هذه خاصَّتنا اليوم، انها قصة عن العطاء والتضحية للأطفال بعنوان (القلم الهارب)؛ هي قِصَّة قصيرة لكنها جميلة ومُلهمة لأبنائنا الصغار وتُبيّن لهُم ماهيَّة العطاء والتضحية في حياة الإنسان وما يُمكن أن ينعكس ذلك بالإيجاب على أفراد المجتمع كافة؛ وعلى صاحب هذا الخُلق الجميل خاصَّة.
بالطَّبع لا تقف الفوائد الكبيرة الكامنة في قصتنا اليوم على أبنائنا في البيوت؛ لكنها لأطفال المدارس أيضًا؛ فيجب أن نسوق الكثير من الأخلاق الحميدة والسلوكيات الطيبة في القصص والحواديت والحكايات التي نرويها للطلاب في الفصول الدراسية ودور الحضانة.
قصة عن العطاء والتضحية للأطفال
قلم الرصاص الهارب
هناك في إحدى غرف النوم المظلمة والناس نيام قرر قلم الرصاص الهرب؛ فهو لم يعد يحتمل شفرة المبراة التي تأكل كل يوم قطعة منه، ومقابل ماذا؟ مقابل خربشات غير واضحة لطفلة تتعلم القراءة والحساب.
أيُعقل أن يفقد حياته من أجل ذلك؟ حاولت أقلام التلوين إقناعه بقيمة التضحية، وبجمال العطاء، إلا أن غضبه كان أشد من أي قدرة على الإقناع.
قلم الرصاص الغاضب
غادر قلم الرصاص الغاضب الغرفة قفزاً إلى الشارع تاركاً أصدقاءه خلفه، وعندما لمست نسائم الليل الباردة وجهه شعر بالحرية وبالطمأنينة بعيداً عن تهديد المبراة، فنام ليلته الأولى على حافة الرصيف بهدوء، وحلم أحلام سعيدة بغد مشرق.
قلم الرصاص والعم منصور
عندما أشرقت الشمس وبدأت أصوات الحياة تملأ الأجواء كان العم منصور النجار أول المتجهين إلى العمل. رأى العم منصور القلم يغفو على حافة الرصيف فتناوله ووضعه فوق أذنه متفائلاً ببداية واعدة.
وفي المنجرة، تناول العم قلم الرصاص من على أذنه، وبدأ يرسم خطوطه المستقيمة على الخشب إلى أن دخل دكانه الأستاذ سالم الذي كان قد طلب منه أن يصنع سريراً لابنه الصغير.
قال الأستاذ سالم: جئت لآخذ مقاسات السرير كي أخيط له شرشفاً وغطاءً، فناوله العم منصور قلم الرصاص وورقة ليُسجل المقاسات قائلاً وهو يمُد مسطرة القياس أمامه: الطول 80 سنتيمتراً، والعرض 45 سنتيمتراً. سجل الأستاذ سالم القياسات، وبحركة لا إرادية وضع قلم الرصاص في جيبه، وغادر المنجرة شاكراً العم منصور.
عند الخياطة أم أنور، وبينما كان الأستاذ سالم يبحث عن ورقة المقاسات سقط قلم الرصاص من جيبه فوق كومة من القماش الأبيض. فرح القلم بخروجه من الجيب المعتم، وتفاءل باللون الأبيض، فتمدد بسعادة واسترخاء.
قلم الرصاص في مستشفى الأطفال
بعد وقت ليس بالقصير ولا بالطويل شعر القلم باهتزاز قوي فتخيل أن زلزالاً قد وقع، لم يعرف قلم الرصاص الهارب أنه كان ينام على كومة من الشراشف البيضاء التي جهزتها الخياطة لمستشفى الأطفال، وأن عامل التوصيل قد جاء لنقلها إلى المستشفى، فاختبأ القلم بين طيّات الشراشف، وانتظر أن يحل الهدوء مرة أخرى عازماً على مغادرة كومة القماش إلى مكان لا توجد فيه اهتزازات.
زيد وقلم الرصاص
في مستشفى الأطفال هزت الممرضة الشرشف فاردة إياه فوق السرير، فوقع قلم الرصاص متدحرجاً على الأرض إلى أن وصل عند أقدام الطفل زيد الذي يمكُث في المستشفى منذ أسابيع، أمسك زيد القلم وبدء يرسم، كانت رسُوماته حزينة؛ رسم وجهاً يبكي، ونافذة مغلقة، وقمراً يختفي خلف الغيوم. يوماً بعد يوم بدأت رسومات زيد تتغير؛ رسم طيراً يُزقزق، وصاروخاً يستعد للانطلاق؛ رسم سيارة وناطحة سحاب؛ رسم أشياء كثيرة جميلة ومفرحة.
دخلت الممرضة غرفة زيد، فوجدته يبتسم لأول مرة منذ دخل المستشفى، فاقتربت منه وسألته: ماذا ترسم؟
أجاب زيد بفرح: أرسم عصفوراً يُغني، وصاروخاً سيحملني عندما أكبر إلى الفضاء، ورسمة لحقيبتي المدرسية التي اشتقت إليها. وباص المدرسة الذي سأذهب به في رحلة مدرسية إلى البحر، ورسمة لسمكة أصطادها من البحر، واستمر زيد يقص قصص رسومه واحدة تلو الأخرى بسعادة.
دخل الطبيب المشرف الغرفة قائلاً: أراك تضحك اليوم! ما السبب يا تُرى؟
قالت الممرضة: إنه قلم الرصاص الذي أعاد الحياة لابتسامة زيد.
فحص الطبيب زيداً ثم قال: إن حالتك بدأت تتحسن بسرعة أكبر، استمر في الرسم، فيبدو أن القلم الرصاص استطاع أن يشفيك أكثر مما استطاعت الإبر.
افتخر قلم الرصاص بنفسه وبإنجازه في إسعاد زيد، وعندها فقط أدرك معنى العطاء والتضحية، وشعر بلذتهما، فاستقر بجوار زيد، لا يُفكر بالهرب ولا بشفرة المبراة إلى أن غادر زيد المستشفى.
ظل قلم الرصاص بالقرب من السرير الخالي، لم يشعر بالوحدة. سوف يأتي طفلاً آخر وسيكون بانتظاره. ابتسم القلم برضا.
ما يُستفاد من القصة
كانت هذه قصة القلم الهارب؛ وهي قصة عن العطاء والتضحية للأطفال الصغار. أدركنا من خلالِها كيف يُمكن أن يُساهم العطاء والتضحية في جعل المجتمع أفضل.
أخبرونا من فضلِكُم؛ كيف يُمكن العيش في مجتمع يتسم قاطِنوه بالأنانية والشُّح والبُخل؟ كيف نعيش سويًا وقد وجدنا من بيننا المغرور الحاقد والجبان؟
يجب أن نغرِس في نفوس أطفالنا وأبنائنا في المدارس الصفات الحميدة وأن ننهاهم عن الصفات البغيضة؛ وهذه هي رسالة كُل أب وأم ومدرس ومعلمة؛ وكل مسؤول عن تنشئة الأطفال بكل مكان وزمان.