عاد الحفيدان حسام ومرام من أداء صلاة العصر، وتحلقا حول مجلس جدهما ينتظرانه، وكانا قد اتفقا مع الجد على اللقاء كل يوم في الإجازة الصيفية للحديث حول حيوان جاء ذكره في القرآن الكريم.
جاء الجد عرفان وهو يحمل وعاءً كبيراً، وأمر مرامًا وحسامًا بإحضار الأكواب.
سألت مرام جدها مندهشة: ماذا تحمل لنا يا جدي في هذا الوعاء؟
قال الجد باسما: أحمل اللبن يا مرام.
ردت مرام ولكني لا أحب شرب اللبن يا جدي!
ضحك الجد: وهل تقولين هذا واليوم سوف نتحدث عن أم اللبن؟!
اندهشت مرام وقالت: ومن هي أم اللبن؟!
وعلى الفور رفع حسام يده قائلا: إنها البقرة.
البقرة.. أم اللبن:
أحضرت مرام الأكواب، وبدأ الجد في صب اللبن لهما، وبدأ حسام ومرام في شرب اللبن باستمتاع شديد فلم تستطع مرام أن تظل رافضة شرب اللبن وبدأت في شرب كوبها، قائلة: هذا فقط من أجل أم اللبن حتى لا تغضب.
فرح الجد وهلل الحفيدان، وبدأ حسام الحديث عن البقرة قائلا: البقرة حيوان ثديي مجتر، وقد وجدت في الطبيعة تعيش في قطعان ثم استأنسها الإنسان منذ زمن طويل، واستخدمت الأغراض شتى من جَرَّ العَرَبات والمحراث، وتدوير الطاحونة، وإدارة الساقية، ويستفيد الإنسان من لحمها ولبنها وجلدها، كما يستفيد أيضًا من روثها كسماد للأرض.
عقب الجد قائلا: صحيح يا حسام فالبقرة صديقة الفلاح تساعده في الزراعة وتعطيه اللبن واللحم والجلد.
وهنا تدخلت مرام في الحديث قائلة: أما عن ألوان البقر؛ فقد عرفت أن له ألوانا كثيرة، منها: البني والأسود والأبيض والأحمر والأصفر، ومن أشهر أنواع البقر ذو اللونين الأبيض والأسود.
الاهتمام بالنظافة:
واصل الجد عرفان حديثه سائلاً الحفيدين ومن منكما قرأ عن سلوك البقرة؟
أجابت مرام: أنا يا جدي ساعدني حسام في البحث على الإنترنت، وعرفنا أن البقرة تحب نظافة المكان الذي تعيش فيه، ولا تنام في مكان غير نظيف، ولا تشرب من ماءٍ عَكِر أبدًا، وهي أيضًا لا تستطيع النظر لأعلى، فالبقرة تستطيع أن تنظر أمامها وحولها وخلفها ولكنها لا تستطيع النظر الأعلى.
سأل الجد: وهل تعرفين ماذا نطلق على صوت البقرة؟
أجابت مرام صوت البقرة يُسمى: “خوار”.
سورة البقرة:
وأخيرا قال الجد عرفان عرفتم كل هذا عن البقرة ولم تعرفوا أهم شيء!
وهنا رفعت مرام صوتها بسرعة قائلة: هناك سورة في القرآن الكريم تُسمى سورة البقرة، وأنا أحفظ بعض آياتها.
قال الجد وليست أي سورة يا مرام، إنها أطول سورة في القرآن الكريم، وهي السورة الثانية بالمصحف الشريف، وعدد آياتها 286 آية، وسميت بسورة البقرة لورود قصة بقرة بني إسرائيل فيها، فهذا هو الموضع الذي ذكر فيه اسم البقرة بالقرآن الكريم.
رد حسام سريعًا: احك لنا يا جدنا قصة بقرة بني إسرائيل.
فتح الجد المصحف الشريف على سورة البقرة، وأخذ يرتل قول الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
حكاية بقرة بني إسرائيل:
ثم أكمل الجد قائلا: هذه الآيات الكريمة من سورة البقرة تحكي لنا حكاية بقرة بني إسرائيل، فقد كان هناك رجل من بني إسرائيل، وكان غنيا، ولم يكن له ولد، وكان له قريب فقتله قريبه ليرث ماله، وألقاه على الطريق، ثم جاء لنبي الله موسى (عليه السلام) فقال له: إن قريبي قتل، وإني لا أجد أحدًا يبين لي من قتله غيرك يا نبي الله، فنادى موسى في الناس من كان يعرف القاتل فلير شدنا إليه، فأخذ الناس يبحثون لكنهم لم يعرفوا من القاتل، فسأل موسى ربه، فأوحى الله إليه أن يذبح الناس بقرة.
في البداية لم يصدق بنو إسرائيل، وتساءلوا ما علاقة البقرة بمعرفة القاتل، ولكن نبي الله موسى (عليه السلام) وضح لهم أنه أمر من الله تعالى.
تساءل بنو إسرائيل فيما بينهم عن تلك البقرة وطلبوا من نبي الله موسى (عليه السلام) أن يوضح لهم وصف هذه البقرة، فقال لهم: إنها متوسطة في العمر، لا هي كبيرة ولا صغيرة، وكان يمكنهم ذبح أي بقرة لها هذا الوصف ولكنهم أخذوا يجادلون نبي الله (عليه السلام)، وطلبوا معرفة لونها، فقالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها؟، قال: إنه يقول: إنها بقرة صفراء فاقع لونها، ولكنهم عادوا وطلبوا وصفا دقيقا وعلامات أكثر، فقالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون، قال: إنه يقول: إنها بقرة لا ذلول، أي: لم يذلها العمل، تثير الأرض ولا تسقي الحرث، مُسَلَّمة أي: خالية من العيوب، لا شية فيها أي: لا بياض فيها.
وأخيرا وجدوها وذبحوها، فأمرهم نبي الله موسى (عليه السلام) أن يأخذوا جزءا منها فيضربوا به القتيل، ففعلوا، فرد الله ﷻ إليه روحه، ونطق باسم قاتله، ثم عاد ميتا كما كان، فأخذوا قاتله، وهو قريبه الذي أتى نبي الله موسى (عليه السلام) يشكو إليه من قبل، ونفذوا فيه القصاص العادل.
تعجب الحفيدان وقالا: سبحان الله.
نظر الجد إلى الحفيدين، ورأى عيونهما تلمع بالمعرفة والعبرة.
فقال: أنا فخور بكما، ولكن هل تذكران اتفاقنا؟!
ضحك الحفيدان وقالا في مرح: طبعا يا جدنا.
قال الجد: إذن نلتقي غدًا في نفس الموعد لنتحدث عن “الفيل”.