لقد أمر الله ﷻ السيدة مريم بأن تهز النخلة لكي يسقط عليها التمر لتأكل منه، وهذا أمرٌ خاص بالسيدة مريم –عليها السلام– حيث كان ذلك من عناية الله ﷻ بها.
فقد قال ﷻ في سورة مريم ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا | فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا | فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا | وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا | فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾.
- نسياً: النسيء هو الشيء الحقير الذي من شأنه أن يُنسى ولا يذكر.
- سرياً: السري هو النهر.
- جنياً: يعني طرياً.
تفسير الآيات
﴿فَانتَبَذَتْ بِهِ﴾: أي تباعدت بالحمل.
﴿مَكَانًا قَصِيًّا﴾: أي بعيدًا عن قومها.
﴿فَأَجَاءَهَا﴾: أي فاضطرها وألجأها.
﴿الْمَخَاضُ﴾: أي وجع الولادة.
﴿إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾: أي إلى ساق النخلة، وذلك لكي تستند إليها، وتتمسك بها من شدة الوجع.
﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾: أي قبل هذا الكرب والحزن الذي أنا فيه.
﴿وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾: أي شيئاً حقيرًا لا يذكره أحد.
﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا﴾: أي نادى عيسى بن مريم أمه حين ولدته.
﴿أَلاَّ تَحْزَنِ﴾: أي قائلاً لها لا تحزني.
والأجمل أن الله ﷻ يُبشرها بالخير والراحة، يقول ﷻ ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾: أي جعل ﷻ بالقرب منكِ نهرًا تشربين منه.
﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾: أي حركيها إلى جهتك يسقط عليك رُطباً طرياً.
﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا﴾: أي كلي من الرطب واشربي من النهر وطيبي نفساً بمولودك.
وليس ذلك فحسب فإن الله ﷻ من عنايته بعباده الصالحين ومساندته لهم في الشدة والبلاء فإنه يخبرها بما تقول وتفعل إذا ما رأت قومها، يقول ﷻ ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ﴾: أي أيٌ من الناس يسألك عن شأنكِ فقولي: والقول هنا بالإشارة فقط ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾: أي أوجبت على نفسي لله صمتاً وإمساكاً عن الكلام؛ ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾.
من فوائد الآيات
أن الله ﷻ يعتني بعباده الصالحين، ويقف بجوارهم في الشدة والبلاء.
كما يمكننا استخلاص أفضلية السكوت حين لا يكون هناك فائدة من الكلام، وترك الخصام والجدال إذا لم يكن له نتيجة مرجوة.
⇐ كما أدعوك لتقرأ أيضًا: