قصة «السفينة».. كالتي حدثت مع موسى والخضر — للأطفال

قصة «السفينة».. كالتي حدثت مع موسى والخضر

في قديم الزمان ظل الصبي الصغير ينادي بصوت عال على المارين بجوار الميناء إلى دمياط، وجهتنا إلى الميناء، كل البضائع هناك من يريد الذهاب؟ مر رجل، واثنان وثلاثة، وحينما سمعوا نداء الصبي صعدوا إلى السفينة، كانت سفينة صغيرة؛ حجمها بين السفينة والقارب، واسمها (حابي)، وهو اسم نهر النيل العظيم، وكان (نفر) قائد السفينة ومالكها، وهو شاب قوي ولكنه فقير، يعاونه أخوه (يافث)، ويتحرك في صمت ونشاط على السفينة، ونفر ليس المالك الوحيد للسفينة، إنما أسرته كلها، أو عائلته بما فيها جده وأعمامه ووالده.

كانت عائلته قديما تملك سفنا وقوارب تعمل في البحر وفي النيل، تنقل الركاب والبضائع وتعمل في الصيد أيضًا، ولكنهم فقدوا كل سفنهم، ولم يتبق لهم سوى حابي التي تعمل بين ميناء عكا وميناء دمياط عبر البحر المتوسط، وكان نفر يشعر في دمياط بالأمان، ولكنه هنا في عكا منذ أن سيطر عليها (الهكسوس) وهو خائف يترقب.

بدأت السفينة في التحرك، وعليها من الركاب من هو بمفرده، ومن يصطحب معه أولاده، أو أسرته كلها، وبعضهم يحمل بضائع كثيرة أملاً أن يبادلها في ميناء دمياط، وقبل أن تنطلق السفينة في طريقها، يقفز عليها بعض اللصوص الهمج، ومعهم أسلحة يهددون بها الركاب البسطاء داخل السفينة.

تحدث كبير اللصوص إلى نفر قائلا: نريد الضرائب على البضائع في السفينة، فقال نفر ومن معه: نحن نأخذ أجرة الركوب فقط، ولا شأن لنا بما يحمله الراكب.

تحدث اللصوص بغضب قائلين: ستدفعون ما نطلب، وإلا سنصادر هذه السفينة بما عليها من بضائع.

فتأتي فكرة ببال نفر أن يماطلهم بعض الوقت إلى أن يفكر مع أخيه كيف يواجهانهم، فيقول: سندفع عند عودتنا حتى نكون قد حصلنا المال من الركاب ذهابًا وإيابًا، مؤكدين لهم بأنهم سينتظرونهم في رحلة العودة.

يوافق اللصوص على مضض، ويقدم نفر لهم بعض المال الذي جمعه من المسافرين، فيأخذون المال ويغادرون السفينة، ويشاهدهم نفَر ومن معه وهم يتعاركون على النقود، يريد كل شخص منهم أن يحصل على أكبر قدر منها.

تتحرك السفينة بمن عليها من ركاب وبضائع، وتغادر عكا، وتصل إلى ميناء دمياط سالمة، ويغادر الركاب وهم يحملون البضائع معهم، وتبدأ التجارة والتبادل في ميناء دمياط، فيربح التجار كثيراً من النقود.

يقضي نفر وطاقم السفينة ليلتهم في دمياط، وفي الصباح الباكر يغادرون متجهين إلى عكا مرة أخرى، وكانت السفينة كما في رحلة القدوم مملوءة بالركاب والبضائع، وكان نفر خائفًا من اللصوص الذين ينتظرونه في عكا، فيقترب منه أخوه يافث ويقول له: هل تتذكر قصة الرجل الصالح الخضر (عليه السلام) الذي صاحب نبي الله موسى (عليه السلام)، وركبا سفينة كسفينتنا تلك؟

يرد (نفر): لا أعرف تلك القصة، احك لي.

يقول يافث: سُئِلَ نبي الله موسى (عليه السلام) أي النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ.

فَعَتَبَ الله عَلَيْهِ؛ لأنه لم يقل: إنما العلم عند الله، وَأَوْحَى الله إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، يسمى “الخضر”.

قال موسى (عليه السلام): يَا رَبُّ وَكَيْفَ أعرفه؟ فَقِيلَ لَهُ: ستجده عند مجمع البحرين.

فانطلق موسى (عليه السلام) حتى وجده، وسَلَّمَ عليه، وعَرَّفَه بنفسه.

فَقَالَ الْخَضِرُ (عليه السلام): مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قال موسى (عليه السلام): نعم، فهل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدًا؟ وكان موسى (عليه السلام) يثق في قول ربه ﷻ ويعلم أنه مادام أخبره أن ذلك الرجل أعلم منه، فهو بالتأكيد أعلم منه.

وقبل أن يصطحبا اشترط الخضر على موسى (عليهما السلام)، ألا يراجعه ولا يسأله عما يراه من عجائب قدر الله تعالى، فموسى (عليه السلام) قد لا يصبر على أشياء لا يرى منها إلا ظاهرها، ولا يعلم غايتها والحكمة منها، ووعده أنه سيبين له في نهاية الرحلة حقيقة كل شيء يراه من تلك العجائب التي قد لا يصبر عليها الإنسان، قال ﷻ في سورة الكهف: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قال إنك لن تستطيع معي صبرا * وكيف تصبر على ما لم تُحِط بِهِ خُبرًا * قال ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمرًا * قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرًا﴾.

فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينةٌ، فَكَلَّما أهلها أن يحملوهما، ففرحوا عندما رأوا الخضر (عليه السلام)، وقالوا: عبد الله الصالح، والله لا نحمله بأجر، وبمجرد أن وصلت السفينة إلى الشاطئ، ونزل الخضر ونبي الله موسى (عليهما السلام) من السفينة؛ عمد الخضر (عليه السلام) إلى لوح ضعيف من ألواح السفينة، وبدأ في صنع ثقب باللوح. فاعترض موسى (عليه السلام) قائلا له: قوم حملونا بغير أجرة، يكون ذلك جزاءهم، تخرق سفينتهم، لتغرق أهلها.

ثم أوضح له الخضر (عليه السلام) حقيقة الأمر، وأنه ما فعل ذلك إلا لصالح أصحاب السفينة الذين رآهم مساكين لا قدرة لهم على مواجهة ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا من أصحابها، فأحب أن ينقذ سفينتهم حتى لا تضيع منهم، فصنع فيها عيباً بسيطاً بإمكانهم علاجه، ولكن عمال الملك الأشرار سيرونها تالفة، ولن يأخذوها، قال الله تعالى على لسان الخضر (عليه السلام): ﴿أما السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ قال نفر: الآن فهمت، أنت تريد أن تفعل في سفينتنا مثلما فعل الرجل الصالح في سفينة المساكين؟!

قال يافت: تمامًا هيا سريعًا نفعل مثلما فعل قبل دخولنا ميناء عكا، ووصول هؤلاء اللصوص.

يبدأ يافث في ثقب السفينة بشيء صغير يشبه المنشار، ونفر خائف على السفينة، يحدثه وهو ينظر لما يفعله احترس يا يافث هذه آخر ما نملك، وأخوه الأصغر ماض في عمله حتى دخل الماء السفينة، وهم يدخلون الميناء تماما.

نفر كان يحمل هما كبيرًا، حيث يتوقع أن يهجم عليه اللصوص الهمج في أي لحظة؛ وبالفعل يصعد اللصوص مرة أخرى إلى السفينة، وكانوا هذه المرة أكثر طمعًا، وبدأ كبيرهم مفاوضة نفر الذي قال لهم: هل ستأخذون كل الأموال التي معي؟ أنا لا أملك غيرها، ولي عائلة كبيرة تحتاج أن تأكل.

رد اللصوص: نريد كل ما معك من أموال، وإلا سنأخذ السفينة. يعطيهم نفر بعض الأموال، ولكنهم لا يرضون، ويطلبون المزيد وينظرون إلى السفينة بطمع، ويقولون بأنهم سيأخذونها، ويقدمونها لكبيرهم، وسوف يكافئهم؛ لأن السفينة تساوي الكثير.

يبدأ الماء في النفاذ إلى السفينة ببطء، وعندما يراه اللصوص وهو يدخل السفينة، يخافون على أنفسهم ويفرون خوفًا من الغرق.

يقفزون مبتعدين وهم يصرخون: ارحلوا بعيدا بسفينتكم الغارقة. وبمجرد رحيلهم يسد نفر ويافث ذلك الثقب، وترسو السفينة بأمان في الميناء، ويتنفس الجميع الصعداء بعد ما زال الخطر، وغادر الأشرار السفينة.

يسأل يافث أخاه هل سيعودون مرة أخرى؟ يقول نفر: لا أعتقد أنهم سيرجعون، فهم يظنون أن السفينة تالفة، وسيكتفون بما أخذوه من أموال فقد كان قدوتنا نبي الله موسى (عليه السلام) وصاحبه، فلا تخف أخي العزيز.

يبدأ الركاب في مغادرة السفينة، ونفر وأخوه يساعدانهم في حمل البضائع حتى يغادر آخر شخص على السفينة.

ويبدأ الصبي الصغير في النداء مرة أخرى بصوت عال بأنهم يستعدون للمغادرة إلى دمياط، وقد نوى نفر ألا يعود إلى عكا مرة أخرى إلا بعد تحريرها من اللصوص المعتدين.

أضف تعليق

error: