ندى طفلة صغيرة في السادسة من عمرها، تحب أخاها الكبير أحمد، وتستمع إلى كل نصائحه وتعتبره مثلها الأعلى. اليوم هو اليوم الأول لندى في المدرسة، ترتدي ندى الزي المدرسي، وتمشط جدتها السيدة وجيهة لها شعرها، وتصنع لها ضفيرتين طويلتين، وتضع لها الشرائط الملونة، تصمم ندى أن يربط لها أحمد الشرائط في شعرها، قال أحمد: جدتك تفعل ذلك أفضل مني، ولكن ندى تصمم على مشاركة أحمد لها في كل مناسباتها، وأحمد يستجيب لها حتى يرضيها.
تفرح ندى بالضفيرتين والشرائط الملونة، وتحمل حقيبتها المدرسية الصغيرة خلف ظهرها، وتنظر إلى شكلها في مرآة الباب قبل أن تخرج، تجد أن شكلها جميل وأنيق، وأنها ترتدي ملابس جميلة وجديدة.
يوصلها أحمد وجدتها إلى المدرسة، ويسلماها إلى مدرسة الفصل التي تسر برؤيتها، وتضمها إلى الأطفال الآخرين الذين يجلسون على المناضد المستديرة المقسمة إلى ألوان حمراء وزرقاء وصفراء، وخضراء.
ترى (ندى) أطفالا كثيرين حولها، فتجلس بجوارهم لا تتكلم والمعلمة كانت لطيفة، واسمها منال، تأتي إلى حيث تجلس (ندى) وتسأل الأطفال عن أسمائهم.
قالت طفلة: اسمي ليلى، وقال طفل يجلس بجوارها: اسمي حازم، أما الآخر فيقول: اسمي مازن، وتقول ندى: اسمي ندى.
قالت الأستاذة منال كل منكم يحدث الآخرين عن والديه، وعن إخوته، وهي تظن بذلك أنها اختارت لهم أبسط الموضوعات للتحدث فيها.
قالت ليلى أبي مدرس، وأمي مدرسة يعملان معًا في نفس المدرسة، ولي أخت واحدة أصغر مني اسمها ريم.
وقال حازم أبي طبيب، وأمي مهندسة، وهما يعملان حتى وقت متأخر، كل في مكانه، فأبي في المستشفى، وأمي في المصنع، وليس لي إخوة، وأحب عمي وأولاده جدًّا، فهم يسكنون معنا في نفس البيت، وأحب زوجة عمي الطيبة، وهي تحبني، وتجعل لي نصيبا في كل الطعام اللذيذ الذي تطهوه لولديها: أيمن وتقى، وأنا أعمل معهم كل شيء، وأقضي معهم كل أوقاتي حينما يكون أبواي في الخارج.
ثم قال مازن: أبي مسافر في عمله، ولا أراه كثيرًا، وأنا أحب أبي وأمي جدا؛ فهما سندي في الحياة، وأمي تعمل موظفة في شركة، وتعود سريعًا حتى تشاركني ما أفعله، ولا تتركني في الشقة بمفردي فأمي هي كل ما أملك في تلك الدنيا.
عند تلك الجملة تبكي (ندى)، فيتأثر الأطفال ببكائها، ويسألونها عن أبويها تقول ندى أبي وأمي رحلا عن تلك الدنيا منذ عامين، كنت في الرابعة من عمري وأخي أحمد في الثالثة عشرة حين سافر أبي وأمي إلى الريف لتقديم واجب العزاء في قريب لنا وتركانا في المنزل، وفي الطريق تعرضا لحادث؛ كان أبي يقود السيارة وأمي بجواره، وتم نقلهما إلى المستشفى، ولكنهما فارقا الحياة، وتركانا أنا وأخي بمفردنا.
استمرت (ندى) في البكاء فقام الأطفال الصغار، وبأيديهم الصغيرة أخذوا يربتون على كتفيها حتى تكف عن البكاء، وسألتها ليلى: وماذا فعلت أنت وأخوك أحمد؟ قالت (ندي) جاءت جدتي (وجيهة) لتعيش معنا، فجدي متوفى منذ زمن بعيد؛ فأنا لم أره. وجدتي تنصحنا أنا وأخي بالصبر، وتعلمنا أن الصابرين يدخلون الجنة من غير حساب، كذلك تطلب منا المحافظة على أداء الصلوات دائما في أوقاتها، وأخي أحمد يؤدي الصلاة في أوقاتها في جماعة بالمسجد، وعندما أكون خائفة أردد بعض آيات القرآن الكريم التي أحفظها حتى أطمئن.
كانت الأستاذة منال قد استمعت لحديث ندى، فأخذتها في حضنها، وقالت لها: يا ندى إنني فخورة بك يا ابنتي، ويمكنك أن تسأليني في أشيائك كلها كأمك تمامًا، وتطلبي مني ما شئت، وليلى ومازن وحازم إخوتك، ونظرت إليهم قائلة: أليس كذلك يا أطفالي الأعزاء؟ أجاب الأطفال في صوت واحد: بلى، هي أختنا.
تقول الأستاذة منال: إن من أجمل ما علمتك جدتك خلق الصبر، إنها إنسانة حكيمة، فقالت ندى: الحمد لله. قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.