هناك قاموس معروف للعبارات والتعبيرات الغرامية التي يرددها الرجل، وفي هذا القاموس مجموعة من التعبيرات تعد من أوسعها شهرة، والأرجح أن قائلها هو أول عاشق في التاريخ، فهي قديمة ومستهلكة ولا جديد فيها، ولو كان مخترعها على قيد الحياة لجمع بلايين الجنيهات من حق الأداء العلني المترتب على استعمال هذه التعبيرات بشكل وبائي.
من هذه التعبيرات التي يتضمنها القاموس كلمة أحبك ويقول القاموس عن هذا التعبير: يتردد هذا التعبير بكثرة في شارع الجبلاية وشارع الهرم وشارع الجزيرة والكورنيش وحديقة الأسماك وجزيرة الشاي، ومدافن خوفو وخفرع ومنقرع، والضواحي المحيطة بهذه المدافن كصحاري سيتي، كما يتردد في كل مكان شاعري هادئ فيه أضواء خافتة وموسيقي، ويندر استعمال هذا التعبير – أحبك – في المنازل الزوجية.
وأحبك مكونة من أحب وهو فعل مضارع، والكاف، وهي ضمير يعود على واحدة غالبا جالسة إلى جوار قائل التعبير، داخل سيارة تمشي واحدة واحدة في أحد الشوارع المذكورة أعلاه أو ما يشابهها، أو تكون جالسة أمامه في أحد الأمكنة الرومانسية المشار اليها.
والطريقة التي يقول بها الرجل هذا التعبير تكشف إلى حد ما عن صدقه أو كذبه.
فإذا قال أحبك بنبرة عادية وخفيضة نوعا دل ذلك على مسحة صدق.. مشكوك في أمرها
وإذا قال هذا التعبير همسا كان هذا قرينة على الكذب، ذلك أن الهمس يوحي دائما بأن الكلام صدق في صدق، ولعل هذا هو السبب في أن العشاق يفضلون الحديث الهامس!
وقد لا يكتفي العاشق بكلمة أحبك وحدها، بل يلحق بها كلمة أو كلمات تنتمي إلى فصيلة واحدة مثل: يا حياتي، ويا عيوني، وكلما زادت هذه الكلمات المضافة إلى كلمة أحبك، كان حجم كذبه أكبر ذلك أن تلك الكلمات هي مجرد ستار من الدخان يطلقه لتغطية كذبه وهو مسبل الجفنين ينطق بكلمة أحبك!
ويستعمل الرجل تعبير أحبك بكثرة في أيام الخطوبة والغرام، ثم ما تلبث حروف هذه الكلمة أن تتآكل على شفتيه بعد فترة من الزواج حتى تختفي من فمه تماما.
ويقال هذا التعبير – أحبك – بشكل آلي لا إحساس فيه إذا كان الرجل ذئبا، كما قد يقال بشكل حقيقي اذا لم يكن الرجل من فصيلة الذئاب ولكن من فصيلة الحمير، أي يحب واحدة تهيم غراما بفلوسه.
ومن عادة الرجل الذئب أن يعقب هذا التعبير بقوله: وحياتك ما لي أي غرض إلا حبك وبس، ويتضح لها أنه ليس له فعلا أي غرض شريف.
كذلك من عادة الرجل الحمار أن يحلف مائة يمين بعد أن يقول لها أحبك ذلك لأنها – من باب النصاحة – تتظاهر بعدم تصديقه.
وتعبير أحبك له ردود معروفة من جانب المرأة تختلف باختلاف الظروف والأحوال.
فإذا قالها الشاب لواحدة في الطريق العام مثلا كان الجواب:
إخرس يا قليل الأدب حبك بورص. وعادة تعقب هذه العبارة النسائية ضجة تنتهي بالشاب إلى التخشيبة.
بينما إذا قالها الشاب لواحدة معروفة – زميلته في العمل مثلا – وكانت لا تحبه وتحب شخصا آخر مثلا، فإن جوابها في هذه الحالة يكون:
عيب يا أستاذ.. إنت فاكرني إيه؟
فإذا كانت علاقة الزمالة وثيقة بينهما، وكانت – برضة – لا تحبه، فإن جوابها في هذه الحالة يكون:
وأنا باعزك زي أخويا يا فلان.. خلينا إخوات أحسن.
أما أمام الشاب الذي تحبه، فالرد على هذه العبارة يختلف فإذا كانت العلاقة الغرامية لسة طازة، اكتفت الفتاة بأن تغض بصرها مع احمرار في الوجه زائد حركة عصبية مثل فتح شنطتها واغلاقها بلا هدف.
وإذا كانت العلاقة العاطفية ليست جديدة، فالرد أيضا يختلف حسب الظروف.
فقد تمسك بيده وتسبل جفنيها وتتنهد قائلة: قول كمان..
وقد تقوم بنفس الحركة – تسبيل الجفن وإمساك اليد – ثم تقول: يا ريتني أصدقك يا قطة!..
مع ملاحظة أن هذا الرد الأخير يقال في حالتين: إذا كانت تحبه أكثر مما يحبها، أو إذا كانت تحب فلوسه وكان هو ينتمي إلى فصيلة الحمير. والحب عبارة عن عقد بين اثنين توافقت ارادتهما على تبادل وتوريد الحب للطرف الآخر، وبعض هذه العقود يتخذ شكل عقد الامتياز كشركات النور والمياه والترام زمان، فيظل الشاب على علاقة بها خمس أو ست أو سبع سنوات أو أكثر لأن ظروفه العائلية – ده كلام – لا تسمح بالزواج منها، ومثل هذا الشاب – صاحب عقد الامتياز – إذا قال لها أحبك، فإن رد الفعل عادة يكون حالة تخدير كاملة تصل فيها البنت إلى مرحلة انعدام الوزن، فلا شك أن الشاب الذي يضيع من عمر فتاة خمس أو سبع سنوات لتكون وقفا عليه هو أستاذ في فن التخدير.
وإذا كان تعبير أحبك هو لبانة في فم الرجل، فهو ليس كذلك عند المرأة فالمرأة – إذا استثنينا حالة الحب الفلوسي لا تنطق بهذا التعبير إلا وهي تعنيه غالبا.
وقد تقول الفتاة هذا التعبير للشاب – بكسر الباء وكأنها تخاطب فتاة مثلها وذلك إذا كانت تتحدث في التليفون وحولها ناس، كأن تقول لواحد اسمه فكري، باحبك يا فكرية. هنا تلاحظ أن الشاب قد انقلب إلى فتاة دون حاجة إلى دخول غرفة عمليات قصر العيني.
ومن التعبيرات الغرامية ذات الشهرة الواسعة تعبير: قبلاتي وأشواقي..
وواضح طبعا أنه تعبير جواباتي. والقبلات جمع قبلة والقبلة لها ماركات كثيرة أشهرها بالطبع القبلة الغرامية.
والقبلة الغرامية تبدأ سينمائية جدا على باب الشقة من الخارج عندما يوصل الخطيب خطيبته إلى بيتها، ثم تتحول فيما بعد إلى قبلة زوجية على باب الشقة من الداخل والزوج ذاهب إلى عمله أو عائد منه، هذا إن حصل!
وتعتري القبلة في تلك المرحلة تطورات هامة اذا تصبح روتينية مثل كلمة سعيدة وباي باي كما أن أداءها من الطرفين يكون غير سينمائي بالمرة كما أننا نلاحظ – في هذه المرحلة غير السينمائية – أن أحمر الشفاه لا يتأثر على شفتيها لأن القبلة تنتقل عادة إلى الخد في أخوية مزعجة، فإذا لاحظنا أن المرأة – في شهر العسل – تشتري الروج ليستهلكه الرجل بقبلاته – أدركنا الميزة الاقتصادية لقبلة الخد الساقعة التي توفر الكثير من أصابع الروج، وحتي لو استمرت القبلة – في المرحلة غير السينمائية – على الشفتين لا الخد، فطلاء الشفتين لا يتأثر بنفس الدرجة التي يتأثر
فيها مع القبلة السينمائية الحادة أيام الغرام، فالقبلة – أيام الغرام الحامي – تكون أشبه بحادثة تصادم عنيفة ومتعمدة بين أربع شفاه وتكون الخسائر فيها زوال الطلاء الأحمر.
ولا أحد يعرف – على وجه التحديد – من الذي اخترع القبلة والأرجح أن الاختراع تم كما يلي: الرجل يخشي دائما أسئلة المرأة فيما يتعلق بالمشكلة الأبدية الشهيرة: إخلاصه لها، والأرجح أن مخترع القبلة كادت تصل به الاسئلة إلى النقطة الحرجة فاخترع القبلة ليسد فم المرأة في الوقت المناسب!..
والقبلة الغرامية تنتقل من مكان إلى مكان على مراحل العلاقة فهي أيام التعارف تبدأ على اليد، ثم تنتقل إلى الشفاه مع الخطوبة، ثم في ليلة الزفاف تنتقل إلى الجبين والعريس يزيح الطرحة عن وجه العروس، ثم بعد مدة من الزواج تنتقل إلى رحمة الله.
ومن بين التعبيرات المتداولة في قاموس الرجل الغرامي تعبير: رقبتي عشانك يا عيوني!..
وواضح أنه تعبير غير واقعي كاذب جملة وتفصيلا، ومثله تعبير: عيوني لك يا حياتي، فالرقبة عضو في الجسم لا يمكن فكها واعطاؤها لأحد كالعينين تماما، ولو افترضنا أن شخصا نفذ هذا التعبير عملا فلا أحد يعرف ما الذي يمكن أن تفعله المرأة برقبة الرجل، فهي لا تصلح لأي استعمال، ثم إن ظهور رقبة بني آدم في يد أي شخص مصيبة كبيرة تذهب به إلى محكمة الجنايات بتهمة القتل، من هذا يتبين لنا أن المرأة التي يقال لها: رقبتي لك، لن تجني من هذه الرقبة – إذا أخذتها – إلا تحقيقات الشرطة والنيابة فالذي يستفيد من الرقبة – واقعيا – هم ثلاثة اشخاص فقط: صاحبها وهو على قيد الحياة، والجواهرجي الذي يكسب ألوف الجنيهات من وراء المرأة في بيع العقود، وعشماوي سجن مصر الذي يكسب خمسة جنيهات عن كل رقبة يشنقها!..
ومن أشهر التعبيرات المتداولة على لسان العشاق كلمة ليه ومشتقاتها: ليه ده كله، وكل ده كان ليه.. إلى آخر تلك المشتقات الشهيرة، ولعلنا نتبين بوضوح مدي انتشار هذه التعبيرات على لسان العشاق لو ألقينا نظرة سريعة على الأغاني التي تتحدث بألسنة هؤلاء العشاق مثال ذلك: ليه تهجرني ليه، وكل ده كان ليه، وازاي حبيتك انت وحبيتك انت ليه، وليه بيلموني وياك في حبي، والحلو ليه تقلان قوي، وليه تلاوعني، وليه ليه ليه ليه يا عين ليلي طال، مليون ليه وليه في الأغاني، أجوبتها سهلة ومعروفة غالبا مثل: ليه بيلموني وياك في حبي، الجواب: لأنك لم تتقدم حتى الآن لطلب يدها، لأنك تكتفي بالخروج معها كل يوم معرضا سمعة البنت للكلام الفارغ.
ليه تهجرني ليه دنا بحبك، الجواب: ربما لأن واحد تاني تقدم اليها مرتبه أكبر وشكله ألطف، أو ربما لأنك لا تغسل أسنانك أو ربما لأن ريحتك زي ريحة الهيبيز أو ربما لأنك بخيل جلدة بتفسحها كعابي على الكورنيش وكل تكاليف الفسحة قرطاس ترمس.
بقلم: أحمد رجب