طلب الجد عرفان من الحفيدين حسام ومرام أن يقضيا اليوم في الحقل ليساعداه في جمع محصول الذرة ذهب الجد إلى الحقل منذ الصباح الباكر، ثم استيقظ الحفيدان وسألا الجدة زينب عنه، فقالت لهما: لقد ذهب جدكما مبكرًا إلى الحقل، فالعمل في الحقل يتطلب النشاط، والذهاب مبكرًا قبل طلوع الشمس كي لا يبذل الإنسان مجهودًا كبيرًا تحت الشمس الحارقة، وخاصة في فصل الصيف.
حزن الحفيدان، وقال حسام: إذن لن نذهب لجدي في الحقل فنحن لا نعرف الطريق؟
ابتسمت الجدة وقالت: بل ستذهبان.
سألت مرام متعجبة: كيف؟
أجابت الجدة سيأخذكما ناصح إلى هناك.
ناصح يعرف الطريق
وقبل أن يسأل الحفيدان من ناصح؟ إذ بحمار أبيض كبير الحجم يجيئ ويقف عند باب البيت يحمل الكثير من كيزان الذرة في غلافها الأخضر الزاهي.
عندها قالت الجدة: أخيرا جاء ناصح.
ضحك الحفيدان وهللا هل هذا ناصح؟!!
ابتسمت الجدة وهي تسحب ناصحًا، ثم قالت: اسمه ناصح، وهو بالفعل حمار ناصح، فهو يحفظ الطرق ولا ينساها أبدًا، ويساعدنا في كل أعمال الحقل، والأهم أنه مخلص جدا ويفهم كل أمر نقوله.
كانت الجدة قد أفرغت حمل ناصح، ثم وضعت في الجراب الموضوع على ظهره طعام الفطور، وقالت: هيا… سوف تفطران مع جدكما بالحقل، وقد وضعت لكم الطعام والخبز في الجراب.
سألت مرام وهل الجراب الموضوع على ظهره غير البردعة؟
قال حسام نعم.. عرفت هذا من جدي، فالبردعة تصنع من جلد قوي توضع على ظهر الحمار للركوب عليها، أما الجراب فهو مصنوع من قماش متين، ويُخاط على هيئة جيبين كبيرين، يوضعان على ظهر الحمار فوق البردعة، ويتدلى كل جيب من ناحية، ليحفظ توازن الحمار.
قالت الجدة: هيا حتى لا تتأخرا.. كل ما عليكما أن تذهبا مع ناصح وهو سيصحبكما إلى الحقل.
طريق طويل
رغم دهشة الحفيدين، فقد أطاعا الجدة ومشيا خلف ناصح، ويبدو أن الحمار يعرف الطريق جيدًا، فقد اعتاد السير فيه منذ زمن طويل.
لم يتخيل الحفيدان أن المسافة من البيت إلى الحقل طويلة هكذا، لقد سارا داخل القرية حتى خرجا إلى مزارع وحقول خارج القرية، ثم سارا بحذاء ترعة كبيرة وعميقة، وأخيرًا عبرا جسرًا فوق الترعة حتى وجدا أخيرًا الجد عرفان مع مجموعة من الفلاحين يساعدونه في جمع الذرة.
فرح عرفان برؤية الحفيدين، ثم أخرج الحفيدان طعام الفطور، فدعاهما الجد إلى تفقد الحقل أولا إلى أن ينتهي من وضع الحمل الجديد على ظهر ناصح، ومن العجيب أن الحمار لم يعترض أو يتذمر بل حمل الذرة بمنتهى الرضا وعاد بحمله إلى البيت.
جاء الجد أخيرًا، وجلس بجانب الحفيدين تحت شجرة ظليلة، وبدأ الجميع في تناول الطعام.
التفت الجد إلى الحفيدين وقال: ها.. ماذا أعددتها اليوم؟
قال حسام: أخشى أن نعطلك يا جدنا عن عملك.
رد الجد هذا وقت راحتي
بدأ حسام الكلام وقال: الحمار حيوان مستأنس من الفصيلة الخيلية، وهو حيوان ذكي، حذر، يتعلم بسرعة.
وأضافت مرام: الحمار في اللغة جمعه (حَمِير، وحُمُر، وأَحْمِرَة وحمور، وحمرات،) وأنثى الحمار يُقال لها: ” أتان” أو “حمارة”، وجمعها حمائر.
أكملت مرام الحديث: وصغير الحمار يسمى: “جحش”.
ضحك الحفيدان مع الجد عرفان، بينما تجمع مجموعة من الأطفال حولهم من الحقول الأخرى؛ وطلبوا المشاركة في الحديث فرحب بهم الجد عرفان.
قال حسام والحمار لديه قدرة على الحمل وتحمل المشاق تفوق قدرة الحصان بالنظر إلى حجمه، كما يتمتع بحاسة سمع قوية.
فجأة سمع الأطفال نهيق ناصح الذي سرعان ما عاد بعد أن أفرغ حمله في البيت، فضحكوا جميعًا كأن ناصحًا عرف أنهم يتحدثون عنه، جاء الحمار ناصح ووقف بجوارهم.
وعلق أحد الأطفال: وصوت الحمار كما سمعتم يسمى: “نهيق”!
قام الجد وأخذ ناصح وأوقفه في ظل شجرة، ووضع له طعامًا ليأكل وليستريح من التعب ومن شدة الحر.
وكأن ناصحا فهم ما يريده، فراح يأكل من الحشائش التي أمامه.
وقال أحد الأطفال: ولكن الحمار مشهور بعناده، ولا يمكن لأحد تهديده أو إرغامه على فعل شيء ما ضد رغبته.
صاحت طفلة تسأل: ولكن هل هناك من الحمير ما اشتهر وعرف عبر التاريخ؟
ردت مرام طبعًا.. من أشهرها حمار العزير.
حمار عزير
اعتدل الجد في جلسته قائلا: جئنا لأهم جزء في حديثنا اليوم، وهو حكاية قصة حمار عزير الذي ذكره القرآن الكريم، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
تحكي الآية الكريمة عن رجل صالح مستجاب الدعوة، يقال له: عزير، وبينما كان ماشيًا هو وحماره مر على قرية خاوية ليس فيها بشر ومهدمة، فوقف متعجبًا، وقال: أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ الله بَعْدَ مَوْتِهَا؟!، فأماته الله مائة عام ثم بعثه، وأرسل له مَلَكًا في صورة بشر، قَالَ: كَمْ لَبِثْتَ؟ فأجاب عزير: لَبِثْتُ يومًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، أَي نمت يوما أو جزءًا من اليوم، فرد الملك قائلا: بَل لَبِثْتَ مائة عام، ويعقب مشيرًا إلى إعجاز الله ﷻ بقوله: ﴿فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ أي لم يفسد، وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ، فرآه قد مات وتحول إلى عظم، ثم بين له الملك السر في ذلك: وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاس، ويختتم كلامه بأمره أن ينظر إلى معجزة الله سبحانه وتعالى، وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا.
نظر عزير للحمار فرأى عظامه تتحرك فتتجمع فتتشكل بشكل الحمار، ثم بدأ اللحم يكسوها، ثم الجلد، ثم الشعر، فاكتمل الحمار أمام عينيه، ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
انصرف الملك الكريم، وتذكر عزير قريته التي خرج منها وأراد العودة إليها، فلما عاد إليها وجد أمرها قد تغير كثيراً، وكانت هناك في تلك القرية امرأة كانت تعمل لديهم، ولكنه وجدها فقدت بصرها وأصبحت مقعدة فلما دخل وقال لأهل القرية: أنا عزير، قالت المرأة ذهب عزير من مائة عام ولا ندري أين ذهب ولم يعد؟
قال: أنا عزير، قالت: إن لعزير علامة، هذه العلامة أنه مجاب الدعوة، فإن كنت عزيرا فادع الله أن يرد إلى بصري وصحتي، وأن أستطيع الحركة والمشي مثلما كنت.
فدعا عزيز الله تعالى لها، فشفيت ثم نظرت إليه فوجدته هو عزير، فذهبت إلى قومها وأعلنت أن عزيرا قد عاد، وتثبت أهل القرية من صدق خبر عزير، وأخذ الناس يتعجبون من معجزات الله سبحانه وتعالى، وأصبح عزير وحماره آية للناس.
تعجب الحفيدان والأطفال وقالوا جميعًا: سبحان الله! جميلة، أيضًا مثل قصة الكلب.. وأهل الكهف
نظر الجد إلى الحفيدين، ورأى عيونهما مثل بقية الأطفال تلمع بالمعرفة والعبرة.
فقال: كم أنا فخور بكما، ولكن هل تذكران اتفاقنا؟!
ضحك الحفيدان وقالا في مرح: طبعا يا جدنا.
قال الجد: إذن نلتقي غدًا في نفس الموعد لنتحدث عن “الناقة”.