لا زلنا نغوص في بحار الحديث عن يوم الجمعة ونجمع بعض درره وكنوزه الغالية، ولا زلنا نجتهد في التعرف على هذا اليوم العظيم وفضله ومكانته المتميزة بين أيام الله عز وجل، محاولين تسليط الضوء على كل ما فيه من المنافع والنفحات والبركات، لنذكر أنفسنا بحسن اغتنامه والعمل على الانتفاع بكل ما فيه، ونحفزها للاجتهاد في ساعاته وتعميرها بكل ألوان الطيبات والأعمال الصالحة التي تثقل موازيننا وتكون بإذن الله حجة لنا عند لقاء ربنا، ولنحذر أنفسنا من الكسل أو الاستهتار أو التهاون في تلك النعم الربانية الغالية.
ولعل من أو جب ما يجب ذكره في هذا المقام أن تحدث عن فضائل يوم الجمعة وخصوصيته ونبرهن على ذلك بما ورد من أحاديث نبوية شريفة، وأن نذكر بعض ما يستحب فيه من الطاعات، وأن نسلط الضوء على سؤال هام متعلق بعبادة معروفة ومرتبطة بيوم الجمعة ارتباطاً وثيقاً وهو: ما حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؟ سائلين الله أن يوفقنا في بيان الحكم بوضوح وبلا لبس، وأن نفلح في التذكرة بقيمة وأهمية يوم الجمعة وسننه وطاعاته، والله المستعان.
بعض من فضائل يوم الجمعة
يوم الجمعة هو يوم من أفضل أيام الله عز وجل وأشدها خصوصية، فهو يوم رحمة وبركة وعتق، ويوم من الأيام التي تشهد على أحداث فارقة في عمر الكون كله، وفيه يأذن الله بقيام الساعة وهنا سوف نوضح خصوصية وفضل هذ اليوم بشكل مفصل مستندين إلى ما ورد في كتب السنة حول هذا الفضل وتلك الخصوصية.
يوم الجمعة جامع الاستثناءات
يوم الجمعة فيه أحداث عظيمة حدثت سابقاً وستحدث إن شاء الله وهي ما يفصلها حديث أبي هريرة “رضي الله عنه” عن النبي “صلى الله عليه وسلم” أنه قال: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة).
الموت في يوم الجمعة علامة حسن الخاتمة
ومن علامات حسن الخاتمة أن يحين أجل العبد في يوم طيب مبارك ومن أكثر الأيام بركة يوم الجمعة، حيث يقي الله عز وجل عبده شر فتنة القبر، ومما يدل على هذا المعنى حديث ابن عمرو “رضي الله عنه” عن النبي “صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر).
تعظيم الله ليوم الجمعة
يعظم الله عز وجل يوم الجمعة أيما تعظيم لذا جعله يوما شاهداً على أحداث عظيمة وخصه بخصائص جليلة ومن مظاهر تعظيم الله لهذا اليوم أن جعل لأهل الجنة سوقا يقال له سوق الجمعة يذهبون إليه فتهب عليهم رياح طيبة تخلفهم أكثر حسناً وبهاء وقد وردت نصوص في صحيح مسلم وغيره كحديث لأنس بن مالك “رضي الله عنه” عن النبي “صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً).
فيوم الجمعة هو يوم يتجلى الله فيه لعباده المؤمنين في الجنة، وقد ورد ذلك المعنى في تفسير قوله عز وجل: (ولدينا مزيد)، إذ يقول أنس بن مالك (يتجلى لهم في كل يوم الجمعة).
أما جهنم “أجارنا الله وإياكم منها” فإنها تسجر كل يوم أي يحمى عليها وتزداد حراً وسعيراً، إلا في يوم الجمعة فتكريماً له لا تحمى فيه جهنم.
يوم الجمعة يوم تكفير الذنوب
من فضل الله عز وجل أن امتن علينا في يوم الجمعة بتكفير الذنوب ومغفرتها والتحرر منها، وقد علمتنا السنة النبوية بعض الطاعات والسنن اليسيرة الهينة على المسلم والتي ينل بها التطهير من الذنوب والتكفير لها وقد ينها لنا الحديث الشريف: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى} [البخاري].
يوم الجمعة يوم البركة في الأجر ومضاعفة الثواب
إن من أعظم ما يميز هذا اليوم هو البركة والعطاء الجزيل الذي يعده الله عز وجل للمسلم فما من طاعة ولا قربة ولا فعل خير وإن كان يسيراً وهيناً ولا مشقة فيه، إلا أجزل له العطاء وضاعف له الأجر ومن ذلك المشي إلى الصلاة والتبكير إليها والإنصات للإمام وعدم اللغو، والغسل وغيره من الطاعة ومما دلنا على ذلك حديث أوس بن أوس “رضي الله عنه” عن النبي صلى الله عليه وسلم”: (من غسل واغتسل يوم الجمعة، وبكر وابتكر، ودنا من الإمام فأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة، وقيامها، وذلك على الله يسير } فانظر أخي المسلم عظم الفضل فالخطوة الواحدة تعدل صيام سنة وقيامها، فما أكرم الله بنا.
فيه ساعة إجابة
ساعة تكفي لتغيير أقدارنا وتبديل أحوالنا، وتحقيق أمنياتنا فقط لو اغتنمناها، وفي ذلك يقول أبي هريرة قال: قال رسول الله: {إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه ” وأشار بيده يقللها}.
العبادة فيه خير من العبادة في غيره
ومن أمثلة ذلك الصدقة فهي فيه أعظم وأقيم من غيره وهذا ما بينه لنا ابن القيم فقال: (والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور) وكذلك حديث كعب: (… والصدقة فيه أعظم من الصدقة في سائر الأيام).
كذلك الصلاة على النبي “صلى الله عليه وسلم” ففي يوم الجمعة يوصى بالصلاة عليه ويعزز ذلك بقوله الشريف: (إن من أفضلِ أيامِكم يومُ الجمُعةِ، فيه خُلِقَ آدمُ وفيه قُبضَ وفيه النَّفخةُ وفيه الصَّعقةُ فأكثِروا عليَّ من الصلاةِ فيه فإنَّ صلاتَكم معروضةٌ عليَّ».
ما حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؟
بعد الحديث عن فضائل وخصوصية يوم الجمعة يجدر بنا التعرض لطاعة من أهم الطاعات المرتبطة بهذا اليوم المبارك وهي تلاوة سورة الكهف يوم الجمعة، لنتعرف على حكمها وسند ذلك من السنة.
اشتهر بين الناس قراءة سورة الكهف وفضلها يوم الجمعة، وقد ورد غير حديث يبين هذا المعنى، ومنها حديث ابو سعيد الخدري الذي يرويه عن النبي “صلى الله عليه وسلم” حيث قال: (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة كان له نور ما بينه وبين البيت العتيق) وقد وردت روايات أخرى وذكرت قراءة سورة الكهف مطلقة ولم تقيد بيوم الجمعة.
ومن ثم فإن حكم قراءة سورة الكهف من القرآن الكريم فإنها سنة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وفعلها من بعده الصحابة والتابعين، غير أن تقييد القراءة بيوم الجمعة شاذ ولم يقل به العلماء، وهذا ما أجاب به الشيخ أبو إسحاق الحويني حين سئل عن حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.
وختامًا، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن نكون قد وفقنا في نقل الإجابة عن سؤال (ما حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة ؟) على الوجه الصحيح والله الموفق والمستعان.