في سرد مختصر ومُلخَّص سنُقدم لكم قصة الإسراء والمعراج مكتوبة، بشكل مُرتَّب وسهل لكي يتم الإلمام بهذه الحادِثة بشكل سهل ومُيسَّر. حتى أنه قد يسهل حكيها وصياغتها مختصرة للأطفال، أو حتى ذِكر مقتطفات منها في دروس العِلم أو في خُطَب الجمعة.
وبدايةً؛ نستطيع أن نُقَسِّم الإسراء والمعراج إلى أربعة مراحل:
- المرحلة الأولى: التهيئة.
- المرحلة الثانية: الرحلة المسماة برحلة الإسراء.
- المرحلة الثالثة: الرحلة المسماة برحلة المعراج.
- المرحلة الرابعة: ماذا ترتب على هذه الرحلة ما بعد الرحلة مباشرة؟
المرحلة الأولى المتعلقة بالتهيئة
هناك نوعان من التهيئة: تهيئةٌ حسيةٌ وتهيئةٌ معنوية.
التهيئة المعنوية كانت متعلقة بحال الانكسار النبوي، معنى الافتقار إلى الله -عز وجل-. إذ إن النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- قُبَيل المعراج كان قد مر بالأعوام الثلاثة التي سميت بأعوام الحصار في شعب أبي طالب عندما أُلجِئت بني هاشم ومعهم أبناء عمومتهم من بني المطلب، وحوصِروا؛ فلا بيع ولا شراء ولا تعامل ثلاثة أعوام، حتى أنفقوا كل ما لديهم من مدخر وأكلوا من بعض أوراق الشجر.
وفي هذا الحصار أيضًا، فقد الحبيب ﷺ أعز وأحب الناس إلى قلبه، وهي السيدة خديجة -رضي الله عنها وأرضاها- مباشرة بُعَيْد الحصار، وقد أنفقت كل ما لديها. ليس فقط من مال -وهي من أكبر تجار مكة- بل ومن هِمةٍ ومن وقتٍ ومن فكرٍ ومن جهدٍ في نصرة الحق الذي جاء به -صلى الله عليه وآله وسلم-.
توفي أبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يدافع عنه أمام بقية سادات قريش.
أيضا ذهب إلى الطائف ليجد من يستمع إليه، فرُمي بالأحجار وأوذي.
وعُرِضَ عليه أن ينتصر بالقتل أو بالخسف بمن آذوه في مكة بأن يطبق عليهم الأخشبين -كما جاء في صحيح البخاري-. والأخشبان هما جبلان محيطان بمكة. فقال «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا».
فهناك الاستعداد المعنوي من التذلل والانكسار والافتقار الشديد إلى الله، مع امتلاء القلب الشريف للرحمة.
ثم جاء الإعداد الحِسّي وهو ما صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه جاءه ملكان فشقا صدره الشريف وغسلا قلبه الطاهر. ثم أخذاه في بداية الرحلة.
يأتي الكلام هنا.. كيف شق الصدر؟ ما الذي ترتب على شق الصدر؟
حادثة شق الصدر تكررت أكثر من مرة في السيرة النبوية الشريفة. كلها -شق الصدر- لا نعرفها، لكن المعنى الذي وصل إلينا أنها تهيئة منذ الصغر. شُقَّ صدره الشريف وهو في الرابعة من عمره، وأُخرِج منه حظ الشيطان. قال البعض حظ الشيطان من الوسوسة، وقال البعض الآخر حظ الشيطان من الرحمة. لأنه -صلى الله عليه وسلم- قال -تعالى- له ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾. والشيطان من العالمين.
وحصل هذا الشَّق مرةً أخرى في ليلة الإسراء، وهو نوع من التهيئة للخروج من العالم الذي نحن فيه لاستقبال عالمٍ آخر.
المرحلة الثانية: الرحلة المسماة برحلة الإسراء
ثم أُتي -صلى الله عليه وآله وسلم- بالبراق، فبدأت النقطة الثانية والمرحلة الثانية، وهي الإسراء. والإسراء كان من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس في فلسطين. كما قال -سبحانه وتعالى- ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾.
مرَّ -صلى الله عليه وسلم- في هذه الرحلة بمشاهد عظيمة وجليلة. كل مشهد من هذه المشاهد له درس، له معنى.
فقد مَرّ بسيناء، حيث ناجى الله -تعالى- موسى، وصلى ركعتين في جبل الطور.
ومر ﷺ ببيت لحم، حيث ولد السيد المسيح -عليه السلام-، وصلى ركعتين فيه.
ومر بسيدنا موسى وهو قائمٌ يصلي في قبره -كما صح في الحديث في صحيح مسلم- عند الكثيب الأحمر.
حتى وَصَل بعد ذلك إلى المسجد الأقصى فوجد جميع الأنبياء قد جُمِعوا له. فقدمه جبريل ليصلي بجميع الأنبياء وقام فيهم خطيباً.
وتبرَّك بزيارة المسجد الأقصى أو قُل تبرَّك المسجد الأقصى بزيارته ﷺ.
المرحلة الثالثة: الرحلة المسماة برحلة المعراج
ثم تهيأ -صلى الله عليه وسلم- للمرحلة الثالثة من الإسراء والمعراج، وهي المرحلة مرحلة المعراج التي غادر فيها كوكبنا -كوكب الأرض- بل غادر المجموعة الشمسية، بل غادر مجرد درب التبانة، بل غادر الغلاف المتصل أو البهو المتصل بهذا الفضاء الكوني الذي كله في إطار السماء الدنيا؛ حتى وصل إلى السماء الدنيا واستأذن جبريل -عليه السلام-. قرع باب السماء الدنيا -أي استأذن بالولوج- فرد عليه الملائكة: من؟ قال: جبريل. ومن معك؟ قال: محمد. أوَ أُرسِل إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحباً بك، ولنعم المجيء.
جاء، وفُتِحَ له الباب.
قابل في السماء الأولى سيدنا آدم -عليه السلام-. ودار بينه وبينه خطاب الأب والابن ودعا له.
ثم ارتقى إلى السماء الدنيا فوجد فيها سيدنا يحيى -عليه السلام- والسيد المسيح -عليه السلام- سيدنا عيسى.
ثم ارتقى إلى السماء الثالثة فوجد سيدنا يوسف -عليه السلام-.
ثم ارتقى إلى السماء الرابعة فوجد سيدنا إدريس -عليه السلام-.
ثم ارتقى إلى السماء الخامسة فوجد سيدنا هارون -عليه السلام-.
ثم ارتقى إلى السماء السادسة ووجد فيها سيدنا موسى -عليه السلام-.
ثم ارتقى إلى السماء السابعة ووجد فيها سيدنا إبراهيم أبي الأنبياء -عليه السلام-، وهو متكئ على البيت المعمور. وهو بيت يضاهي الكعبة -يقابل الكعبة- لكن في السماء السابعة؛ له له ارتباطٌ روحانيٌّ نورانيٌّ بالكعبة المطهرة، يتنزل النور من البيت المعمور فيفيض على الكعبة المطهرة. يحج إليه الملائكة في العالم الأعلى.
وسلم على سيدنا إبراهيم -عليه السلام- ودعا له وأوصاه.
ثم صعد -صلى الله عليه وسلم- فوق السماء السابعة حتى وصل إلى مكانٍ توقف فيه سيدنا جبريل، عند سدرة المنتهى.
وسدرة المنتهى خلقٌ من خلق الله عظيم جليل تشبه شجرة نورانية ينتهي إليها وصول من يصل إلى تلك المواطن الشريفة، إلى تلك المراتب.
فتقدّم -صلى الله عليه وآله وسلم-. فتغشته سحابة التجليات الإلهية عند عرش الرحمن.
خاطبه الحق -سبحانه وتعالى- ﴿التحيات المباركات الصلوات الطيبات -أو- التحيات لله الصلوات الطيبات﴾.. حيّا ربه، فرد عليه الحق -سبحانه وتعالى- ﴿السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته﴾، فأجاب «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين».
وفرض عليه الصلوات، وعاد وتردد بين موسى وبين ربه للصلوات، حتى خُفضت من خمسين صلاة إلى خمس صلوات. فنفعنا الله -تعالى- بنصيحة سيدنا موسى -عليه السلام-.
المرحلة الرابعة: ما ترتب على هذه الرحلة -ما بعد الرحلة مباشرة-
ثم نزل -صلى الله عليه وسلم- إلى الأرض. ولما وصل إلى الأرض أخبر في اليوم الثاني أول من لقيه، وكان عدو الله أبا جهل. قال له: كيف أصبحت يا محمد؛ هل من جديد؟ قال: «نعم، أسرى الله بي البارحة إلى المسجد الأقصى». قال: وأصبحت بين ظهرانينا؟ قال: «نعم». فكتم أبو جهل ضحكته وقال: لو دعوت لك قريشًا أتكون مخبرهم؟ قال: «نعم». فنادى قريش، فلما سمعوا هناك من انبطح على ظهره من الضحك، وهناك من سخر، وهناك من استهزأ؛ وقالوا: إنا نضرب أكباد الإبل شهرين حتى نصل إلى المسجد الأقصى ونرجع وأنت تزعم أنك ذهبت في الليل ورجعت!
وقالوا له: صِف لنا المسجد الأقصى! ولم يكن قد زاره من قبل؛ وكان وقت ليل. فارتج عليه أثناء الوصف، فتبدَّى له المسجد الأقصى أمامه -صلى الله عليه وسلم- فوصف لهم وصفاً دقيقاً، وسيدنا أبو بكر يقول: صدقت.. صدقت. قالوا: تصدقه؟ قال: أصدقه بوحي السماء؛ أفلا أصدقه بأمر في الأرض!
وانتهت إلى هذا الحد السرد القصصي الملخص. شاهد في الرحلة الجنة وأصناف ممن فيها، وشاهد النار وأصناف ممن فيها.
حصل له في تجلي الحق -عز وجل- أن رأى ربه -سبحانه وتعالى-؛ قيل بعيني رأسه وقيل بعين قلبه. أي نظر إلى نور الله. والله -عز وجل- لا يحويه مكانٌ ولا يحويه زمان.
فلا يُتوهَّم أن هناك شيء اسمه سماء، ثم سماء، ثم سماء، ثم سماء، ثم عرش فوقها رب. الحق -سبحانه وتعالى- هو خالق السموات والأرض والعرش والكرسي، وهو خالق الزمان والمكان؛ فلا يحتاج إلى مكانٍ ولا زمان -سبحانه وتعالى-. منزهاً عن كل ذلك. غير أن ذلك الموطن الشريف كان محلاً لتجلي الله عليه.
وانتهى بهذا سرد المُلَخَّص للقِصة التي ذكرها الشيخ الحبيب علي الجفري؛ فجزاه الله كل خَيْر.