«زياد» يسأل: أنا شاب أبلغ من العمر 26 عاما، ومنذ فترة وأنا أفكر في الاستقرار والزواج لأهداف كثيرة، أهمها: تكوين أسرة مسلمة، والعيش باستقلالية بعيدا عن ضغوط الأهل، وأيضا لإشباع حاجاتي الجنسية بعيدا عن العادة السرية التي أجاهد وأجتهد في التخلص منها والتي أتمنى أن يظل توقفي لها نهائيا.
ورأيت أن النجاح في الزواج يعتمد على التوافق من جميع الوجوه (الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والعقلية والعاطفية…) وهكذا فإنني بدأت في ملاحظة إحدى زميلاتي في العمل تصغرني بثلاث سنوات، واكتشفت أن هناك توافقا كبيرا يجمع بيننا من وجوه كثيرة، فهي طيبة، ومحترمة، وملتزمة -على الرغم من كونها غير محجبة- ونحمل الكثير من الصفات المشتركة من جميع الوجوه.
وبدأت في التقرب إليها والتحدث معها عن قرب فاكتشفت صدق ملاحظاتي، ثم بدأت في التلميح لها عن رغبتي في الزواج وأنني معجب بإحدى زميلاتنا في العمل -وأنا أقصدها هي- وبدأت في توضيح مواصفات تلك الفتاة التي أحدثها عنها -والتي هي صفاتها في الأساس- حتى شعرت بأنها فهمت ما أعنيه، خاصة أنه لا توجد لدي اختلاطات كثيرة في العمل وكانت هي الوحيدة تقريبا التي أتحدث معها، وشعرت بأنها تجاريني نفس الأمر، وأنها تشعر بميل عاطفي نحوي مثلما أحمل لها، والذي بدا حقيقة عن طريق عقلاني، ولكنه تطور من جانبي إلى حب شديد لها تمثل في إحساسي الدائم بالرغبة في رؤيتها والجلوس معها والانجذاب إليها.
وقررت مفاتحتها في الأمر، وعندما هممت بذلك لاحظت تغيرا كبيرا في وجهها وأنا أخبرها بأن الفتاة التي عنيت طوال الفترة السابقة هي أنت، وإنني أطلب منك أداء صلاة الاستخارة، خاصة أنني أديتها وشعرت براحة نفسية نحو الأمر، ولكنها لم تنبس بكلمة، وأنا أحسست بنوع من الغموض في الأمر.
وبعد فترة أسبوعين وخاصة من التجاهل التام منها نحوي -بمعنى أنها قد تراني ولا تبدأ بالكلام- تحدثت إليها مباشرة وأخبرتها أن تعلن عن رأيها صراحة فلم تتكلم كما اعتادت، وسألتها إن كانت تراني زوجا؟ أم مجرد أخ وصديق؟ فقالت في الحقيقة إنه الأمر الثاني فقلت لها إذن نحن أصدقاء، وجلست أتكلم معها في العديد من الأمور التي كانت في دائرة حواراتنا السابقة، موضحا كيف تطور الأمر بالنسبة لي؟
وأوضحت لها العديد من الأمور واستمعت هي –وهى مستمعة جيدة جدا- وبعدها ظللت أفكر طويلا في الأمر، واكتشفت أن الأمر في غاية الغرابة، وفي الحقيقة تعجبت كيف لم تفهم أنني كنت أعنيها هي طوال الوقت، وهو الأمر الذي كان واضحا تماما، خاصة أنها تتمتع بالذكاء، كما أنني سألتها ألم تعرفي أنني كنت أعنيك أنت طوال الوقت فأخبرتني بأنها شكت في الأمر.
فبدأت أسأل نفسي فلِمَ إذن كانت تجاريني الكلام -أي أنه من الأفضل أن تبتعد عني أو تقوم بعمل تلميح لأنها ترغب في الزواج من شخص بمواصفات أخرى- ولم أستطع إخفاء غيظي وغضبي منها؛ وهو ما انعكس في تعاملاتي معها التي تمثلت في التجاهل شبه التام لها حتى أمام زملائنا الآخرين الذين لاحظوا التغيرات التي تحدث لي، خاصة أنني في الفترة الأخيرة بدأت أنحف كثيرا، كما بدأت أسرح كثيرا بالفكر، وظل العديد يسألني ما بك؟ وأنا أجيب بأنه لا شيء، ولكنني في الحقيقة كنت محتارا كيف يمكن أن أحب إنسانا لهذه الدرجة وهو لا يشعر بأي شيء؟ وهل ما أشعر به هو مجرد حب أم أنه وهْم؟ ولأنني أريد أن أشعر بالحب فقررت أن أشعر به.
وكل تلك الأسئلة وذلك التفكير كان يشعرني بمرارة كبرى وبغضب أكبر. وبالطبع شعرت هي بذلك فبدأت في محادثتي على أنها منذ ذلك اليوم الذي قالت لي فيه بأنها ترفض الارتباط بي وهي تفكر في أن قراراها هل كان سليما أم لا؟ أو أنها لا تعرفني بصورة جيدة وأنها ترغب في التعرف بي، وسألتها لِم إذن قلت: لا؟ فقالت: لأنني سألتها فقررت أن تقول كذلك.
وفي الحقيقة شعرت بحيرة كبرى، فلم أعد قادرا على فهم أي شيء على الإطلاق، فهل هي فعلا لم تقرر؟ أم ماذا؟ وفي الحقيقة سعدت بقرارها هذا، وشعرت بأن الأمل لا يزال قائما، خاصة أنني كنت وما زلت أكنّ لها عاطفة كبيرة لا يمكنني التخلص منها بسهولة.
وبدأ الكلام بيننا مرة أخرى، ولكنني شعرت بأن لديها إحساسا بالمرارة، وأنها دائما ليس لديها ذلك الشعور الذي أحمله نحوها، وقررت أن أفاتحها مباشرة في هذا الأمر وأخبرتها بأن الله خلقنا في هذه الدنيا لكيلا نعذب أنفسنا، وبدأت في البكاء الشديد الحقيقي التي كانت تحاول إخفاءه والسيطرة عليه بشدة، فبدأت أشعر كم كنت قاسيا عليها، ففي حقيقة الأمر هي منذ البداية لم تنظر إليّ إلا كصديق، وأنا نظرت إليها على أساس أنها فتاة الأحلام، ولعل سوء الفهم هذا منذ البداية هو الذي وصل بالأمور إلى ما هي عليه.
الخلاصة أنه في النهاية قررت أنها شعرت بالذنب الشديد لإحساسها بأنني تألمت كثيرا لقرارها هذا، وأنها كرهت نفسها لأنها تعرف جيدا أنني شخص جيد ومناسب، ولكنها لا تعرف لِم لا تراني كزوج أو لا تتخيلني كزوج مستقبلي لها، ولكنها قررت أن توافق على الارتباط بي حتى لا يكون رد فعلي عنيفا، خاصة أن أهلها يرون أنها مخطئة وأنني شخص مناسب لها من وجوه كثيرة، ومع شعورها بكم أنا حساس تجاه هذا الموضوع.
المهم أنني جلست معها وقلت لها بأن المشكلة ليست فيها هي، ولكنني كنت غضبان من نفسي؛ لأنني منذ البداية كان يجب أن ألاحظ هذا الأمر أنها لا تراني إلا كمجرد زميل عمل، وأنها لا يجب أن تجبر نفسها على أداء شيء هي لا ترغب فيه، خاصة في موضوع الارتباط.
وانتهى الأمر عند هذا الحد، ولكنني في الحقيقة أعاني كثيرا وبدأت أفكر في أمور كثيرة وهي أنني لا أريد من هذه الدنيا أي شيء، وأنني لا أرغب في الزواج نهائيا، ولا أريد استكمال مسيرة عملي، خاصة مع بعض المعوقات أمامي في مجال العمل، وأن كل ما أرغبه في الدنيا أن أسافر إلى مكة المكرمة وأن أظل بجانب الحرم المكي ولا أقوم بعمل أي شيء إلا التعبد حتى يقضي الله أمرا مفعولا.
وفي الحقيقة أعاني بشدة -نفسيا وداخليا- مع سيطرة الإحساس بالفشل بسبب هذا الموضوع، والعديد من الأمور الأخرى في مجال العمل وغيرها، ولكنني أؤنب نفسي. وأنا أشعر أن هذه الحياة قاسية للغاية وأفكر في الجدوى التي خلقنا الله لها في هذه الدنيا، وهل خلقنا لنعاني فيها كل تلك الأمور، خاصة أنني أظل أقنع نفسي أن كل هذه الأمور طبيعية، ولكنني لا أتمكن من السيطرة على تفكيري في هذا الأمر ولجأت إلى الله كثيرا بالدعاء والاستغفار عن هذا التفكير، ولكنني لا أتمكن من السيطرة على طريقة تفكيري.
كما يتردد في بالي الكيفية التي يمكنني بها أن أعرف لِم لا تشعر هي بهذا القبول نحوي؟ وهل هي فعلا لا تشعر به أم أنها فقط لا تعرف كيف يكون مثل هذا القبول الذي أشارت إليه في كلامها؟ فهل لك أن تساعدني في هذا الأمر بتوضيح أو تفسير لما جرى بيننا منذ البداية، والكيفية التي يمكنني بها التغلب على حالة الإحباط والاكتئاب الشديدة المسيطرة عليّ (لدرجة أنني أبكي أحيانا لمجرد أنني أشعر بحاجة إلى البكاء، ولكن لا أتمكن حتى من البكاء؛ فالدمع يستعصي على النزول مني).
آسف على الإطالة، ولكنني أرغب في الفهم، وأرغب في الحياة، ولكن فقط لا يمكنني السيطرة على نفسي وعقلي وعاطفتي وتفكيري، وأتمنى أن تكون لديكم القدرة فعليا على مساعدتي؛ لأنني لا يمكنني أن أبوح بهذا الأمر إلى أي شخص حتى ولو كانا والدي.
الإجابـة
الأخ الكريم، لو كان علاج الفشل في الحب ومضايقات العمل اعتزال الناس والهروب لجوار الكعبة والتفرغ للعبادة ؛ لضاق جوار الكعبة منذ آلاف السنين بساكنيه، ولما وجدت إنسانا يعمل ويؤدي واجبه؛ فمضايقات الحياة لا يجب أن تدفعنا للشعور بعدم جدواها، فالحياة ليست بأي حال من الأحوال الجنة الموعودة ، ولن تخلو الحياة من منغصات وعقبات تعترض طريق الإنسان ، والإنسان في مواجهة هذه المصاعب عليه أن لا يستسهل طريق الهروب ، والحل الأمثل أن يذلل العقبات إن كان تذليلها ممكنا أو أن يدور حولها ويتخطاها إذا استحال عليه إزالتها من طريقه.
ودورك في البداية يقتضي أن تسلك كل السبل التي تعينك على التماسك واستعاده سلامك النفسي؛ بداية من الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه أن يمن عليك بالسكينة، وقد يفيدك أن تذهب في رحلة عمرة أو حج –إن كان هذا ميسرا- لا لتبقى بجوار الكعبة إلى الأبد، ولكن لتستظل بجنة الله وتحتمي بمعيته من هجير صحراء الحياة، فإذا تسللت السكينة إلى قلبك فتعال نناقش الأمر بهدوء وعقلانية؛ والعاقل من يضع دائما تجاربه وخبراته قيد التأمل ليستخرج منها ما يعينه في مستقبل الأيام وكأنه يصنع من تجاربه المؤلمة درجات السلم التي يصعدها ليبلغ القمة.
الأخ الكريم، لقد وجدت في هذه الفتاة ما تتطلع إليه في شريكة حياتك، ولكنك فضلت أن تلف وتدور حول الموضوع، وفي جلسات اللف والدوران هذه نما الحب بقلبك رويدا رويدا -كما تصف- وزاد تعلقك بها، فلماذا اللف والدوران؟ ولماذا لم تكن أكثر صراحة؟ وماذا كنت تريد منها أن تفعل وأنت تتحدث عن حبك لإحدى الزميلات؟
الأغلب أن الشك راودها وأنها لم تتيقن من أنك تعنيها بهذا الكلام إلا عندما صارحتها، وسلوكك نهج الصراحة منذ البداية كان كفيلا بأن تصرح لك منذ البداية بأنها لا ترى فيك إلا الأخ والصديق، وهو ما كان يجنبك التحليق في الخيال والاستغراق بكل جوارحك في الحب.
ومعذرة إذا قلت لك بأن حالك أشبه بمن جلس على الشاطئ ليبني قصورا من الرمال، وهو يتخيل شكل غرفات القصور والأثاث الرائع الذي سوف يزينها، وبينما هو في استغراقه تأتي موجة لتهدم ما بناه؛ فعلى من يتوجه باللوم لحرمانه من أحلامه؟ وهل يقبل منه أن يلوم الموجة التي هدمت القصر؟!!
من الواضح أن هذه الفتاة تقدرك وتحترمك كأخ وصديق؛ ولكنها لنضج تفكيرها تدرك أن الميل القلبي شيء آخر، ولقد حاولت هي أن تعيد التفكير في الأمر –أكثر من مرة- حتى لا تؤذيك، ولكن من الواضح أنها ما زالت لا تستطيع؛ فلا تظلم نفسك بملاحقتها، وأترك الزمن يداوي جراح القلب، وتأكد من أن تجربة الحب الأول لن تكون آخر تجربة، وكل يوم يشهد وفاة بعض من قصص الحب الأول، ثم يتبع ذلك ميلاد حب آخر أكثر نضجا وإمتاعا.
ويعينك على الخروج من هذه الأزمة التي تمر بها أن تستعين بما يلي:
- اللجوء إلى الله بكل جوارحك والتضرع إليه كما ذكرت لك من قبل، وكذلك يعينك أن تنظر إلى ما في حياتك من نعم الله عليك.
- الابتعاد عنها قدر المستطاع، فإذا تيسر لك أن تنتقل إلى فرع آخر وتحقق بهذا النقل فائدة لك من الجانب المهني، فتوكل على الله، وإن لم يتيسر هذا فتجنب الأحاديث الخاصة بينكما.
- عليك بشغل الذهن والنفس والوقت بالأنشطة الهادفة والهوايات المختلفة.
- لا تحاول أن تخوض غمار تجربة حب جديدة حتى تبرأ جراح قلبك، وذلك حتى لا يؤثر على اختيارك ما تعانيه من ضغوط وجراح.
أما بالنسبة لإحباطات العمل فلم أتمكن من مساعدتك؛ لأنك لم تذكر شيئا عن ماهية هذه الإحباطات، فإذا أحببت أن ترسل لنا تفاصيل هذه المشاكل فلا تتردد، وعموما قد يفيدك أن تعلم أنه لن يخلو عمل من عيوب ودور الإنسان إما أن يذلل هذه الصعوبات ويطوع هذه المساوئ إن كانت قابله للإصلاح، أو يتأقلم معها ولا يمكنها من تعطيله عن أداء عمله الأداء الأمثل.
الأخ الكريم، أتمنى أن تحمل رسالتك القادمة في طياتها تفاؤلا وإقبالا أكثر على الحياة، فلا تتردد في أن توافينا بالتطورات.
⇐ هذه أيضًا بعض الاستشارات السابقة:
- ↵ فتاة تحب شاب أصغر منها: هل تكشف له فارق السن؟
- ↵ قصة حب جامعية بين شاب ملتزم وفتاة محجبة: جائزة أم حرام؟
- ↵ فتاة تواجه صعوبات بعد فسخ خطوبتها: هل قرارها صائب؟
⇐ أجابتها: سحر طلعت