الان بدأ، قصر فرعون بدأ ينهار الآن، زوجة فرعون آمنت بموسى، وبرب موسى، وبهارون. فذبحها فرعون.
ماشطة بنت فرعون آمنت بموسى عليه السلام وبدعوته موسى، فأيضًا ذبحها فرعون.
الان الثالث، بدأ التمرّد داخل القصر، ليس بني إسرائيل فحسب، بل حتى اهل فرعون وآل فرعون بدأوا يتمرّدون عليه. ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ لم يكن بني إسرائيل، بل من الاقباط، أي من قوم فرعون، من قبيلة فرعون، ومع هذا كان يكتم ايمانه، لكن اراد ان يدافع عن موسى عندما رأى المؤامرة لذبح موسى عليه السلام بدأ الآن يتدخل لكي يغير رأيهم.
﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا﴾.. لم يقُل “موسى” وكأنّه لا يعرف موسى -عليه السلام- لأنه يكتم ايمانه، فكأنّ الرجل لا يعنيه بشيء. ولكن كأنّهُ يتدخل من باب العقل، من باب مصلحه فرعون، من باب مصلحه آل فرعون. وكان الرجل مؤمنا لكنه قد كتم ايمانه.
﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾.. ما ذنبه؟ اتركوه يقول ربي الله. ماذا يضرُّكم؟ وقد جاءكم بالأدلة، ببينات، بالعصا وباليد وغيرها من الآيات. اتركوه.
﴿وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾. الآن بدأ يناقشهم بالمنطق، ﴿وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ﴾.
يعني الكذب يرجع عليه، إن كان كاذبًا، لكن المشكلة إذا كان صادقًا.
﴿وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ ثم أرادوا أن يعرّضوا فرعون ومن معه بهذا الكفر والعناد والكذب والإسراف في الكُفر، ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾. حيثُ أن الكذاب والمسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي الله لا يهديه، الله يهدي الإنسان الصَّادق.
ثم سكت، رآهم مازالوا مُصرّين، فقال لهم مرّة ثانية ﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأرْضِ﴾. الجنود والقصور والخدم والحشم الاموال والخيرات، لكن تخيلوا لو ينزل علينا عذاب الله من ينصرنا؟ ﴿فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا﴾.
هنا فرعون خاف أن هذا الرجل يؤثر في الناس ممن حوله.. في الوزراء والمستشارين، في القصر.
وهو يُمكمل كلامه قاطعه فرعون فقال له ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ﴾: أي كل ما أٌوله هو ما ترونه، انا ما اقوله هو الصحيح، والخطأ هو ما يقوله غيري “ما هذه الدكتاتورية.. ما هذا الجبروت والطغيان والكِبر والعناد؟”.
ثم مرة أخرى يرد الرجل التقي، الذي قام إلى امام جائر، ولا يهمّه القتل، قال لهم ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ﴾ بالأسلوب الرحيم الشفيق على قومه.
وأكمل ﴿وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ – يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ – وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ﴾.
وبعد ما اخذ هذا المؤمن يذكرهم، خاف فرعون الان، نادى هامان وقال ﴿يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ – أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾.
لكن الناس ظلت تطلب من الرجل المؤمن ترك موسى والاستمرار مع فرعون. فرد عليهم بقوّة ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ – يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ – مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
ثم مره ثانية يقول لهم ما بكم يا قوم؟ أدعوكم للجنه وتدعونني إلى النار؟ اقول لكم امنوا بالله وأنتم تدعونني للكفر؟ ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ – تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ﴾.
فتآمروا على هذا المؤمن الموحد التقى العابد، ارادوا قتله، لكن نجاه الرب عز وجل وخرج مع موسى إلى البحر وكان من اصحاب موسى لما مشى مع بني إسرائيل في البحر، انشق لهم البحر، كان مؤمن ال فرعون معهم نجاه الرب عز وجل.
﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾.
وهنا تجد: معلومات عن فِرعون وقصته
العبرة من قصة موسى وفرعون
عِبرة لمن واجه أمَّة ظالمة، وقصرًا فيه ظلما وطغيانًا، وكان مؤمنًا من بينهم، وبيت كان فيه فساد وفجور وكان الصالح فيهم، وقريه فيها فساد وظلم وفجور شهوات وملذات محرمه وكان هو الملتزم الوحيد فيهم.
لا تيأس، اصبر واثبت، لو هددوك، لو أغروك فان العاقبة للمتقين.
اغرقهم الله عز وجل في الماء، في البحر، ولازالوا يُعذبون في قبورهم بالنار إلى يوم القيامة، هذا عذاب القبر.
﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ مع انه من آل فرعون ومن اقرب الناس له، من المقربين، من حاشيته، ومع هذا كان مخالفًا لهم، كان مؤمن بموسى وهارون، ونجّاه الرب عز وجل، واهلك الله فرعون وآل فرعون ومن مع فرعون، وجنود فرعون، نبذهم في اليم وهو مليم.
أمّا مؤمن آل فرعون، فانظر إلى اسلوبه في الدعوة، انظر إلى حِرصه على قومه، انظر إلى دفاعه عن موسى، عن عرضه.. انظروا إلى هذا الرجل المؤمن ما يرضى أن يتكلم أحد على نبي او على قائدًا في الدعوة، او على الرجل العالم أو الرجل القائد المسلم، لا يرضى أن يتكلم عليه الناس او الاعداء او يتآمروا عليه.
هذه حكاية أو قصة موسى وفرعون، احكوها للأطفال أو الكبار، احكوها وخذوها عِظهة وعبرة، واقتنصوا الدروس المستفادة منها.